ناجي نعمان، هذا الَّذي أُطلقَ عليه لقبُ "مجنون الثَّقافة بالمجَّان" منذ أكثرَ من عقد، يبدو فرحًا بلَقبه، لا بل مُنطلِقًا في تحقيق حلم طفولته: الكتابةُ وتوزيعُ الكُتُب بالمَجَّان؛ وهو، في هذا المجال، كان سبَّاقًا على الصَّعيد العالميّ، وقد يكونُ بَزَّ، بالجهد الفرديّ، وبالعطاء حتَّى الاستِدانة، مؤسَّساتٍ كبيرةً، لا بل وزاراتٍ ودولاً بأكملها. بعد سلسلة "الثَّقافة بالمَجَّان"، وجوائزه الأدبيَّة المختلِفَة، وصالونه الأدبيّ الثَّقافيّ ("لقاء الأربعاء")، ومُحترَفه الأدبيّ، وأكشاكه للكتب المجَّانيَّة المَفتوحَة أمام العموم، وبعد ما كرَّمَ ذكرى والده الرَّاحل الأديب متري نعمان، وجعلَ من داره، دار نعمان للثَّقافة، الدَّارَ الوحيدةَ الَّتي تُصدرُ، بنحو خمسين لغةً، كُتُبًا مَجَّانيَّةً مُمَوَّلَةً بالجهد الخاصّ فقط، نقولُ، بعد هذا كلِّه، كان لا بدَّ لناجي نعمان أن يفكِّرَ بنفسه، وبأعماله الأدبيَّة العديدة الَّتي نفدَت، أو لم تُطبَع بعد، كما بمُنتَخباتٍ له نُقِلَت إلى أربعين لغةً؛ نعم، نُقِلَت له مُنتَخباتٌ إلى أربعين لغةً من دون دَفع أيِّ قرش، ذلك أنَّ التَّرجمات تمَّت من قِبَل أصدقاء، وأصدقاء أصدقاء، من أكبر الأسماء في عالم الأدب والشِّعر والتَّرجمة والألسُنيَّة، في ما يُعتَبَرُ فتحًا عربيًّا جديدًا أكيدًا، وقد يكونُ فتحًا عالميًّا جديدًا، والأمرُ متروكٌ للجنة موسوعة غينيس. *** فقد أصدرَ ناجي نعمان، لِمناسبة الذِّكرى الخامسة والخمسين لولادته (1954-2009)، والذِّكرى الأربعين لكِتاباته (1969-2009)، والذِّكرى الثَّلاثين لتأسيس دار نعمان للثقافة (1979-2009)، والذِّكرى الخامسة عشرة لغياب الأديب متري نعمان (1994-2009)، كما لِمناسبة إعلان بيروت عاصمة عالميَّة للكتاب، والقدس عاصمة ثقافيَّة عربيَّة (2009)، مجلَّدَين أدبيَّين جديدَين له من ضمن سلسلة "الثَّقافة بالمجَّان" التي أنشأها عام 1991 وما زال يُشرفُ عليها. يحملُ المجلَّدُ الأوَّلُ عنوانَ "حياةٌ أدبًا" - الجزء الأوَّل (1969-2009)، ويضمُّ عشرة كتبٍ أدبيَّةٍ مُنجَزَةٍ للكاتب، ويحملُ الثَّاني عنوانَ "النَّاجيَّات"، ويضمُّ مُنتَخَباتٍ له في أربعين لغة.
أوَّلاً: مجلَّد "حياةٌ أدبًا" يتضمَّن هذا المجلَّد مُجمَل أعمال نعمان الأدبيَّة، في ما عدا كتابِ "الذِّكرى" الَّذي صدرَ عامَ 1999 من ضمن "أدبيَّات الألف الثَّاني"، إذْ هو في طَور التَّوسيع؛ كما لا يتضمَّنُ المَخطوطات غير النَّاجِزَة الآتِيَة: "الزَّائِر"، "العَدَّاء"، "الذَّات"، إلى كتاباتٍ أدبيَّةٍ متفرِّقَة لم يَجرِ تَرتيبُها بعد.
وأمَّا كُتُبُ المجلَّد، فالآتِيَة: - "ألرَّسائِل"، والكتابُ استِعادةٌ ل "خَمس وعِشرون" الصَّادِر عامَ 1979 (طبعة خامسة)، و"أنتِ والوَطَن" الصَّادِر في العام التَّالي (طبعة خامسة أيضًا)، مع إضافاتٍ عديدة، ومرحليَّة، رافَقَت طبعاته المختلِفة (أربع طبعات) منذ كانون الأوَّل 1995. وهذا الكتابُ عبارةٌ عن عشرين رسالةً تتوزَّعُ على أربعة أجزاء: "هَينَمات"، "إنسانيَّات"، "وجدانيَّات"، "مُستقبليَّات"؛ وتتميَّزُ بحسٍّ إنسانيٍّ مُرهَفٍ، وتُعتبرُ منجمًا لِحِكَمٍ وضعَها المؤلِّف في أربعين عامًا (1969-2009).
- "ألمُنعَتِق" (طبعة ثالثة)، وصدورُ طبعته الأولى في تشرين الثَّاني 1997. وهذا الكتابُ (نُقلَ بالكامل إلى الرُّومانيَّة)، جزآن: "العائد"، وفيه يتقمَّصُ المؤلِّفُ البشرَ والحجرَ والماء والنَّسمة، وما إليها؛ و"الشَّريف"، وهو قصَّةٌ شعبٍ وقائد، والهدفُ، في الجزءَين، دعوةُ النَّاس إلى الانعِتاق.
- "ألمُندَمِج" (طبعة ثانية)، وصدورُ طبعته الأولى من ضمن "أدبيَّات الألف الثَّاني"، نهايةَ ألفٍ، بدايةَ آخر (كانون الأوَّل 1999). وهذا الكتابُ يتضمَّن دعواتٍ ثلاثًا لاندماج النَّاس في الكون: إندِماجٌ في الحَياة كما في "الصَّامِت"، واندماجٌ في الانتقال كما في "الدَّيَّان"، واندِماجٌ في المَوْت كما في "السَّائِح".
- "ألحالِِم" (طبعة ثانية)، وصُدورُ طبعته الأولى في تشرين الثَّاني 2001. وهذا الكتابُ (حائزٌ جائزةَ أكاديميَّة شرق-غرب)، جزآن: "الأخير"، وفيه رواية نهاية العالَم بحَسَب الأديب، و"الأوراق"، وفيها كتاباتٌ متخصِّصَة، وأمَّا الهمُّ، في الجزءَين، فمسألةُ الإنسان، والبحث في هنائه.
- "ألألِفياء" (طبعة ثانية)، وصدورُ طبعته الأولى يعودُ إلى كانون الأوَّل 2002. وهذا الكتابُ يتضمَّنُ "الملحمَة"، وهي نزالٌ بين الشَّرِّ والخَير؛ و"الرَّاحِل"، وهو تصوُّرُ الكاتب للحياة من الطُّفولة إلى الممات؛ و"المُحاوِر"، وفيه لقاءُ الكاتب، بعد الممات، نماذجَ من البشر، وحوارُه معهم. - "ألمُسالِِم" (طبعة ثانية)، وصدورُ طبعته الأولى في آذار 2005. وهذا الكتابُ دعوةٌ إلى السَّلام عبر طرح عددٍ من الأسئلة كما في "السَّأَّال"، والتَّحفيز عليه كما في كلٍّ من "الثُّلاثيَّة" و"الشَّاعر".
- "القاتِل" أو "لِحُبِّكِ سُلافَة"، 2006، وصدورُ طَبعته الأولى يعودُ إلى الجُزء الحاليّ من "حياٌة أدبًا". وهذا الكتابُ "قُصرَحيَّة نَثشِعريَّة فُصحَمَكيَّة غنائيَّة راقِصَة في فصولٍ أربعة"، أرادَها صاحبُها "بسيطةً في قصَّتها، عاديَّتَها، وإنَّما هادِفَةً إلى تصغير الثَّأر، وتكبير الحبّ، والمحبَّة".
- "المُتَسامِح"، 2008، وصدورُ طَبعته الأولى يعودُ أيضًا إلى الجُزء الحاليّ من "حياٌة أدبًا". وهذا الكتابُ كتابتان: الأولى، "نهايةُ عُشّ"، وفيها صراعٌ بين الغَيرة (من) والغَيريَّة؛ والثَّانية، "شقيقتا النُّعمان"، وفيها حوارٌ بين الحكمة والمحبَّة، واندماجهما. ثانيًا: مجلَّد "النَّاجيَّات" مُنتخباتُ هذا المجلَّد مُستَقاةٌ من كتب الأديب الآتية: الرَّسائل، المنعَتِق، المندمِج، الذِّكرى، الحالِم، الألِفياء. وأمَّا اللُّغات التي نُقِلَت إليها تلك المُنتَخَبات، فالآتية: الألبانيَّة، الأرمنيَّة، الأرومانيَّة (لغة الفلازيك السلاف في البلقان)، البلغاريَّة، الكاتالانيَّة، الكرِيول، التشيكيَّة، الدِّنمركيَّة، الهُلَّنديَّة، الإنكليزيَّة، الإسبرَنتو، الإستونيَّة، الإكسترامادورانيَّة (من لغات إسبانيا)، الفرنسيَّة، الألمانيَّة، اليونانيَّة، الغارانيَّة (لغة هنود البرازيل والباراغوِي)، الهنغاريَّة، الإيطاليَّة، الكرديَّة (بالحرفَين، العربيِّ واللاَّتينيّ)، اللِّتوانيَّة، اللُّبنانيَّة، اللِّنغاليَّة والمونوكوتوبا (من لغات الكُنغو)، المَقدونيَّة، المُنغوليَّة، الفارسيَّة، البولونيَّة، البرتغاليَّة، الرُّومانيَّة، الرُّوسيَّة، الصِّربيَّة، السلوفاكيَّة، الإسبانيَّة، السُّويديَّة، السُّريانيَّة، التُّركيَّة، الأوكرانيَّة. هذا، والتَّرجماتُ، جميعُها، قُدِّمَت إلى الكاتب من دون أيِّ مُقابِل؛ وجاءت بأقلام كبارٍ في عالم الفِكر والأدب، أو بإشرافهم، من مِثل: الأب عادل تيودور خوري (ناقلُ القرآن الكريم إلى الألمانيَّة)، وجورج غريغوري (ناقلُ القرآن الكريم ونهج البلاغة إلى الرُّومانيَّة)، ودوميترو إم يون (رئيس الأكاديميَّة شرق-غرب، رومانيا)، وبرانكو شِفتكُسكي (مدير المسرح الوطنيّ في مَقدونيا)، ورُنِه فِرِّر (الأديبة الباراغوانيَّة المُرَشَّحة لنَيل جائزة نوبل للآداب)، ولِفون طوروسيان (الألسنيّ الأرمنيّ في النَّمسا)، وفالِريو بوتولِشكو (السِّياسيّ والأديب الرُّومانيّ)، وجيري نازينِك (الكاتب التشيكي)، ونيلز هاو (الشَّاعر الدَّنمركيّ)، وجان وليام بوس (النَّاشر الهُلَّندي)، وأنطونيو غاريو كورِّياس وجاومي أربونيس (الإسبانيَّان، وهما من ناقِلي "الأمير الصَّغير" إلى أكثر من لغة)، نيكول كاج-فلورانتيني (الشَّاعرة المارتينيكيَّة)، إلى الموسوعيّ الإيرانيّ عبد النَّبيّ القيِّم، والكاتب الرُّوسيّ ستانيسلاس كاربنوك... مع العلم أنَّ بعضَ هؤلاء هم من حائزي جوائز ناجي نعمان الأدبيَّة (غريغوري وفِرِّر وبوتولِشكو وهاو وكاج-فلورانتيني والقيِّم). *** وذُيِّل هذا المجلَّدُ بتقريظٍ من الدُّكتور ميشال كعدي، جاءَ فيه: "يَراعتُهُ تأبَى الكسَلَ والجَفافَ. أقلامُهُ الَّتي بِجِيرَتِهِ مَشكوكَةٌ أَبدًا في طَفحِ الدَّواةِ المَلأَى بالكلماتِ العَيناءِ الَّتي لا يَفوتُها جَمالُ الوَقْعِ والرَّصفِ اللاَّ مُتَناهي، وناجِياتُ الحُسْنِ. "الأَديبُ ناجي نَعمان، يَصوغُ الكلمةَ مِن الكلمةِ، ثم يُعْليها، لِتَبقى أَبدًا في طَوافٍ، تَلُمُّ النَّجاوى من ناجِياتٍ تَحمِلُ للرِّيشةِ النَّغمَ، والصَّريرَ؛ وأمَّا الصَّليلُ فعَلى حَدِّ اليَراعِ المَطبوعِ، ومَدَقِّ الطِّيبِ... "وإنْ كانَتْ لقَلَمِ ناجي مِتري نَعمان مَحْمَدَةٌ ثانيةٌ، فثَمَّةَ مُحاولةُ تسهيلِ القراءةِ بالمَجَّانِ للُّبنانيِّين والعَرب، ولِغَيرهم، من ضِمن أنشِطَةٍ ثقافيَّةٍ مَجَّانيَّةٍ جَمَّة. "هذا الَّذي نَسَقَ الدُّرَّ، وَمَدَّ له مِن دارِهِ أَسلاكًا مَنسوجةً من نِياطِ قلبِه، وَبُعْدِ ضميرِهِ، تَناظَمَ فيه الحرفُ الجامعُ، والمُصافاةُ، وصِقالُ الجلاءِ، والقلائِدُ الَّتي باتَتْ كَيِّسَةً في مَعاريضِ المعاني. "هذا الأديبُ، ما نَفَرَتْ على أَصابعِهِ عبارةٌ ولا استَوحَشَتْ، فهو يُؤاتي تراكيبَهُ على مُبتغاها، فالسِّلكُ والنَّارُ يَسيران معًا على الرُّقعةِ الواحدة، وأَجملُ ما فيه قوَّةُ إِيمانه بمَوعودِهِ. "النَّاجِيَّاتُ" مَنسولةٌ من القلائِدِ، وأَنوالِ الطُّموحِ، والوُشُحِ، واختيارِ الأَردِيَةِ الأَدبيَّةِ، وبطائِنِ الخَزِّ والدِّيباجِ. "في أيِّ حالٍ، هذا الأَديبُ لا يُشارَطُ. لقد صَمَّمَ على الطُّموحِ فالوصولِ، فمَضى من دونِ تردُّدٍ أو تَعَوُّجٍ، ثمَّ تَشَبَّثَ بالقَلَمِ، ولو تَثَلَّمَ، وفي مُطلَقِ الأَحوالِ، قواريرُ الطِّيبِ في جُمْعِ يدَيهِ. "واللاَّفتُ أَنَّهُ مُتَعَمِّقٌ في الأَقوالِ الفِصاحِ، والتَّأنُّقِ، ولا غَروَ، فهو ابنُ الشَّاعرِ والمُفَكِّرِ واللّغَويِّ الكبيرِ مِتري نَعمان. "مجنونُ الثَّقافة بالمَجَّان" هذا، لم يَتَهَيَّبْ أَمامَ الصُّعوباتِ والعَوَزِ، فاستَصْنَعَ القوَّةَ فدانَتْ له، في وقتٍ لم يُظهِرْ عن ذاتِهِ فِعلاً ليس فيه، فكانَ في كلِّ حينٍ صَيوبًا في معالجةِ الأمورِ، يُهَيِّئُ للقضايا دُروبًا مُستَقيمَةً، ويَتَجَهَّزُ للمُغامرةِ الَّتي يُريدُ تَسويتَها. "أنشِطَتُه المَجَّانيَّةُ في دارِ نَعمانَ للثَّقافةِ، تُشبِهُ إِلى حدٍّ بعيدٍ الرِّسالةَ، رسالةَ المُؤمنِ الَّذي يُصَلِّي للسَّحابِ الصَّيِّبِ، حتَّى يَنتَضِحَ الماءُ عليه وعلى النَّاسِ. "عمَلُهُ مُقتَلَعٌ مِن إيمانِه. ومِثلُ هذا القلمِ العَجَبِ، لا يَحمِلُ الجفاءَ، وإِنَّما يَطوفُ بين الأَضواءِ، بين العاجِلَةِ والآجِلَةِ، لِيُثَبِّتَ مآلَ الكلامِ ومُفادَ القَولِ. قَلَمٌ، كهذا القلم، يَقوى على القهرِ، والدَّهرِ... "ناجِياتُ ناجي نَعمان، من العَسْجَديَّاتِ. وكأنِّي بها ركائِبُ الأُمراءِ، تَسيرُ لِتَحميَ العَرشَ. نَجاواهُ بريقٌ تَضرِبُ في عُمقِ اللَّفظِ واختِيارِ المُفرَداتِ؛ وأَمَّا التَّرَفُّقُ ففي انتِقاءِ الأحرفِ والأفضلِ، وَنِعْمَ التَّنَظُّرُ في أثناءِ تَحَدِّي المُحَسِّناتِ وتَجديدِ الكلماتِ الَّتي تُضْفَرُ بأناقةٍ، فتَغدو نموذجًا على أَريكةِ العقلِ وأَسانيدِ الحواشي وأَمداءِ الأَعماقِ. "النَّاجِيَّاتُ" هذه، فِلَذٌ قُدَّتْ من الأَضلاعِ، والذَّاتِ. نُتَفٌ مَسحوبةٌ من الشَّرايينِ، أُركِزَتْ مَحطَّاتٍ للفلسفةِ والعقلِ والقلبِ والفِكرِ والجَمالِ، حيثُ توقَّفَ مَسيرُ الدَّهرِ على نورِ المَعارفِ والعِشقِ والنَّغَمِ، على أَنَّ وَقْفَ النَّفْسِ على الاهتِداءِ وحُبِّ اليَقينِ. "وبِتَقديري، أَنَّ هذه "النَّاجِيَّاتِ" تُعطي مِن دونِ مِنَّةٍ، وهي لعبةٌ لا ضِفافَ لها، ولا حِداءَ يُلزِمُ الآخَرَ على الهَزَج. إِنَّها لعبةُ الإِعصارِ في المُطلقِ. إِنَّها رنَّاتُ الكؤوسِ الفارسيَّة. إِنَّها المِسكُ الدَّارينيّ. إِنَّها تناسقُ الصُّوَرِ، والجهدُ في ضَنى الصَّنيعِ ومُعاناةِ القضيَّةِ والحالةِ... هذا النِّتاجُ الأَدبيُّ، حوَّلَ المِدادَ دمًا، والغزَّارةَ صَولجانًا... اندلَعَتِ الأبجديَّةُ تحت بَصرِهِ، فنَسيجُهُ نَعمانيٌّ، مِن صناديقَ مَفضوضَةِ الأَختامِ، على القرطاسِ المَصقولِ والأكوابِ المُذَهَّبَةِ الشِّفاهِ، والبِلَّورِ المُعَدِّ لِنَحتِ "الحَلا". "كلمةُ ناجي نعمان مَنزلُهُ. حُرفُه صَومَعَتُهُ. جُمَلُهُ وطنُهُ وعالَمُهُ. فهو لا يُخبِّئُ الكلامَ، لأَنَّه يَسيرُ معه كظِلِّهِ، في حِلِّه وتَرحالِه، في رُقادِهِ وصَحوِهِ، في حزنِهِ وفرحِهِ، في عَوَزِه وبُحبُوحتِهِ. لأَجلِهِ صَرَفَ الحياةَ والعمرَ والأعوامَ والعملَ، واعتبرَ نفسَه قَيِّمًا على زمنِهِ، ووكيلاً على كلِّ ثانيةٍ ودقيقةٍ وساعةٍ، يَتكلَّمُ وَحدَه باسمِه، وكانَ بذلكَ كالصَّائغِ المُتْرَفِ، الَّذي يَقضي اللَّيالي في مُحتَرَفِهِ، يَنقُشُ بعُدَّةٍ ذهبيَّةٍ، تارِكًا وراءَه الفُتاتَ من ثَمينِ المعادِنِ، والعقودَ الَّتي تَحَلَّتْ بالنُّضارِ واليَواقيتِ.