المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    توقيف سائق طاكسي بأكادير بتهمة ترويج القرقوبي    جنايات الحسيمة تدين متهمة بالتزوير والخيانة الزوجية    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    التساقطات المطرية الأخيرة تعيد الآمال للفلاحين وتعد بموسم فلاحي جيد    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية أفضت إلى المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    الشبيبة التجمعية تشيد بمجهود الحكومة استعداداً للمونديال وفي "تصفية تركة حكومتي العشر سنوات العجاف"    الاتحاد المغربي للشغل ينظم إلى الداعين لخوض "الاضراب العام"    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    المفوضية الأوروبية تحذر من "رد حازم" إذا استهدف ترامب منتجاتها برسوم جمركية "تعسفية وغير منصفة"    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    التساقطات المطرية الأخيرة ترفع نسبة حقينة سدود المملكة إلى أزيد من 27%    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    الشرع: الرياض تريد دعم دمشق    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    المغرب يتسلم رئاسة التحالف الإفريقي للعلوم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية المستدامة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    بعد أيام من الغموض .. الشرطة البريطانية تفك لغز اختفاء تلميذتين مغربيتين    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    "الجبهة المغربية" ترفض "تهريب" نصوص قوانين إلى البرلمان    تحولات "فن الحرب"    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المترجم المغربي سعيد بوخليط: أنكبُّ على الموضوعات التي تصبو نحو المعرفة البنّاءة والسمو الوجودي والحرية والتحرُّر والتسامح
نشر في طنجة الأدبية يوم 25 - 05 - 2024

سعيد بوخليط من المترجمين المغاربة الذين أسهموا بدرجة كبيرة في إغناء المكتبة المغربية والعربية بالعديد من الإصدارات التي تندرج ضمن فن الحوارات الأدبية. وقد نشر هذا المترجم، الذي ولد أواخر شهر يونيو 1970 بمدينة مراكش،جملة من الكتب؛ منها: نوابغ سير وحوارات؛ وقضايا وحوارات بين المنظور الأيديولوجي والمعرفي…
ومن ثمّ، فقد اخترت أن أتوجه إليه بأسئلة تهم بواعث هذا الافتتان بالحوارات الأدبية في هذا الحوار:
أوليت عناية واهتماما لافتين للحوارات الأدبية في الأعمال التي ترجمتها إلى اللغة العربية؛ فقد دأبت، على امتداد سنوات، على ترجمة حوارات مع أدباء ونقاد ومفكرين ونشرها على صفحات المجلات والجرائد وبين دفتي كتب، من قبيل: نوابغ: سير وحوارات (2012)، وقضايا وحوارات بين المنظور الإيديولوجي والمعرفي (2014)، وآفاق إنسانية لامتناهية.. حوارات ومناظرات (2018)… فكيف نبع لديك الاهتمام؟ أو بتعبير آخر: ما البواعث والحوافز التي دفعتك إلى الإقبال على الاشتغال بترجمة الحوارات التي تُجرى مع الأدباء؟
أعتقد أنَّ جنس الحوارات تبقى في اعتقادي الأقرب إلى فهم واستيعاب حيثيات عوالم الأدباء ومختلف المعطيات الخاصة المرتبطة بحيواتهم الشخصية والفكرية، حيث شكَّلت باستمرار موضوع فضول جارف يحرِّض القرَّاء دون توقف على اكتشافه. طبعا، يغدو الحوار مُلْهما أكثر في خضمِّ ذات الحافز، إذا ارتبط بأسئلة تلتمس إماطة اللثام عن خبايا هذا الجانب المثير للانتباه، ثم بعد ذلك موحيا أكثر فأكثر وبامتياز، عندما تكون الأسئلة مباشرة، قد تخلَّصت من المناحي الأكاديمية الصرفة، والمقاربات المفهومية المجردة، ثم ركزت مضامينها على المتداول والمألوف والمشترك العام. حينها،ربما يشغل الحوار مجالا سخيَّا، تتعضَّد ممكنات حظوظ قراءته ما دام المتلقي يظل شغوفا، قياسا للباقي، بالنزوع صوب اكتشاف الجوانب الشخصية للكاتب ووقوفه على أسراره. هذا الشخص استطاع الارتقاء في لحظة معينة وجهة مستوى وجودي مغاير، وضعه ضمن أفق رحب للغاية، بخصوص نزوع البحث اللانهائي عن مكمن الإنساني داخل كل واحد منا، الذي يجسِّد بالضرورة فوق إنساني. إذن، بالنسبة إليَّ يلحُّ ويحضر بقوة الهاجس نفسه، بالتطلُّع صوب القدوة والمثال والنموذج. يمثِّل استلهامي لحوارات موضوعية، قبل كل شيء، سلسلة حوارات صامتة مع ذاتي ربما غدوت أكثر من ذاتي. لعبة متداخلة حدودها، لسبر أغوار الذات بفضل الآخر.
لا شك في أن لديك معايير واعتبارات ومقاييس محددة تتعلق بالأسماء والقضايا في اختيار الحوارات المترجمة.. ألا يمكن أن تتقاسم معنا هذه الاعتبارات والمعايير المتحكمة والمحددة لاختيار النصوص التي تقرر أن تترجمها؟
طبعا،الموضوعات العميقة التي تناقش قضايا محورية،بخصوص الارتقاء بالإنسان ومعه المنظومات المجتمعية، شرط ابتعادها عن مختلف أشكال الدوغماطيقية، العقائدية، الشعبوية، الديماغوجية، وبثِّ النَّعرات العدائية بشتى أنواعها، إلخ. موضوعات من هذا القبيل لا أدنو منها بتاتا، بحيث تثير قبل أن تبدأ امتعاضي الكلي وأعتبرها وباء فتَّاكا، لأنها تحوي سموما إيديولوجية مدمِّرة تدميرا جوهريا. مقابل ذلك، أنكبُّ انكبابا على الموضوعات التي تصبو نحو المعرفة البنّاءة والسمو الوجودي وكذا الحرية والتحرُّر والتسامح. لقد اشتغلت دائما، من خلال مكوِّنات المتن المنجز غاية الآن منذ بداية التسعينيات، ما يقارب ثلاثين كتابا ومئات المقالات، احتواها عنوان الرابط التالي (http://saidboukhlet. com)، على موضوعات من هذا القبيل، وتندرج ضمن مقومات السياق المتوخى مجمل الحوارات التي ترجمتها طيلة سنوات، ضمتها هياكل كتب جامعة خرجت فعلا إلى القارئ بفضل تفاعل دار عالم الكتب الحديث الأردنية وكذا خيال للنشر والترجمة الجزائرية.
تنشر إصداراتك المتعلقة بالكتب الحوارية لدى دور نشر تنشط داخل المغرب (الموجة الثقافية) وأخرى خارجه (جداول).. فما هي الأصداء والآثار التي لقيتها هذه الحوارات المترجمة في أوساط القراء بالساحة الثقافية، سواء داخل الوطن أو خارجه؟
حقيقة لا أمتلك مؤشرات استدلالية بهذا الخصوص، ولا شك كذلك في أنَّ طبيعة السياق السوسيو-ثقافي مثلما أضحى واقعا موضوعيا، نتيجة الديجيتال و الرقمنة،غيَّرت تماما المفاهيم والتقويمات المرجعية المعهودة، بخصوص تحديد سليم أقرب إلى الموضوعية. صحيح، تصلني بين الفينة والأخرى رسائل من المغرب وخارجه تثمِّن وتقيِّم إيجابا، بكيفية من الكيفيات، ما راكمته سواء من خلال ورش الحوارات أو باقي عناوين مناحي أعمالي، بالأخص كتاباتي وترجماتي الباشلارية التي تظل في نهاية المطاف النواة والحلقة الجامعة بين اهتماماتي. عموما، بالنسبة لخريطة تلك المشاريع الحوارية، فقد توزعت أبعاد مساراتها تبعا للشَّكل التالي:
حوارات معرفية هيَّأت دواعي أسئلتها وقصدت المعنيين بالإشكاليات، ثم ترجمتها من الفرنسية إلى العربية، يعود تاريخها إلى أواسط العقد الأول من الألفية الثالثة، أجريتها مع باحثين متخصصين في الفلسفة ينتسبون إلى الجامعات الفرنسية والأمريكية انصبت موضوعاتها حول شعرية غاستون باشلار، بحيث حاورت آنذاك كلوديا باريرا فيرناندا من كولومبيا التي أنجزت فصول أطروحة لنيل الدكتوراه تحت إشراف آلان باديو، اهتمت حيثيات موضوعها بظاهراتية غاستون باشلار، ثم تيريزا كاستيلاو لاولس أستاذة في جامعة ميشيغان الأمريكية؛من أصل برتغالي، صاحبة أبحاث عن باشلار، وقد كتبت لي تقديما لكتابي "غاستون باشلار: نحو أفق الحلم" الصادر في الرباط عن دار أبي رقراق سنة 2005. أيضا، ضمن اهتماماتي الباشلارية، أجريت حوارا مع الباحث الروماني إيونيل بوز، رئيس مركز ميرسيا إلياد. ثم عندما ترجمتُ كتاب "العقلانية النقدية عند كارل بوبر"، وأصدرته دار أفريقيا الشرق سنة 2009، بادرتُ إلى تدبيج بعض الأسئلة ألهمتني إيَّاها صفحات العمل الذي انشغل بمعجم بوبر، ووجهتها إلى صاحبة العمل الأستاذة روني بوفريس، المتخصِّصة أساسا في فكر بوبر؛ بل تعتبر أهمّ تلاميذه المباشرين. كذلك، لا بد من الإشارة في هذا المقام إلى حواري مع الباحث التونسي عمر الشارني، أستاذ الفلسفة بالجامعات الفرنسية، بمناسبة إصداره سنة 2005، عن دار النشر لارماتان دراسة مهمة تحت عنوان "أشكال الهجرة في الأدب العربي المعاصر"، حيث تناول نماذج الطيب صالح، توفيق الحكيم، أحلام مستغانمي...
حوارات شكَّلتُ موضوعا محوريا لها، تحديدا المسوغات العامة التي بلورت سياقات اهتمامي بمشروع غاستون باشلار الأدبي وباقي القضايا الموصولة بذلك. تنوَّعت أسماء المحاوِرين وكذا منطلقاتهم المعرفية. صدرت هذه الحوارات ملتئمة بين دفَّتي كتاب عنوانه: "شعرية غاستون باشلار وقضايا الترجمة" (الآن ناشرون وموزعون) (الأردن، 2022 ).
حوارات أثارت انتباهي وترجمتها إلى العربية، تطويها عناوين الإصدارات التالية: آفاق إنسانية لامتناهية حوارات ومناظرات (عالم الكتب الحديث، الأردن، 2018)، ومختارات للحاضر والمستقبل (دار خطوط للنشر والتوزيع الأردن، 2020)، وومضات حوارية، صحبة زُمرة ملهِمَة: رؤى فسيفساء معرفية (منشورات خيال الجزائرية، ولاية بورج بوعريرج (2023). يقول الناشر عن طبيعة العمل الأخير: "ينتهي القَارئ من مُطالعة هذا الكتاب قلقا وحائرا تجاه حياته السابقة! التي سارت دون رؤى ومعالم فكرية وفلسفية مدرجة في كتاب ينتج بلا شك حياة شخصية وفكرية وعامة أفضل! في هذا المنجز أكثر من ثلاثين لقاء مع نخبة عالمية، اشتغل عليها توضيبا وترجمةً الأكاديمي والمترجم المغربي سعيد بوخليط، الذي سبق أن تعرّف عليه القرّاء مغاربيا وعربيا من خلال أعمال مختلفة. عمل يُسائل ما تبقى من إنسانية حول قيم العدالة والخير والحب والتسامح والاختلاف والتي تواجه اهتزازات دائمة".
بحكم اشتغالك بترجمة الحوارات، ألا تفكر في ترجمة حوارات مع أدباء مغاربة إلى اللغة الفرنسية؟
أتمنى حقا الانتقال إلى الضفة الأخرى، والانعراج باهتماماتي المعرفية صوب وجهة أخرى، ترسم بالتأكيد منظورا متميِّزا جدا، قدر نوعيته قياسا لجلِّ ما راكمته. تطلُّع يسكن دواخلي؛ غير أنه يستدعي مثلما تحققت خطوات السعي سابقا، شيئين اثنين، لا أظن أنَّ هناك باحثا وفق المعنى الخالص للكلمة اختبر فعليا حيثيات العمل اليومي، يمكنه التنكُّر بهذا الخصوص لدافعين لا غنى عنهما قط، بغية التصالح مع الذات، بالتالي إمكانية النجاح موضوعيا، على مستوى تحقيق التراكمات. أقصد: الشغف والعشق ثم المبادرة والتثقيف الذاتي. غير ذلك، يستحيل بلورة معالم متن يستحق الحديث. حينما اكتشفتُ الجانب الأدبي لدى باشلار، أواسط أعوام التسعينيات، وكنت حينها في حيرة من أمري مع ضغط الوقت، وكذا هاجس تجنُّب السقوط في اجترار موضوع بحث لنيل الدكتوراه مكرَّر أو فاتر، غير قادر على إضافة شيء جديد، أو يحفز جدِّيا ممكنات تمرسي البحثي، وقع نظري صدفة على مقالة نقدية بين طيات مجلة فصول المصرية، قارب موضوعها فيما أذكر، غاستون باشلار واستلهام الظاهراتية في قراءة النص الأدبي. فعلا، شكلت الإشارة النفيسة، بداية جديدة مختلفة عن السابق، فاندلعت لدي شرارة الشغف وتوطدت حسيا لبنات العصاميين. وفق المنحى ذاته، وكجواب عن السؤال، أحتاج ثانية إلى الشغف ثم التحوُّل وجهة الاشتغال بجهد مضاعف على بنيات اللغة الفرنسية حتى تجاري بنفس الإيقاع، المستوى الذي أدركته لغتي العربية إلى حد ما.
تزاوج بين ترجمة الحوارات وإعدادها؛ فإلى جانب ترجمة الحوارات، تنخرط بدورك في إنجاز حوارات مع أدباء ونقاد وباحثين في شتى حقول المعرفة.. فما المرامي التي تحددها وترسمها لهذه العملية؟ وما الفروق التي تلمسها بين النشاطين؟
أحيانا، قد يحدث اللقاء صدفة، وأنا أتصفح على الأنترنيت مواقع ثقافية، أو عندما أقتني مجلة متخصِّصة. قد يثير حوار اهتمامي، ويبدأ يراودني هاجس ترجمته وكذا تقاسم مضامينه مع القارئ،وما أن تتجلى أولى سمات التراكم، يأخذ مشروع كتاب جديد في الهمس والإلحاح. منذ سنوات، عندما استأنست كثيرا بعملية النشر وأجوائها، وشرعت في هذا الإطار أسابق الزمان، لم أعد أرغب في تضييع أيِّ نصٍّ، بل أتصوره منذ الوهلة الأولى مشروع إضافة تأليفية. إنها صيغة منهجية تربوية، أحفِّز بها نفسي قصد المثابرة والاستمرارية وتعميق روافد الوجهة القادمة. تبعا للمنظور نفسه، تجاوزت مقالاتي الصحافية الأسبوعية، دواعي الظرفي والآني، قياسا لنموذجها الأولي، قصد التركيز على تيمة مفهومية بعينها، صرتُ أحاورها وأقلِّب حيثياتها وفق خطاب إنساني عميق، يمكث في الزمان ويتجاوز معطيات المكان، ويشرف على اليومي عبر رحابة الأفق اللانهائي. تصور، عكسته تشكُّلات مؤلفاتي الأخيرة: هواجس عالمنا الموبوء سياقات وآفاق جائحة كورونا. دار جبرا للنشر والتوزيع(الأردن)(2023). ترانيم ذاكرة، سيرة الأيام الأولى :دار يسطرون، السعودية (2023). هوامش على آثار الحياة والموت : كيف أرى الوجود؟ دار جبرا للنشر والتوزيع (الأردن)، (2023).
خصصت في موقعك الشخصي على الأنترنيت محورا خاصا بالحوارات. فكيف تقيم تجاوب المبحرين في الشبكة العنكبوتية مع هذه المواد؟
عموما، لا بأس، ارتباطا بحدود نزوع طبيعتي شخصيتي الزاهدة، بما يكفي، فيما يخص علاقاتي مع جماعات المثقفين. لقد ابتعدت منذ أزمنة ليست بالقليلة عن التجمعات الثقافية واللقاءات الفكرية والتواصل مع المثقفين، لأسباب ذاتية وموضوعية. ربما، ينعكس هذا التقصير من جانبي بطريقة غير إيجابية على تداول أكثر سخاء لعناوين منجزي. قد لا أكون صائبا تماما بخصوص هذا التأويل،لكن وجب التأكيد على أن الجوانب الشخصية والعلاقات مع الفاعلين، بصرف النَّظر عن جودة ما يقدَّم، تلعب دورا مثمرا. رغم مختلف ذلك، تظل جملة حوارات أجريت معي خلال فترات متقاربة أو متباعدة، الصادرة مثلما أشرت أعلاه بين دفتي كتاب "شعرية غاستون باشلار وقضايا الترجمة"، دشَّنت خيوطها منذ سنة 2014 مبادرة مجلة العربية والترجمة، التي دأبت على إصدارها المنظمة العربية للترجمة، ثم توالت المبادرات الحوارية من العراق، فلسطين، الكويت، مصر، الجزائر، الإمارات العربية المتحدة، بجانب باحثين وصحفيين من المغرب. أقول بأنَّ ذلك يكشف بلا لبس عن موقع ضمن هويات الجغرافية الفكرية. أضيف، أصبح اسمي منذ فترة طويلة مرتبطا بالسعي إلى تفكيك أحلام شعرية باشلار وبسطها أمام القارئ العربي.
نشرت، في مرحلة سابقة من مسيرتك الثقافية والعلمية، سلسلة حوارات على صفحات جريدة "الأخبار" المغربية. . فما السياق الذي تحكم في إخراج هذه السلسلة؟ وكيف تقيم تلك التجربة؟
ذكرى جميلة حقا، أستعيد معها بحنين لذيذ للغاية،رمزية الصحافة المغربية اليومية في صيغتها الورقية، التي مثَّلت بالنسبة لي وكذا أفراد جيلي،ورشا تثقيفيا مفصليا، ودافعا جوهريا،نحو التشبُّع بقيم الفكر والتربية والنضال الإنساني. تترسَّخ بين ثنايا ذاكرتي، منذ بواكير وعيي الإعلامي، تقريبا بداية التسعينيات، عناوين صفحات "فسحة رمضان" أو "فسحة الصيف"، خاصة مع جريدة الاتحاد الاشتراكي دون نسيان طبعا معلمة الملحق الثقافي الأسبوعي. بناء على منحى هذا السياق، جاءت التجربة مع جريدة الأخبار، بحيث نشرت طيلة أسابيع سلسلة حوارات مترجمة تناولت جوانب من إبداعات وآثار أسماء تنتمي إلى فصيلة: مهدي عامل، نعوم تشومسكي، تزفيتان تودوروف، بوريس سيرولينك، مصطفى صفوان، هشام جعيط، أورهان باموق، محمد يونس، بيتر سلوترديك، جوليا كريستيفا، روني بوفريس، بوب مارلي، مارسيل غوشيه، إيف بونفوا، سمير أمين، نجيب محفوظ، إدوارد سعيد، محمد بنيس، محمد أركون، مالك شبل، ريجيس دوبري، عبد اللطيف اللعبي، أمين معلوف. قبل موسم الحوارات، نشرت الجريدة أيضا في صيغة حلقات مضامين كتابي: أمي الحبيبة : من بودلير إلى سانت إيكزوبيري، رسائل أدباء . دار مها للنشر والتوزيع والترجمة، مصر. (2017). في سوريا : دار خطوط للنشر والتوزيع (الأردن)( 2020).
ما الكتاب الحواري الذي قرأه د. سعيد بوخليط ونال إعجابك؟
بالنسبة لأولى بداية تكويني المعرفي،أستعيد بين الفينة والأخرى، حوارات للأستاذ بن سالم حميش، صدرت عام 1988عن دار الفارابي، تحت عنوان: "معهم حيث هم"، تعرفت بفضل تلك اللقاءات المعرفية المهمة على بعض أسماء الفكر المعاصر الكبيرة من عيار: عبد الرحمان بدوي،عزيز الحبابي، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، طيب تيزيني، حسين مروة، نديم البيطار، ثم المستشرق مكسيم رودنسون والروائي الروماني إميل سيوران. أما حاليا، فإنني بصدد قراءة حوارات طويلة مع جوليا كريستيفا تناولت في صيغة جلسات طويلة مع الباحث صامويل دوك،حياتها منذ طفولتها غاية انتقالها إلى فرنسا وزواجها بفيليب سوليرز،وكذا مختلف حيثيات مشروعها الأدبي والنقدي والروائي.
تواكب، في إطار اهتمامك بالحوارات، الأعمال التي أعدها وأنجزها الباحثون المغاربة، سواء على مستوى الترجمة أو التأليف.. فما تقييمك العام لهذه الإصدارات؟ وما مواطن التفرد فيها ومواطن الخلل؟
إضافة إلى مؤلَّفي طه عبد الرحمان: "في أصول الحوار وتجديد علم الكلام"، وكذا "حوارات من أجل المستقبل"، اطَّلعت على جانب من مؤلفات أستاذ البلاغة محمد العمري الموصولة بآليات الحوار وتداولية الخطاب، في حدود الممكن وممكنات الهامش الذي أتركه لنفسي ضمن سياقات، ما أودُّ التركيز عليه جدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.