دخل سعيد إلى أحد المقاهي الشعبية حيث استقبلته سحابة عظيمة من الدخان لدرجة أن الشخص يكاد لا يرى أمامه شيئاً ولا يسمع سوى همهمة أصوات الجالسين وأصوات الأقداح على الطاولات ترفع وتوضع في مكانها واحجار الطاولة تتنتقل من خانة الى اخرى ، لم يكن سعيد من محبي المقاهي ولا من مرتاديها ولكنه اليوم قرر أن يذهب إلى هناك بعد أن تحول البيت إلى ما يشبه ساحة المعركة بسبب حملة التنظيف التي تقوم بها زوجته فلم يرى سوى كراسي ترتفع وسجّاد يطير وكأن إعصار كاترينا قد ضرب البيت، جلس سعيد على أحد الكراسي وهناك شاهد عدداً من زملاء العمل يجلسون حول طاولة واحدة فإنضم إليهم وبعد التحيات وطلب الشاي بدأ الحديث حيث سأل أحدهم سعيداً عن سبب وجوده في المقهى وقال: - إيه يا سعيد أفندي إنت بقيت زينا من بتوع القهاوي والا إيه؟ أجابه سعيد: - لا والله بس زهقت من عقدة البيت فجيت أغير جو شويه. - جو إيه؟ هو إنت شايف هنا أي جو؟ ده دخان وبس. - يعني اهو حاجة جديدة. - بلا جديدة بلا بتاع قول إنك إختلفت مع المدام مش كده؟. - يعني!! شوية ,ما فيش حاجة تستاهل. - شوف يا سعيد يا حبيبي أنا أول ما إتجوزت كنت زيك أقعد في البيت على طول بعدين العيال كبروا وابتدت مشاكلهم, ده سقط في الامتحان, ده عاوز بدلة جديدة, دي عاوزة هدية عيد ميلاد, لصاحبتها وقيس على كده. - ها وبعدين؟ - ولا قبلين، شويه شويه ابتديت ازهق من قعدة البيت وأجي على القهوة, في الأول كانت ساعة في اليوم وبعدين ساعتين وفي الآخر بقى وقتي كله هنا لدرجة إني ما بقيتش عارف إيه اللي بيحصل في البيت وريحت دماغي على الاخر واديني متسّلي بالشيشة ولعب الطاولة. تعجب سعيد من هذا الكلام وقال: - إزاي يعني مش عارف إيه اللي بيحصل في البيت؟ طب وعيالك؟. - أهم بيكبروا والحمد لله والمدام قايمة بالواجب وأنا بادفع مصاريفهم من دمّ قلبي آه والله من دمّ قلبي. وهنا دخل زميل آخر على خط الحديث وقال: - تصدق بالله يا سعيد؟ - لا إله إلا الله محمد رسول الله. - أنا على قد مابأقضي وقتي هنا مابقيتش عارف أي حاجة عن عيالي السنة الفاتت جيه واحد شاب هو وأبوه عندي القهوة وقال لي أنه عاوز يخطب بنتي الكبيرة قلت له بس خلّيها تخلص الثانوية العامة الأول وبعدين تتجوز. - كلام معقول وقال إيه؟ - ولا حاجة الراجل ضحك وقال لي ثانوية عامة إيه يا عم؟ بنتك في سنة ثالثة كلية التجارة!! بيني وبينك أنا إنكسفت الاول ,بس بعدين عملت حالي اني كنت با هزّر معاه!!! - سبحان الله معقولة؟ مش عارف بنتك في ثانوية عامة وإلا في الجامعة؟ - يعني هي حتفرق إيه؟ إذا كنت عارف وإلا لا؟ أهم بيكبروا والحمد لله. - بس فرويد بنظريته بيقول إن غياب الأهل بيأثر على نفسية الاطفال والزوجة ويعمل مشاكل ويدّمر الحياة الأسرية!! - فرويد ده يكون عاوز يرشح نفسه على الإنتخابات علشان كده بيقول كلام كبير بس إحنا هنا مالناش دعوة بالسياسة إحنا هنا علشان نشّد نفس شيشة وننبسط!!! - بس فرويد ده... قاطعه صديقة وقال: - سيبك من فرويد ده وشوف صاحبنا هنا، وأشار إلى أحد الرجال الجالسين ثم أكمل: - ده ريّح راسه على الآخر ما بيروحش البيت غير مرّة في الشهر يستحمى ويغير هدومه يدّي المصروف والباقي كله بين هنا والشغل. - يعني هو بيستحمي مرة واحدة في الشهر؟ ده يبقى راجل نتن ولامؤاخذة !! ضحك صديقه وقال: - آه نتن وهو بيطالب ان هنا كمان انتن واحد في البلد يعملوه رئيس وزراء زي اسرائيل !! ضحك الجميع بصوت عال ولكن سعيد في قرارة نفسه شعر بالقلق وشرب الشاي على عجل وهمّ بالخروج. تعجب أصدقاءه وقال أحدهم: - إيه يا سعيد على فين؟ لسّه القعدة حتحلّو. ردّ سعيد وهو يدفع الحساب: - والله أرجع لبيتي ولمراتي وولادي قبل ما واحد فيكم يقول لي أنه مراته حملت وخلّفت وهو قاعد هنا في القهوة ولا داري بأي حاجة بتحصل حواليه. خرج سعيد وإختفى بين سحب الدخّان عندما قال أحد الزملاء : - ده مش حمل قهاوي وشيشة ده يروح يقعد في البيت جنب مراته !! فأجابه الاخر: - معاك حق الشيشة عاوزة رجّالة بحق وحقيقي مش ناس خرعة زي سعيد!!!