للحسرة وللأسف استعصى علينا أن ننزل دمعة واحدة من خشية الله، وإن لم نرحم أنفسنا مع بعضنا البعض أنستجدى العالم أن يرحمنا، وقياسا بأمور كثيرة للأسف جفت الدموع في مقلتينا وتلبدت مشاعرنا وأحاسيسنا وتجمدت مثل كتلة الثلج وقست قلوبنا وأصبحت كالحجارة بل وأشد.. وأصبح كل شيء عادى بل وأقل، ضاعت فلسطين عادى وضاعت العراق عادى وأصبح القتلى بالعشرات والمئات عادى وتنتهك حرمة المساجد فيها عادى، وتهدم بيوت على رؤس ساكنيها عادى، وفى غزة حصار وانقسام فلسطينى مأساوي ثلاث سنوات تقريبا عادى، وخلافات تتسع وتتسع حتى طالت كل جنبات حياتنا وباتت لغة السلاح هى الاسرع للحل، وعالقين فلسطينيين نساء وأطفال وشيوخ ومرضى يفترشون الأرض منذ أيام وشهور بانتظار أن يفتح باب الرحمة للعبور عبر معبر رفح، وفلسطينيين آخرين تركوا العراق على الحدود عن بلاد العرب هنا وهنالك يطلبون اللجوء ولا حياة لمن تنادى، وغيرها مما حل على الأوضاع المختلفة في وطننا العربي الكبير بات أمرا عاديا ... يا لسخرية الأقدار منا فقد أصبح من غير العادي أن نترك التلفزيون والفضائيات ومغنيات آخر زمن لحظة أو الماسجنر أو الجوال أو غيره من الوسائل الحديثة، ونحن في عصر العولمة والانترنت والقنوات الفضائية العديدة الزاخرة بالبرامج والمسلسلات والاغانى وغيرها التي تتواصل ليل نهار على مسامعنا ومرأى أعيننا، لدرجة أن بات المشاهد راقدا جاحظ العينين مكتوم اللسان مشلول الحركة طول الوقت أمام جهاز التلفزيون وأما الماسجنر وسيل الدردشات من كل فج... ولا حرمة لرمضان ولا غيره لأنه أصبح عادى... لاننكر أن هنالك حجم ضخم من الضغوط والمخاطر المحدقة بنا من كل صوب ولكن بات الإدمان على هذه الوسائل له نتائج كارثية جعلت من الإنسان أسيرا مكبل الجسم بكل أعضائه مشلول الحركة حتى ميت الأحاسيس... تقوده عادة الجلوس خلف هذه الوسائل لا أكثر ولا أقل... وباتت أهم من العمل ومن الدراسة ومن الأهل ومن الوطن ومن كل شيء... إدمان لدرجة ترفع مقياس الجحود والبلادة وتقتل المبادىء والقيم والعقل والإبداع... وللأسف ينتقل وينتشر ويتوغل مثل السرطان في المجتمعات وبين مختلف الأعمار حتى الصغار أدمنوا فما بالك بالكبار وخاصة الشباب والشابات..غرقنا بأنفسنا وبكل شي في بحر الحداثة والتكنولوجيا والاتصالات. ذكر أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام خاطب الله عز وجل وقال له: والله إني أحبك وأحب من يحبك فدلني كيف أحبب خلقك فيك.. فرد عليه الله عز وجل قائلا: ذكرهم بآلائي وأنعمي وبلائي.... ونحن في شهر رمضان الفضيل كيف لنا بدمعة أو كيف لنا أن نجاهد أنفسنا كي نسقط دمعة واحدة سؤال يطرح نفسه علينا جميعا وخاصة على من قست قلوبهم وأصبحت كالحجارة ومن شغلتهم أموالهم وأعمالهم عن ذكر الله... كيف لنا بدمعة ؟؟ أعتقد أن من يرغب بذلك لينظر بمزيد من التركيز والفهم الواسع للحوار السابق بين سيدنا موسى عليه السلام وبين الله عز وجل لما فيه فوائد جمة.. من تعظيم وشكر وحمد للخالق عز وجل وفى نفس الوقت حب وخوف وحاجة لله عز وجل.... قد يحرك هذا في قلبه ومشاعره شيء ما ومما يساعد المرء على رقة القلب مدوامة الرحمة والإحسان والبر من خلال زيارة الفقراء والمساكين والمحتاجين والأرامل والأيتام وتذكرهم دوما والنظر إلى وجهوهم وأيديهم الفارغة وعيونهم الحزينة والى ظروفهم البائسة والعمل على تخفيف معاناتهم ومسح دموعهم ولو بشق تمرة ،لو بكلمة، لو بلمسة حنان .. هنالك جوانب عديدة ترقق قلوبنا وبالتالي قد تسقط دمعة من جفونا، وليت هذه الجوانب نتذكرها لو مرة واحدة كل يوم بلحظات قصيرة أولها تذكر لقاء الله عز وجل لو في اليوم مرة واحدة وأن يتخيل الإنسان كيف يكون منظره ؟؟ وكيف حاله ؟؟ وماهو فاعل؟؟ وكيف يدارى ذنوبه وعثراته التي ارتكبها سرا وعلانية بالليل والنهار؟؟ وكيف سيكون عند السؤال ؟؟ فليحاول الإنسان أن يتذكر هذا اللقاء.... ، وثانيها الاستشعار الفعلي الصادق بأنك تحب الله عز وجل وتحب رسلوه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان قرآنا يمشى على الأرض وأن يملا قلبك هذا الحب نورا وإيمانا وطاعة له واستحياء عند فعل أي ذنب حتى لو صغيرا، وثالثها التركيز عند سماع القرآن الكريم التركيز في كل كلمة والإحساس بها ومجاهدة النفس على ذلك مرة ومرات إلى أن تستشعر أن مابه من آيات تهزأ ما بداخلك و كيانك خاصة القلب والعين وأن تبذل جهدا في أن تسقط دمعة... وتذكر قوله تعالى " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصعدا من خشية الله " هذا الجبل.. فما بال الإنسان ؟؟ واسعة وعديدة الجوانب التي تجعلنا أن نعود إلى إنسانيتنا ومنها استغلال ما بقى في رمضان من أيام، مجاهدة ومجاهدة النفس للتخفيف من هذا المرض الادمانى الخطير الذي سلط على عقولنا وجمد قلوبنا.. هذا التلفاز وهذا النت والماسجنر.. وهذا الجوال وخلافه من أجهزة الكترونية جعلتنا مثلها آلة تقودنا كيفما تشاء بدلا من أن نقودها نحن... اعتقد أن هنالك فرصة عظيمة لجميع شبابنا وشاباتنا المسلمين والمسلمات في كل مكان أن يعالجوا أنفسهم من الإدمان على الأجهزة أو الإدمان على الدرشة أو التدخين وخلافه والغرق فيها.. هنالك فرصة لمعالجة النفس من آفات هذه العادات السيئة التي تحجر العقل وتلهو وتشغل القلب وتلهى النفس وتعود الشخص على القعود والكسل لساعات طويلة... وتلقائيا تعزز سلوكيات اللامبالاة والجمود وحتى قلة الشهامة والقبول بالانكسار والهزيمة والذل وأمور غريبة ليس بأخلاقنا ولاقيمنا ولاتعاليمنا الدينية.. لنجاهد أنفسنا ونسقط دمعة من خشية الله تعزز فيها قيمة إنسانيتنا، إنها لحظة صدقونى لحظة لنجاهد أنفسنا فيها بشتى الطرق والوسائل وهى كثيرة جدا ولنحسس أنفسنا إن لم نبكى أننا نتباكى إلى أن نصل إلى هدفنا ومن يسقط دمعة من خشية الله سوف لا يهون عليه ما يحدث لأهله في فلسطين والعراق ولبنان وغيرها... سوف لا يتحجر قلبه وهو يرى القتلى من الأطفال والنساء.. إنها لحظات لرقة القلب تهب الإنسان سعادة قلبية ويتسع صدره ليرى مآسي وأحزان المسلمين هنا وهناك... وليعلم أن الوقت ينفذ لا ينتظرنا أبدا... ليكون رمضان لهذا العام مختلف نوعا ما في الخروج عن كل ماهو مألوف اى أن من ينسى ذكر الله ورسوله ليتذكر ولو مرة، من لا يصل رحمه ليصل وبدون تفكير، من لا يطيع والديه ليطع، من لا يزور الفقراء والمساكين ليزور، من يشعر بقلبه أنه قاسى وحجر ليكثر من ذكر الله وليحبه أكثر وأكثر وليكثر من الذهاب إلى الصلاة في المسجد خاصة صلاة التراويح الآن، ومن لا يقدر فليحاول وليحاول إن كسب الحسنات وعمل الخير ليس بالأمر السهل، ولن يات للمرء فى مكانه، لنفكر ونحاول ونقرر أن نغير ونصحح من طباعنا وأخلاقنا وسلوكنا دوما وان نكون مرآة ترى نفسها بكل مافيها قبل أن يراها الآخرين ... صدقوني يا أخواتي وياإخوانى إنها لحظات معدودة مابين الخير والشر ومابين القسوة واللين ومابين الصدق والكذب ومابين أن نكون أو لانكون ...علينا بصدق النوايا والعزيمة والتوكل على الله واليقين والثقة بالله وقوة التحمل والإرادة والتنافس في حب العمل والخير والله إن هنالك مجالات لاحصر لها في ديننا الحنيف تساعد ليل نهار على المجاهدة وتدفعنا إلى الرحمة والخير والعدل والإحسان ولا ننسى ياأحبائى زيارة المريض ،، وزيارة المعاقين والجرحى ،، وزيارة مرضى الكلي والدم والسرطان ... ولنرطب قلوبنا بالذكر والدعاء .. إنها لحظات للرقة واللين والطيب من القول والعمل ... ولنخشى الله ونخافه قبل كل شيء وقبل أى إنسان أو قوة على وجه الأرض ... وختاما لنضع أمام أعيناننا شعارا كفا لطغيان الجانب المادى على الجانب الروحى الايمانى، ورمضان أفضل السبل لمجاهدة النفس وتجديد الايمان وتقويته والثبات على الحق ورفع شأن القيم درجة تلو درجة، والبحث دوما عن الطرق التى تجعل منا أناساً إيجابيين، عامليين، مبدعيين، وأقول قد نجاهد ونحاول وننجح ونسقط دمعة اليوم وغدا دمعتين، دمعات على مافات وقوة ودافع لأفضل قادم ... وفقنا الله لما يحب ويرضى وأكرمنا وحبب إلينا طاعته .. اللهم ارحمنا وإغفر لنا واجعلنا من عتقاء شهر رمضان . وكل رمضان والأمة الإسلامية والعربية بخير وأمان يارب العالمين..