'هيريتاج فاونديشن': تأكيد الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه رسالة قوية تكرس الحقيقة والواقع على الأرض    حين تحدّث الملك فاهتزت الإمبراطورية    الترويج لوجهة المغرب: المكتب الوطني المغربي للسياحة يطلق جولة ترويجية كبرى بتورنتو وبوسطن وشيكاغو    40 ألف مخالفة سير خلال عطلة العيد ضخت 713 مليونا في صندوق الدولة    الطرق السيارة بالمغرب تتعزز بخط جديد يربط مراكش بآسفي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الذهب يرتفع 2% وسط تراجع الدولار ودخول رسوم جمركية أمريكية حيز التنفيذ    بعد أن فضحتها المهندسة المغربية ابتهال.. انتقادات من الداخل والخارج ل "مايكروسوفت" بسبب دعمها إسرائيل    الهزيمة القاسية تغضب أنشيلوتي    السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    كيوسك الأربعاء | تخفيض جديد في أسعار بعض الأدوية منها المسخدمة لعلاج السرطان    من بنجرير وبغلاف مالي بلغ مليار الدرهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث والابتكار    رابطة العلماء تواصل حملة "تمنيع" السجناء ضد التطرف العنيف في سياق "مصالحة"    الممثل محمد الشوبي في وضع صحي حرج.. نداء إنساني لإنقاذ حياته    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    هجوم سيبراني يضرب الموقع الإلكتروني لوزارة التشغيل    لحسن السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    طقس الأربعاء.. أجواء غائمة بمعظم مناطق المملكة    بعد تهديدها للضحية.. أمن مراكش يوقف المعتدية على التلميذة "سلمى"    المنتخب الوطني المغربي للسيدات ينهزم أمام نظيره الكاميروني (1-0)    الصين تتوعد باتخاذ "تدابير حازمة وشديدة" ردا على رسوم ترامب الجمركية    أحزاب مغربية معارضة تطالب بعقد جلسة برلمانية للتضامن مع فلسطين    الولايات المتحدة تجدد تأكيد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء    "سلة الفتح" تفوز على الملعب المالي    الأمن يلقي القبض على مرتكب جريمة قتل بحي المويلحة القديمة بالجديدة    ماكرون يدين استهداف إسرائيل لطواقم الإسعاف في غزة    ديكلان رايس نجم أرسنال ضد الريال    البايرن ميونخ والهزيمة الغير المتوقعة أمام الانتر    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    حادث اصطدام عنيف بين ثلاث سيارات يُخلف مصابين باكزناية    دينامية شبابية متجددة.. شبيبة الأحرار بأكادير تطلق برنامج أنشطتها بروح المبادرة والتغيير    النفط يهبط لأدنى مستوى منذ 4 سنوات.. تراجع سعر البرميل إلى أقل من 60 دولارًا    الجيش يغادر دوري أبطال إفريقيا    الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟    تساؤلات حول مصير سفير الجزائر بواشنطن بعد تجديد الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على صحرائه الغربية    انتخاب المغرب في مكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الاتحاد البرلماني الدولي    دوري أبطال أوروبا.. أرسنال يصعّب مهمة الريال وإنتر يهزم بايرن في ميونيخ    لشكر يُشهر ملتمس الرقابة.. وأوزين يُحرج نواب الاستقلال أمام "الفراقشية"    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    دروس ما وراء جبهة الحرب التجارية    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجذوب
نشر في طنجة الأدبية يوم 12 - 10 - 2009

هرع سكان الحي إلى بيوتهم مبكرين مع مغرب هذا اليوم ،و جثم الليل بسرعة على الحي ناشرا سكونا أخرويا على البيوتات و الطرقات . و انتهت إلى مسامعي، كالعادة، همهمات عمي "صالح" يخيط الأزقة الواحد بالآخر في حلقة مفرغة كبغل معصرة الزيتون ، حافي القدمين ، يدق الأرض بعصا من الخيزران ، يتكئ عليها و يهش بها على الكلاب الضالة غير كلاب الحي التي تعرفه و تألفه و تشاركه طعامه .
عمي "صالح" هذا ركن من أركان حينا الذي تمازجت فيه عناصر البداوة و الحضر . سكانه من أصول قروية ،نزحوا من البادية فارين من المسغبات، و سكنوا في دور الفرنسيين الذين رحلوا . يلبس هذا الرجل عباءة و برنصا تآكلت أطرافه و استحال لونه من البياض إلى السواد ، و يغطي رأسه بعمامة سوداء كأهل الصحراء . نسج رجال و نساء الحي حول شخصه الأساطير الطوال ، لا وجود لها إلا في مخيالهم الاجتماعي ، قالوا إنه جاء من بعيد ، من وراء بحر الرمال مشيا ، لسحنة وجهه الداكنة و صغر عينيه المتعاهدتين مع الأفق لا يحولهما عنه ، لا يكلم و لا يستجدي أحدا .
كنا نخرج من الكتاب نتسابق على لثم يده اليمنى القابضة على مسبحة باكورية طويلة ، كانت أمهاتنا تحثنا على ممارسة هذا الطقس ، حتى أصبح عادة زاحمنا فيها رجال و نساء الحي للتبرك و التوقير و الاحترام، كففنا عنها نحن مع الكبر لما نضجت عقولنا . سألت أمي يوما عن بركة الشيخ ، فأخرستني بصفعة على خدي لازال طنينها يهزني كلما تذكرتها الآن في كبري و قد هرمت .
لم تكن عقولنا الصغيرة تفهم ما يقوله الكبار عنه، قالوا أنه رجل صالح من " رجال البلاد " ، قال بعضهم أنه شاهده كغراب يطير بجناحين كبيرين ، و فسر آخر غيابه عن جماعة المسجد بكونه يصلي يوميا في الحرم المكي . فاقتنعنا أن الرجل ليس كمثل كل الرجال، و الزمن عنده كحبات مسبحته يطويه كيف يشاء . كنا نتابع النسوة تترجاه أن يخلصهن من الغبن ،" يا سيدي صالح قد أضناني الزوج بالهجر، أعده إلي ، و نذرت لك جديا أسودا ". " يا سيدي صالح قد تكالبت علي ابنتي سنون العنوسة ، فأتني بعريس "
" يا سيدي .. يا سيدي .." و هو شارد يمشي قدما لا يعبأ بهن، راسما نصف ابتسامة على شفتيه الغليظتين المتنافرتين ، و داخله ، لا شك ، ضحك من وثنية الاعتقاد في العباد دون رب العباد . و كانت فرحتهن لا تسعها أرجاء الحي ، إذا وقف بباب إحداهن ، فتهرع إلى المطبخ تأتيه بألذ الطعام ، لا يصيب منه إلا لقيمات ، يستلها بالسبابة و الإبهام ،كأنه يستل شعرة من عجين ، و يواصل طريقه ، فتدخل المرأة مسرعة توزع ما بقي في الإناء من طعام تسميه " حريف سيدي فيه بركة " . و يتملكني التقزز من أكل هذا الطعام الذي غمس فيه الشيخ أصابعه القذرة ، و أتظاهر أمام أمي بالأكل سرعان ما ألفظه في غفلة منها .
كانت تأتي هذا الرجل نوبات، ينتظرها سكان الحي ، يبدأها بصرخة مدوية ، تنخلع لها أفئدتنا الصغيرة ، و تشرئب لها الأعناق من كل أركان الحي ، و على غير عادته يرمي مسبحته و عصاه ، فيترامى عليها القوم كما تترامى الجياع على أرغفة خبز شعير، و يا سعد من يحملها و يجري الشيخ متعثرا في عباءته و سلهامه يثير ضحكات الصبية ، يجري كثور المسك في اتجاه مكان نسميه الكدية ، يلتحق به القوم
و الصبية في المقدمة للتمتع بهذا العرض . يقف في أعلى الكدية كعملاق رافعا ذراعيه ، ينظر إلى السماء بعينين محمرتين زائغتين تكاد تخرجان من مقلتيهما ، يرتعد جسمه كالخفاش ،و تتجمد وجوه القوم خاشعة كأنه يوم العرض و ما هو بيوم العرض ، تسمع للكلام المبهم و الإشارات " الميمية " الغامضة ، يختمها الشيخ بعبارة حفظناها " هو ..هو..هو.." فنسأل الكبار من هو ؟ " ينهروننا لإساءتنا الأدب في المشهد المهيب " الصمت .. الصمت.." و يهتز الجسد المكتنز بشطحة تنتهي بقفزة بهلوانية و سقطة تقعقع لها أطرافه ليغيب عن الوجود .
ينفض الجمع و يقولون الشيخ ما لم يقل كأنهم كهنة معبد فرعوني ، يتحلقون زمرا زمرا يؤولون الكلمات و الإشارات من هذا الذي انجذبت روحه إلى الأعلى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.