لطالما كان شهر رمضان الكريم، فرصة لكي يسهر الأقرباء عند أهلهم، وكذا التزاور بين الجيران، فيتبادلون الزيارات الحبية، ويتهادون ما أعدوه من حلويات، وغير ذلك من العلاقات الإنسانية داخل المجتمع، في روح من التضامن. ذلك أن شهر رمضان الكريم، هو فرصة مميزة لوصل ما انقطع، وتقوية الأواصر الأسرية؛ فصلة الرحم من القيم الدينية والإنسانية، التي يجب الحفاظ عليها، فقد حَثَّ الدين الإسلامي على ضرورة صلة الأرحام، اذ قال تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ }، ويقول تعالى: { اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } وصلة الأرحام لها فوائد عديدة، ومن أبرزها: التلاحم الأسري والعائلي، والشعور بالراحة النفسية، وإطالة العمر، وهو ما ينعكس إيجاباً على خلق أجواء اجتماعية متماسكة. فإن شهر رمضان المبارك فرصة رائعة لصلة الأرحام، وتقوية الأواصر العائلية، وحل الخلافات بالتواصل والتزاور والانفتاح. فالمبادرات الأسرية والعائلية مطلوبة، خصوصاً في هذا الشهر الأبرك، ولو بأقل ما يمكن، من مثل دعوة إلى إفطار أو سحور تزيل الكثير من أجواء الشحناء والبغضاء، في حال وجود خلافات عائلية، وستقوي اللحمة العائلية في حال عدم وجود خلافات داخلية. لكن ظروف العصر حتمت أن يشعر الكثيرون بكثرة الأعمال والأشغال، وأمسى كل واحد مشغول بحاله وعائلته، فلا عجب أن نسمع دائماً كلمة (أنا مشغول)، لتبرير غيابه الاجتماعي، أو قيامه بأي دور أو مسؤولية اجتماعية عامة. لكن كثرة الأعمال، أو زحمة الأولويات، يجب أن لا تحول بيننا وبين التواصل الاجتماعي مع الناس، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ولا يمكنه الاستغناء عن التواصل مع بني جنسه، وإلا أصيب بأمراض نفسية واجتماعية، وعانى من العزلة والوحدة نتيجة ابتعاده عن المحيط الاجتماعي. ومن أهمية العلاقات الاجتماعية والأسرية في شهر رمضان الكريم، تمتين الروابط الأسرية والتسامح مع الأقارب والجيران، وتحاشي أبرز المشاكل الاجتماعية التي تصاحب الشهر الفضيل. وباعتباره شهر العبادة والتقرب من الله عزَّ وجل، وشهر التراحم والتواد والإحسان، فهو فرصة العاصي للتوبة والمؤمن للمواظبة، كما أن شهر رمضان الكريم، يمثل فرصة مهمة لتطوير العلاقات الاجتماعية وتمتينها. وكما عشنا جائحة كورونا بكل تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الكارثية، خلال رمضان الماضي، وما كان لها من سلبيات على الحياة عامة والحياة الاجتماعية خاص، فإننا لا زلنا نعاني من تأثيراتها السيئة في رمضان الحالي، وربما كانت تأثيراتها أقسى وأشد هذا العام ، إذ أن رمضان الماضي جاء بعد أشهر قليلة من تفشي الجائحة في العالم، في حين يأتي رمضان هذا العام، وقد عصفت الجائحة بكل العالم في كل اتجاه، عبر موجات متتالية من التفشي، كانت لها تداعياتها على كل المجتمعات. ويعرف شهر رمضان المبارك في العديد من الدول الإسلامية، بأنه شهر الولائم العائلية، وتجمعات الأهل والأقارب، وكذلك هو الشهر الذي يتجمع فيه المسلمون بأعداد كبيرة، لأداء صلاة التراويح ليلا، وكلها عادات وطقوس يبدو أنها لم تجد لها نصيبا هذا العام أيضا. وقد حرصت منظمة الصحة العالمية، على تنبيه المسلمين إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر، في ظل استمرار مخاطر انتشار الفيروس وتوالده، وضمن إرشادات أصدرتها تتعلق بالممارسات الرمضانية، وأكدت على ضرورة الأخذ بتدابير التباعد البدني، الواجب اتباعها أثناء الصلاة، والإفطار مع حظر التجول الليلي وإقامة صلاة التراويح تفاديا لانتشار الوباء. رجاؤنا كبير في الله، أن يأتي رمضان القادم وقد رفع عنا ويلات هذه الجائحة المقيتة.