عن مؤسسة مولاي عبد الله الشريف للدراسات والأبحاث العلمية صدر مؤخرا، كراس متميز للباحث والشاعر الأديب الأستاذ عبد الكريم الوزاني بعنوان : " أعلام الفكر الغربي، يشيدون برسول الإسلام ". ويتضمن هذا الكراس (62 ص من القطع المتوسط) ما قيل في حق رسول الإسلام لنخبة من الأدباء والمفكرين الغربيين / ما قيل في أخلاقه وقيمه وسيرته صلى الله عليه وسلم، خلال القرنين الميلاديين، الثامن عشر والتاسع عشر، دون التطرق (1)" إلى ما يسمى بالحرب الناعمة، ولا إلى أقوال الملحدين من المعاصرين الذين يقدمون أقوالهم وأعمالهم وكتاباتهم ورسوماتهم قربانا للإعلام الماسوني". يحتوي هذا الكراس المرجعي الهام بالإضافة إلى تنويه وتصدير المؤلف، إحدى عشر نصا باللغتين، الأصلية، و المترجم إليها / العربية، للكتاب والشعراء والفلاسفة، للشاعر والكاتب والمسرحي فيكتور هيكو (1802-1885)/ والسياسي مونطيسكيو (1989-1755) / والشاعر والفيلسوف فولتير (1694-1778)/ والأديب الألماني الكبير غوتة (1749-1832) / والإمبراطور الفرنسي نابليون (1769-1821)/ والشاعر والسياسي الفرنسي الفونس دولا مارتين (1790-1869)/ والمؤرخ الفرنسي غسطاف لوبون (1841-1931) / والفيلسوف والشاعر الألماني فرديريك نيتشا (1844-1900) / والكاتب المسرحي الفيلسوف جورج برنادشو (1856-1950)/ والزعيم الروحي الهندي غاندي (1869-1948). يفتتح الأستاذ عبد الكريم الوزاني، هذا الكراس المرجعي المتميز، بقصيدة للشاعر والفيلسوف " فكتور هيجو" (2) وهي قصيدة تتحدث عن خصال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحميدة وعن أعماله التليذة، تأثر فيها بنفحات الأجواء الإسلامية، بعد أن قرأ بإمعان خطبة الوداع، وتتلمذ على الشاعر الكبير لامارتين في كتابه حياة محمد. بعد هذه القصيدة، يأتي المؤلف بنص رائع للسياسي، المحام، والمستشار البرلماني مونطيسكيو، وهو عبارة عن رسالة إلى ابن ياسوع، جاء في مدخلها : " ليس هناك أروع من ولادة محمد، فقد قرر الله منذ الأزل، أن يبعث إلى الأمم هذا النبي العظيم من أجل شل حركة الشيطان، خلق الله نور هذا النبي قبل آدم بألفي سنة، متنقلا ببدرته من مختار إلى آخر، ليجعلها في أجداد محمد، كشاهدة أصيلة على أنه منحدر من صلب منتخبين، وبسبب هذا النبي لم يرد الله ميلاد الأنبياء إلا من رحم نساء متحليات بالطهارة، وأن يخضعوا لفريضة الختان". ختم مونطيسكيو رسالته إلى ابن ياسوع، قائلا : " بعد هذه الشهادات الباهرة ياعزيزي يسوع، يجب أن يكون لك قلب من حجر، لكي لا تصدق شريعته المقدسة. ماذا يمكن أن تفعله السماء من اجل الترخيص للرسالة الإلهية أكثر من تقلب الطبيعة رأسا على عقب وتدمر الرجال بالرغم من أنه يريد إقناعهم...؟ النص الثالث في هذه المجموعة للشخصية التي جسدت عصر الأنوار " فولتير" والذي تميز بمكانة مرموقة في القرن الثامن عشر. كان فولتير في أول الآمر معاديا للإسلام، بدا ذلك جليا في مسرحيته " محمد أو التعصب " 1742 وكذلك في مجموعة من خطابات لا تخلو من عداء مقصود (مجموعة رسائل فولتير 41-1739) لكن فولتير، بعد حين، تكفل شخصيا بالبحث عن الحقيقة، فنبذ الكتب القديمة عن الإسلام، ليفضح الكنيسة ويتحرر من مراجع العصر الوسيط، وتتغير جذريا معطياته. اتهم فولتير وتهجم على المسيحية باعتبارها الأكثر إثارة للسخرية والأكثر عبثية، فهي الدين الأكثر دموية يقول فولتير " لا شرائع الرهبان ولا الكهنة تمكنت من فرض قانون الصوم ابتداء من الرابعة صباحا إلى العاشرة مساء إبان شهر يوليوز عندما يحل فيه شهر رمضان. ولا تمكنت من منع العاب الحظ المدانة وكذا النبيذ وفرض الحج إلى مكة حيث الصحراء المحرقة. وتشريع الزكاة للفقراء، اثنان ونصف في المائة من الدخل أو الريع...ومنع التمتع بعشرات النساء...هل هناك من دين يجرؤ على ما هو أحسن من هذا، يجب أن نكافح باستمرار من أجل تدمير الخطأ، لأن هناك دائما من هو على استعداد لإحيائه (المنجد الفلسفي 1746). ومن " فولتير" ينتقل بنا الباحث عبد الكريم الوزاني إلى الألماني" غوتة" وهو واحد من أشهر أدباء ألمانيا، كان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية. في ديوانه المسمى " الديوان العربي الشرقي للشاعر الغربي" يتحدث بإسهاب عن الإسلام والقرآن والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). لقد أحب غوتة اللغة العربية وأدبها، وأحب القرآن الكريم وقرأه وكان يردد على الدوام قوله تعالى " رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي طه 25-26-27-28 وقوله تعالى " فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضي اليك وحيه وقل رب زدني علما – (طه 14)" ويستشهد على الدوام بقول الرسول في الحديث القدسي – لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى . ويكفينا من هذا العملاق قوله في آخر ما كتب ) فاوست Faust):"...سيبقى الأدب العربي أدبا متميزا ومستمرا ما دام القرآن موجودا، وستبقى اللغة العربية قوية وحاضرة لأنها لغة القرآن. ويقول كذلك : إنني في الإسلام أجد أفضل مكانا للتعبير عن آرائي الخاصة. يقول : كثيرا من الأحيان عندما نقرأ (القرآن) نحس وكأنه يبعدنا عنه لكنه وعلى نحو مفاجئ يغرينا ويدهشنا ويجبرنا على تقديسه في نهاية المطاف فالتحام أسلوبه مع محتوياته وأهدافه يمثل الرهبة والدهشة والأبدية والسمو. وبالتالي فهذا الكتاب سوف يواصل ممارسته وتأثيره القوي على المستقبل القادم.ففي الإسلام أجدني مرتاحا للتعبير عما بداخلي. ومن "غوتة " ينتقل بنا إلى الإمبراطور الفرنسي نابليون، الذي قال في رسالة له :...وأخيرا، وفي لحظة معينة من التاريخ ظهر رجل يدعى "محمد" قال هذا الرجل الشيء نفسه الذي قاله موسى وعيسى والأنبياء الآخرون : أن ليس هناك سوى اله واحد. أي (لا إله إلا الله) هي رسالة الإسلام. والإسلام هو الدين الحق. كلما كان الناس أكثر ذكاء وتعلما أصبحت عندهم مألوفة فكرة التخلي عن الأصنام والطقوس التي تدعم الشرك.لأنهم يدركون أن لا وجود إلا لإله واحد. ومن ثم آمل أن لا يتأخر وقت يعم فيه الإسلام العالم. وهو سيسود العالم... ومن نابليون بونابارت، إلى الشاعر والسياسي المحنك الفرنسي دولامرتين، يقول عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم : أبدا لن يكون بمقدرة أي رجل، أن يتقدم طوعا أو كرها، لخدمة أي هدف سام، أحرى أن يكون هذا الهدف فوق طاقة البشر، يسبر غور الخرافات التي وضعت بين المخلوق والخالق، ويعيد الله للإنسان والإنسان إلى الله، استعادة عقلانية ومقدسة بفكرة الألوهية، في خضم الفوضى المادية والوثنية المشبوهة...لا يوجد إنسان قادر وفي وقت وجيز، على انجاز ثورة ضخمة ودائمة على صعيد العالم. ويضيف : إذا كانت عظمة القصد وضعف الوسائل وضخامة النتائج، هي المعايير الثلاث لعبقرية الإنسان...فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ الحديث مع محمد ؟. ويضيف : أسس انتماء روحي وكراهية للآلهة الباطلة وشغفا للوصول الى الله بطريق غير مادية. شكلت هذه الوطنية امتهانا لكل ما يدنس السماء عند أتباع محمد (المسلمون). لقد كان إخضاع عقيدته لثلث الأرض بمثابة معجزة. أو بالأحرى لم تكن معجزة رجل بقدر ما كانت معجزة حجى. فكرة توحيد الله، المعلنة عند استنفاذ المظهر الروحي كانت في حد ذاتها فضيلة تتفجر من على شفتيه لتدمر كل معابد الأصنام القديمة وتضيء بأنوارها ثلث العالم. أما المؤرخ الفرنسي غسطاف لوبون فيقول في إحدى كتبه : إذا كان لنا أن نحكم على قيمة الرجل بحسب حجم أعماله، يمكن القول أن محمدا كان واحدا من أعظم الرجال الذين عرفهم التاريخ، فقط حال التعصب الديني عند العديد من المؤرخين بالاعتراف بأهمية أعماله. لكن الكتاب المسيحيين أنفسهم الآن ، بدؤوا بإعادة الحق إلى نصابه. كان محمد صلى الله عليه وسلم أذكي الأذكياء، وأدين المتدينين وأرحم من في العرب من معاصريه، وهو لا يمتن بإمبراطوريته سوى لتفوقه. كان الدين الذي بشر به نعمة كبيرة على كل الذين اعتنقوه. ويتناول الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك نيتشا الحديث عن الإسلام وحضارته بشفافية، اذ يقول في رسالة له : أحبطت المسيحية حصاد الحضارة القديمة، وهاهي فيما بعد، تحاول إحباطنا في الثقافة الإسلامية. إن الحضارة المغربية الاسبانية الرائعة ما هي في الواقع سوى تعبير يحاكي توجهاتنا ويتحدث إلى حواسنا وأذواقنا، الشيء الذي رمت به تحت الأقدام كل من روما واليونان، (فمن الأفضل أن لا أفكر على أي قدم أرقص) لماذا ؟ لأنهما مطالبتان بإعادة الأحاسيس الأرستقراطية للمقومات الرجولية... إن من أذكى الأباطرة الألمان فريدريك الثاني يقول : إذا كان الإسلام يحتقر المسيحية...فله الحق ألف مرة. فالإسلام يفرض وجود الشخصية الرجولية. ويختم الأستاذ الوزاني كراسه المرجعي بشهادتين الأولى للفيلسوف والكاتب الايرلاندي جورج برنادشو، ويقول فيها : لقد بوأت دين محمد في أرفع مقام لتمتعه بحيوية مدهشة، اذ هو الدين الوحيد الذي يحظ القدرة على استيعاب مرحلة التغيير البشري طيلة وجوده، كما أنه الوحيد الذي يمكنه مسايرة كل العصور. لقد درست هذا الرجل الرائع الذي يبدو في رأيي بعيدا كل البعد من أن يدعى المسيح الدجال، بل يجب أن يسمى منقذ الإنسانية. والشهادة الثانية للسياسي البارز المهاتما غاندي، يقول فيها : أنا الآخر أكثر اقتناعا من أي وقت مضى انه ليس بالسيف تأصلت مكانة الإسلام في قلب أولئك الذين يتطلعون للحياة. لقد كان ذلكم نابعا من هذا التواضع وذاك الإيثار النبوي، والحرص الدقيق على تنفيذ التزاماته، والإخلاص الشديد لأصدقائه وأتباعه، وإقدامه وشجاعته وثقته المطلقة في الله وفي المهمة المنوطة به. إن هذا الكراس، على صغر حجمه، فإن موضوعه كبير يوازي ما تحمله الموسوعات الضخمة ويحتل موقعا هاما في تاريخ الفكر الأوروبي المعاصر، لما يتضمنه من شهادات فكرية صادقة ووازنة، عن نبي الإسلام، وعن حضارة الإسلام، وموقع الإسلام في كوكبنا الأرضي. شكرا للشاعر والباحث والإعلامي الأستاذ عبد الكريم الوزاني على هذا الجهد، الذي قربنا / يقربنا من موقعنا كمسلمين من فكر النخبة الأوروبية، التي يعتبرها الغرب، صاحبة الفضل على حضارته الحديثة. إنه عمل مرجعي، جدير بالقراءة والدراسة.