وأنا امتداد الحلم و الموت المؤجل كلما نبتت بقلبي وردة أحسست أن جراحه تزداد شبرا عبد الله راجع العتبات النصية يسعى النقد المعاصر اليوم إلى الإهتمام بما يسمى مداخل النص ، أو عتبات الكتابة بعد أن ظل إلى وقت قريب يولي اهتمامه بالقارئ على حساب النص ، و يرجع هذا الاهتمام إلى ما تشكله هذه المداخل من أهمية في قراءة النص و الكشف عن مفاتنه و دلالته الجمالية ، هذه العتبات هي علامات لها وظائف عديدة ، فهي تخلق لدى المتلقي رغبات و إنفعالات تدفعه إلى اقتحام النص برؤية مسبقة في غالب الأحيان « ... فالعتبات النصية علامات دلالية تشرع أبواب النص أمام المتلقي، القارئ و تشحنه بالدفعة الزاخرة بروح الولوج إلى أعماقه » 1 فغياب هذه العتبات أو - النص الملحق – هل معناه أن القارئ سيكون عاجزا على اقتحام بنيته ؟ ، إنه سيجد نفسه أمام أبواب مغلقة، وعلية فتحها، من هنا تتجلى أهمية هذه العتبات لما تحمله من معان وشفرات لها علاقة مباشرة بالنص تنير دروبه أمام المتلقي، وهي تتميز«... باعتبارها عتبات لها سياقات فيه تاريخية و نصية ووظائف تأليفية تختزل جانبا مركزيا من منطق الكتابة » 2 ، لكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن عتبة أساسية من هذه العتبات ، باعتباره العنصر الذي لا يمكن الاستغناء عنه ، العنوان ، مع محاولة قراءة و تحليل عناوين لبعض دواوين الشعر المغربي المعاصر و لأجيال مختلفة من الشعراء ، شعراء بداية القصيدة الحديثة مثل محمد الميموني و الطبال ، أو شعراء السبعينات كمحمد بنيس و عبد الله راجع أو الشعراء الشباب كحسن الوزاني و وفاء العمراني . العنوان يشكل العنوان عتبة أساسية في تحديد الأثر الأدبي و قراءته ، فمن خلاله تتجلى جوانب جوهرية تحدد الدلالات العميقة لأي نص «.. مما يجعلنا نسند للعنوان دور العنصر الموسوم سيمولوجيا النص » 4 هكذا يصبح العنوان عنصرا بنيويا يعطي للنص هويته و التي تفضي إلى قراءته، أي يمدنا بمفتاح تحليل النص و قراءته فهو» يقدم لنا معونة كبرى لضبط انسجام النص و فهم ما غمض منه إنه المحور الذي يتوالد و يتنامى و يعيد إنتاج نفسه ، وهو الذي يحدد هوية القصيدة ... » 5 ويشبه الدكتور محمد مفتاح العنوان بمثابة الرأس للجسد ، فهو الأساس الذي تبنى عليه لإنه يختزل النص برمته و يقدم للقارئ من هذا المنطلق كعنصر إثارة تدفع المتلقي لاقتحامه ، فيكون بذلك اقتراح عقد ، و باعتباره اقتراح إتصال 6 ومن هنا يبني القارئ توقعه من خلال قراءته للعنوان و يدفعه إلى تحديد جنس النص و مضمونه إعتمادا على صياغته اللغوية و الدلالية «... العنوان بناء على بنية تركيبه و عناصره المعجمية و الدلالية يمكن إن يفضي إلى تجنيس النص و إلى تحديد شكله و دلالته و ترجع هذه الأهمية إلى وضعيته الخاصة بالمقارنة مع العناصر الأخرى.. » 7 فالعنوان إذن يغدو أول عنصر يثير انتباه القارئ ، لكن العنوان لا يشكل دائما المعنى المكثف الموجود داخل النص ،بل قد يعتمد المتلقي على عتبات موازية تساعده على فهم دلالة العنوان ، أو قرائن أخرى خارجة عن العنوان نفسه ، خصوصا عندما يكون العنوان قصيرا مثلا، أما عندما يكون طويلا فيساعد على توقع المضمون الذي يتلوه 8 ، لكن ما نتوقعه ليس هو دائما ما نصل إليه ، لإن العنوان يتخذ وجوه متعددة شأنه شأن الوجه البشري 9 فيأتي مشرقا ، موحيا ، متوثرا ، جميلا عنيفا ،كاذبا... و خلاصة القول أن العنوان يقوم بدور عملية التدشين للنص أي أنه تعريف أولي بمضمونه ، يستفز القارئ انطلاقا من طبيعة تركيبه ، و يستقطبه إليه لتحصل القراءة ، هذا الاستقطاب يتم بموازاة أيقونات أخرى بعيدة عن دلالات العنوان المعجمية و الرمزية أقصد طوبوغرافيا العنوان : شكل الحروف ( غليظة ، رقيقة ) ، مكان كتابتها ، لونها ، أوالصور المصاحبة للعنوان ، بصفة عامة الفضاء البصري الذي يشكل الصفحة الأولى للغلاف . من خلال هذه الإطلالة عن أهمية و دور العنوان ، تبرز أهميته كعنصر إثارة و تشويق يختزل مضمون النص في غالب الأحيان ، لكن أحيانا أخرى لا يعكس أفق التوقعات لدى القارئ . ، ويمكن أن نرصد هذا الإنعكاس أو هذه الرؤية في هيمنة و سيادة ثنائية بارزة رغم اختلاف مسمياتها هي : ثنائية الحزن و الفرح أو الأمل و الألم ، الهزيمة و الانتصار و أحيانا الفجر و الليل ، المشرق و المغيب ، الحياة الموت ، الشهادة و الاشتشهاد..... يقول السياب : في قصيدة أسير القراصنة و أنت لا حب ولا دار ، يسلمك المشرق إلى مغيب ماتت النار في ظله ... و الدرب دوار 12 فالمشرق و المغيب يمكن فهمهما فهما لغويا كتعبير عن المكان ، لكن اللفظين كذلك يعكسان هذه الثنائية، أليس المشرق رمز للضياء و الشروق و الحياة ... أليس المغيب رمز للقتامة و الإحساس بالموت «...لم يعد الشاعر المعاصر يرى الجانب الناصع وحده أو الجانب القاتم وحده ،و إنماهو يرى الجانبين ممتزجتين ... هو في قمة تعاسته يدرك أن ضوء الصبح ينسلخ من ظلام الليل...» 13 ; وهو نفس الموقف الذي عبر عنه بعض النقاد المغاربة يقول إدريس الناقوري «... إن مجرد إستقراءعام للأشعارالمنشورة منذ أوائل ستينات على الأقل ، يكشف وجود محورين يستقطبان معظم اهتمامات الشعراء المغاربة.... هما ظاهرتا الألم و الأمل...» 14 لكن ما يثير الانتباه هو أن قطبي هذه الثنائية يتعايشان في حميمية و تلاحم ، حيث يزهر الحلم داخل الألم و يغوص الألم في أعماق الحلم أو الفرح أو ما شئت من هذه الأسماء ، بمعنى أن الحزن أو الألم يصبح مشروعا من أجل التفاؤل فهو ليس حزنا بكائيا ، إنهزاميا، سلبيا بل هو « ... حزن الطموح و العاكس للاحباطات المستمرة معاكسة لميلاد غد...»15 إذا كان حكم النقاد على التجربة الشعرية الحديثة، أنها تجربة تحكمها هذه الثنائية ، فإن المبدعين أنفسهم أدركوا ذلك ،يقول محمد الأشعري عن تجربته : « ... العبور من هذا الواقع لهذا الحلم يخلق حالة شعورية ، هي التي يمكن أن نسميها الحزن ... إنني أحلم كثيرا عندما أكتب ، و أحزن كثيرا عندما أكتب ، ليطلقوا على ذلك ما شاءوا من الأسماء ...» 17 وفي شهادة لعبد الرفيع الجواهري «.. بالرغم من الجو القاتم المأساوي الذي يتخلل جميع قصائدي ، فإني دائما في النهاية أومن بانتصار الفقراء ، أولئك الذين يشرق في قلوبهم الوطن رغم الأحزان ...» في ضوء هذه المواقف و الشهادات السابقة - سواء موقف النقاد أو موقف الشعراء – وفي ظل ما راكمه المبدعون من قصائد ، ومن خلال استقرائنا لهذا المتن يتضح بجلاء أن هذه الثنائية هيمنت على النص الشعري المغربي الحديث على الخصوص ، و إن اتخذت الثنائية مسميات مختلفة، فإن الهاجس الأساسي ظل سائدا سواء لدى الشعراء الرواد أو عند الأجيال اللاحقة من الشعراء ، رغم درجة اختلاف مستوياتهم الإبداعية ، ورغم وعيهم أو عدمه بهذه الظاهرة في نصوصهم ، لكن ما يهمنا هنا ، ليس إستقراء النصوص الشعرية بل محاولة قراءة عناوين – الديوان الشعري المغربي الحديث – لنرى بأن هذه الثنائية لم يسلم منها حتى العنوان باعتباره عتبة من عتبات النص . هذا العنوان إتخذ في أشكاله صيغ متعددة ، و تعدد هذه الصيغ والتراكيب معناه و بالضرورة تعدد الدلالات ، و ذلك من خلال تركيب العنوان ، موقعه و ترتيب ألفاظه ، وهذا الترتيب هو الذي يمنح للعنوان عملية إدراك صياغته ، لذلك فهو ليس بناءا لغويا مجردا ، و إنما كيان حي ، له العديد من السمات الرمزية ، و الشاعرية و الدلالية التي تنبض بالحياة . لذا جاءت العناوين في تركيبها متنوعة : جملة إسمية ، جملة فعلية ، مركب إضافي ، كلمة مفردة ، العطف و المعطوف ، إستفهامية ، يتقدم فيها الحال عن صاحبه.... العناوين المدروسة الشاعر اسم الديوان تحليل العنوان الحلم في زمن الوهم محمد الميموني الحلم أمل قابل للتحقق ، أما الوهم حلم زائف ، و الشاعر حتى في الوهم –المعاناة – فإنه يحلم . الحلم ≠ الوهم أخر أعوام العقم محمد الميموني العقم تعني الموت و الحزن في مقابل الخصب و الحياة . التي تحيل عليه – آخر أعوام - العقم ≠ الخصب أشعار في الحب و الموت أحمد الجوماري أشعار ، نكرة تكشف عن جنس النص ، لكن لفظا الموت والحياة تقيدها ، الحب هو الحياة الموت يشير إلى الألم... الموت ‡ الحياة الحلم في نهاية الحداد علال الحجام الحداد رمز للموت و الحزن ، لكن من الحداد يولد الحلم كرمز للأمل و الحياة . الحلم ‡ الحداد شيء عن الاضطهاد و الفرح محمد بنيس كلمة شيء نكرة غير محددة أو موصوفة ، قد تفيد القليل ، الاضطهاد تشير للمعاناة في مقابل الفرح . الفرح ‡ الاضطهاد الموت في قرية رمادية عبد العالي الود غيري الموت دلالة على الحزن ، في قرية رمادية مضاعفة لهذا الحزن اللون الرمادي رمز للكآبة و المعاناة... سقط سهوا حسن نجمي جملة فعلية، تبدأ بفعل سقط ، السقوط هو إنكسار و هزيمة ، لكن هذا السقوط لم يكن متعمدا بل جاء في حالة سهو . السقوط ‡ النهوط الجرح العنيد محمد الوديع الأسفي الجرح إشارة للألم و المعاناة ، العنيد تعبير عن الإصرار والصبر و المقاومة المعاناة ‡ الصبرو العناد كيف تأتي المنافي ؟ محمد عزيز ألحصيني جملة استفهامية تحث القارئ على توقع الجواب على إستفهامه . المنافي لا تأتي بل نساق إليها و المنافي تعبير عن الاغتراب والوحشة و المعاناة . في إنتظار موسم الرياح أحمد مفدى الانتظار معاناة ، فحرقة الانتظار تبعث على الحزن ، لكن الرياح قادمة لا محالة ، رياح الأمل في التغيير ، حاملة معها الخصب و الحياة . الأمل ‡ الانتظار أنين الأعالي وفاء العمراني الأعالي ذلك الفضاء الرحب المتسع يفصل بين الأرض- الواقع و الأجواء- الحلم – الانطلاق نحو التحرر ، الأنين يقيد هذه الأعالي يجعلها تئن والأنين إشارة للألم . مرثية للمصلوبين عنيبة الحمري مرثية مشتقة من الرثاء ، و الرثاء هو حزن و إشادة بالراحل و تخليده في الذاكرة – استمراره رغم موته –الصلب تعبير عن الألم و المعاناة . الحضور ‡ الغياب أول الغيث علي الرباوي جاء العنوان مركبا اضافيا . الغيث هو المطر ، المطر هو الانبعاث والحياة ، إحياء الأرض بعد موتها . الحياة ≠ الموت عاريا ...أحضنك أيها الوطن محمد بوجبيري جملة يتقدم فيها الحال عن صاحبه الشاعر، عاريا تحمل دلالات متعددة : الفقر، البراءة ، الجنون المعاناة ... الاحتضان تعبير عن الحب و الفرح باللقاء الحب ‡ المعاناة يومية النار والسفر محمد الاشعري تشكل النار و السفر محور هذه الثنائية .السفر تعبير عن الانطلاق و الحرية ، النار رادف للألم وحرقة المعاناة . الحرية ‡ الحرقة صهيل الخيل الجريحة محمد الأشعري الخيول رمز للجموح و الركض السريع و المعارك و الاندفاع ،لكن لفظ الجريحة يلغي هذه السمات لتتحول القوة والإقدام إلى الأنين و الانكسار. الإقدام ≠ الانكسار نشيد الغرباء محمد بنعمارة النشيد ، حالة الترنم و الأنس تعبير عن الفرح ، الغرباء من الاغتراب ، إشارة إلى المعاناة . الأنس ‡ الوحشة ترانيم لتسلية البحر المهدي أخريف ترانيم تحيل على الشدو والغناء المرتبطة بالفرح ، تسلية البحر دلالة على كآبة وحزن هذا الأخير فهو في حاجة للتسلية . الفرح ‡ الحزن دخان من الأزمنة المحترقة محمد الحبيب الفرقاني المحترقة، دلالة على اللوعة و الحرقة، الأزمنة تعبير عن الزمن في امتداده ، الدخان له عدة دلالات ، تربط بنهاية الشيء ،لونه الرمادي يشير إلى الحزن . من خلال هذه النماذج لعناوين بعض الدواوين الشعرية ، و لشعراء مغاربة من مختلف الأجيال، يتضح و بشكل جلي هيمنة هذه الثنائية و إن تنوعت المسميات : الأمل- الألم / الفرح – الحزن / الحياة – الموت / العقم – الخصب / الجمال- القبح / الحلم – الوهم / السمو- الحضيض / الشروق- الغروب /النار- الماء / الانكسار – النهوض.... لعل هذه التجربة تدفعنا إلى التساؤل . كيف يمكن لهؤلاء الذين يملكون هذا الإحساس بالأمل و الحياة ، أن يكونوا شعراء للموت و الاغتراب ؟ هل هذه الحالة طارئة ؟ أم هي تستوطن الذات المبدعة بإستمرار ؟ إن هموم الذات تذوب في هموم الوطن ، و هموم الماضي تحلم بآمال المستقبل في صراع حميمي يصعب الفصل بين هذين الهمين «... إن الصراع بين الموت و الحياة في تجربة الشاعر الحديث يعني في آخر الأمر الصراع بين الحرية و الحب و التجدد الذي يجعل الثورة و سيلته ، و بين الحقد والاستعباد و النفي من المكان و التاريخ...» 20 . ويقول عبد الله راجع في حوار معه : «... اكتشفت... أن هناك بنية تشمل عددا من كبيرا من الشعر اقصد كتلة تمثل عددا من الشعراء... يتميز شعرهم بكونه يشكل بنية ... يجوز أن نسميها بنية بروميتية نسبة لبروميثيوس تحترق بالكائن فيما تصبو إلى الممكن...» 21 أليس الكائن هو هذا الواقع المر، أليس الممكن هو هذا الطموح نحو الأفضل... ؟ إن الإبداع الأدبي بصفة عامة ، و الشعري بصفة خاصة ، هو كتابة ، و الكتابة في العمق هي جدلية الواقع و الإنسان ، الإنسان في صراعه مع الحياة ، الحياة بكل أفراحها و أحزانها ، هذه الكتابة هي وحدها قادرة على مقاومة الزمن ، و إدراك نوع من الخلود و مقاومة الموت...