جاء في دراسةٍ تحت عنوان ((الهجرة السرية )في الرواية المغربية للأستاذ (عبد الواحد عرجوني ) التقسيمُ الآتي، للمتون الروائية التي تناولت موضوعَ الهجرة السرية: روايات (ما قبل العبور ) أو (ما قبل الهجرة )؛ ومنها: (سماسرة السراب ) ل(بنسالم حمّيش )، و(حشيش ) ل (يوسف فاضل )، و(قصة معلّم انحرف مركبُه ) ل(مصطفى أدَمينْ )... روايات (أثناء العبور ) أو (أثناء الهجرة )؛ ومنها: (انتحار المبعَدين ) ل(أشهبار المُتّقي )... روايات (ما بعد العبور ) أو(ما بعد الهجرة )؛ ومنها: أيّها الرائي ل(محمد عزّ الدين التازي )، و(يوميات مهاجر سرّي ) ل(رشيد نينّي )... هذا التقسيم، يختزلُ ظاهرة الهجرة السريّة في ثلاث مراحل زمنية وهي: قبل، وأثناء، وبعدَ؛ ويوحي بعدم وجود مراحلَ (وُسطى ) مُهمّة ومُفعمَة هي الأخرى بالمآسي النفسية والاجتماعية الوجودية التي يعاني منها المرشّحون للهجرة السرّية؛ والتي (قد ) تُشكّلُ بالنسبة للروائي مادّةً خِصْبة للكتابة الروائية. أعتقد أنّ ظاهرة (الهجرة السريّة ) مجموعةٌ اتِّصالية (Un continuum ) جميعُ مراحِلِها مُهمٌّ بالنسبة للسياسي، والباحثِ الاجتماعي، والإعلامي، والفنّانِ، والأديبِ، والناقِدِ... لِذا، رأيْتُ أنّ (الهجرة السرية ) في مفهومها الوجودي، تبدأ من اللحظة التي يشرعُ الشخصُ بالتفكير في (الحريگ ) ذلك، لأنَّ المرشّحَ ل(الهجرة السريّة )، يهجرُ نفسيا وفكرياً ثقتَه في بلدِه، وقناعاتِه السابقة، ويبدأُ في تركيب علاقاتٍ جديدة حالِمَة مع نفسِه، وأصدقائِه، وأهلِه؛ فيركبُ مجهولَ المغامرة، لينتهيَ نِهايةً مأساوية (في جميع الأحوال ). أجل؛ الهجرة السريّة مأساةٌ من بدايتِها إلى نهايتِها. وبسببِ ذلك، ورغبةً منّي في تنوير الرأي العام والخاصّ؛ اقترحْتُ التقسيم الآتي: 1 مرحلة التغرير: وهي في نظري مرحلة (ما قبل الهجرة )؛ وفيها يعملُ المهاجرون (الناجحون ) في إيهام الشخص المرشّح للهجرة السريّة، بالحياة الرغدَة في أرض المهجَر. تُساهمُ في هذه المرحلة؛ وسائل الإعلام، والمسلسلات التلفزيونية، والأفلام، ومؤسسات الإشهار التي تقدِّم للمرشح وهو شابٌّ في الغالب صورةً خاطئةً عنْ ما يُسمّى ب(النجاح الاجتماعي)؛ وذلك من خلال عرضِها لتيمة ( الشبابية )، و(الجَمال )، و(الصِّحّة )، و(القُوّة )، و(المال )، و(السيارة الفاخرة )، و(المرأة الشقراء )... 2 مرحلة التفكير: وفيها يكونُ المرشّحُ (أو المُرشّحةُ ) للهجرة السرية، قد تشبّع بتلك القِيَم الخاطئة، وراحَ يُفكِّر في (الحريگ ْ) كحلٍّ لجميع مشاكلِه الوجودية؛ ولأجلِ أن يفكِّرَ (جيّداً )؛ تراهُ ينعزل عن المجتمع، أو يدخل في نقاشٍ مع شخصٍ يثق فيه طلباً للمساعدة... 3 مرحلة الاستعداد: وفيها يحاول استجماع المال بالضغط على عائلتِه لكيْ تبيع أرْضاً أو بقرةً أو لكيْ تقترض، مع تقديمِه لوعود التعويض. لنلاحظ أن المرشّحين للهجرة السريّة، ليسواْ دوماً من الفقراء؛ الفقراء المعدمون لا يفكّرون فيها لأنّهم لا يتوفّرون على ثمن (الرحلة ). 4 مرحلة التربُّص: وهي ليستْ مرحلةً أقل خطورة من غيرها، فالمرشحون للهجرة السريّة، يُضطرّون للإقامة عندَ سماسرة الهجرة، في ظروف صعبة، يطبعُها الجوع والخوف والقلق، في انتظار أن تصيرَ طريق البحار، أو الجبال، أو الصحاري، أو الحيطان، أو الأسلاك، سالِكة. أو في انتظار أن يتِمَّ قبول رشوة من طرفِ خفر السواحل، أو الجمارك، أو جنود الحدود. 5 مرحلة العُبور: وفيها يركبُ المهاجر السرّي (قوارب الموت )، أو حاويات الشاحنات، أو صناديق السيارات، أو مخازن الطائرات... تحث تهديد الموت؛ غرقاً، أو اختناقاً، أو سَحقاً، أو رمياً بالرصاص... 6 مرحلة الوصول: والتي فيها، يصِلُ (الحرّاگ ُ) إمّا إلى الموت، أو السجن، أو الطرد، أو التواجُد غير القانوني في الأرض الموعودة، والعمَل السرّي غير مضمونِ الحقوق، وفي أحسن الأحوال؛ إلى تسوية الوضعية. ليصبحَ بتسوية وضعيتِه؛ فاعلاً في مرحلة (التغرير ). وهكذا تنغلقُ مأساةُ الهجرة السريّة على نفسِها. 7 مرحلة الاستفاقة: وفيها يستفيقُ المهاجر السرّي (الناجي من الموت ) من أحلامِه وأوهامِه، عندما يجدُ نفسَه ورفاقَه، عرضة للاستغلال الفاحش، والتهميش، ومختلف مظاهر العنصرية وكراهية الأجانب، والاحتقار، والعنف بجميع أشكالِه، والضرورة إلى ممارسة مِهنٍ حقيرة لم يكنْ يرضاها لنفسِه في بلدِه الأصلي، ومِهن تتناقضُ مع معتقداتِه الأخلاقية، و الثقافية، والفكرية، والدينية؛ مثل العمل في قطاع الخمور، وجزارة الخنزير، وبناء الكنائس، وبيع المخدّرات، أو العمل عند شواذ جنسيين، أو العمل في قطاع الدعارة... خاتمة: أعتقدُ أن التقسيمَ الذي اقترحْتُ، قد يساعدُ الروائي على الكتابة عن المآسي الوجودية المرتبطة بكل مرحلة، وناقد الأدب، على تدقيق تصنيفه وتقسيمه للمتون الروائية المبنية على تيمة (الهجرة السريّة)، والسياسي والاجتماعي، على فهم كل مرحلة من مراحِلِها، لأجل التدخل بكل ما يملك من وسائل لتوعية المرشحين إليها بخطورة (ركوب المغامرة ). ملاحظتان أخيرتان: 1 تناولُ موضوع (الهجرة السريّة )، ليسَ حكْراً على الرّوائي؛ الشاعرُ أيضاً يمكنُ أن يتأثرَ به، وكذا الفنان التشكيلي، والمسرحي، والسينمائي... 2 لا يهدِف هذا المقال إلى توعية الأشخاص المرشحين إلى (الهجرة السرّية ) بمخاطرها؛ هدفُه الأصلي، أدبيٌّ موجّهٌ إلى نُقّاد المُتون الروائية المهتمّة ب(الهجرة السريّة) ومراحلِها؛ وإشارةٌ إلى كافّة المبدعين لإمكانية تناول (مآسي ) كل مرحلة على حِدة، أو تناول تداخلاتها.