كانت الشمس على وشك المغيب حين وطأت قدمي مقبرة المدينة القديمة ، المقبرة التى نسيها الأحياء إلى حد الهجران المخيف ،فقد تهاوت جل مقابرها وتهدمت بعد ان غمرتها السيول من كل مكان وأضحت مع الوقت مقصدا للمشردين وأصحاب اللذة المسروقة ،كنت كثيرا ما سرح بخيالي وسط هذا الصمت والسكون ورغم كآبة المقبرة ووحشتها القاتلة مستحضرا تاريخ بشر يولدون ثم يختفون ليتحولواْ إلى هياكل وبقايا بشرية في مقابر عفنة تتحول إلى مواخير مفتوحة ...إختفت الشمس مودعة المقبرة والأرض معا فيما غمرت نفسي الرهبة الشديدة وأنا أجلس فوق حافة قبر بدا لي مجهولا غير أني أمعنت النظر جيدا ورغم حلكة الليل وستاره الأسود وتحسست حروف لوحته الرخامية التى تداعى نصفها وسقط فآكتشفت بعد حيرة ممزوجة بخوف تملكني فجأة ، وهممت بحمل نصف لوحة القبر ومسحتها بكفي ثم بأكمام قميصي فآ كتشفت آسما يبتدأ بحرف " خ" لسيدة أو فتاة أوحتى آمرأة لم أستطع قرأته بالكامل وعزمت بفضول كبير على معرفة المقصود بحرف الخاء ففتشت عن بقية اللوحة الرخامية للقبر عساي أكمل الإسم فبدا لي الأمر أشبه بلعبة الكلمات المتقاطعة في ظلمة الليل الحالكة وهممت بالبحث غير أني سمعت أنفاسا تنبعث في الفضاء فهالني الأمر وآضطربت وجزعت وتملكني خوف شديد وظننت لأول وهلة أن صاحبة القبر تتنفس أسفل تربته ،وسمعت صوت البوم وتكسر الأعواد اليابسة تحت قدمي فقشعر بدني النحيل ورآتعشت يدي فسقط نصف اللوحة من يدي فسمعت صوتا يقول من خلف قبر مجاور "من هناك ...؟ " وإلى جانبه ما بدا لي ما يشبه كتلة جسدية تكومت إلى جانبه وهي شبه عارية وغدت الوساوس رأسي الذي أصبح جامدا عن التفكير وكذلك الحال لجسدي المرتعش وكدت أفر هاربا غير اني حاولت إقناعي نفسي بالهدوء وأن الأمر لا يعدو كونه مجرد هلوسة وأنا أقول في نفسي " إن الأموات أموات ويستحيل أن يعودواْ يوما للحياة..." غير أن حبل التفكير إنقطع مرة أخرى وأنا أسمع صوتا يخاطبني - لقد أفسدت متعتي أيها الأبله وقلت وقد شحب وجهي - وهل أنت بشر ؟ أجاب ساخرا - لا ... بل جني بصحبة جنية وتأملته بعينان فاحصتان فلم أتبين ملامحه غير وهج سيجارة رفعها إلى فمه قبل أن يمدً بها إلى فتاة ظلت بجانبه و همت بستر نفسها فأجابها بقوله - لا عليك الليل ستار بثوبه الأسود فقلت مندهشا - تمارسون الفاحشة بصحبة الموت ،أمركم غريب ... قال متعجبا -وأين نمارس ؟ إنها غريزة بشرية ثم سكت قليلا قبل أن يضيف - ليس هناك مكان أؤمن من المقبرة قلت - لذة وسط الأموات...يالك من حقير قال الرجل لا تقلق من عادتي بعد تحصيل اللذة الأولى ، تحصيل الثانية قلت مندهشا - وهل هناك لذة ثانية ؟ أجاب وهو يحملق في وجهي - نعم لذة القتل وسط الأموات قلت واسناني تصطك ببعضها البعض -هل أنت جاد ؟ قال مستفهما - وهل رأيت في نبرة صوتي مايدعواْ للمزاح ؟ وآستل الرجل سكنا وهويزم ًشفتيه ثم جز رأس الفتاة في نشوة وآندفع الدم إلى أعلى مثل النافورة وقال بدم بارد - لا تقلق لقد هيأت كل شيء وأشار بيده إلى حيث قبر وجدت في وسطه حفرة عميقة وقال - هنا سأدفنها ثم آختفى الرجل في ظلام الليل بعد أن تركني في حيرة من أمري وقلت في نفسي "حرف الخاء قد يعني خليلة أو يعني خائنة أو ربما أي شيء أخر" في الصباح قرأت في الصحف خبرا مثيرا " لقد تم القبض على سفاح المقابر بعد أن قتل عشيقته المدعوة " خاء "