أسبوع "الاحتفاء بمهن السياحة 2025".. التزامات ملموسة من أجل مستقبل السياحة المغربية    النيابة العامة تكشف مستجدات المتابعات القانونية في حق المشتبه فيهم المتورطين في قضية شبكة جيراندو    أحوال الطقس ليوم الأربعاء: برد وزخات مطرية في مناطق واسعة من البلاد    بلاغ حول انعقاد الدورة العادية لمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة    مصرع شخصين في اصطدام عنيف بين شاحنتين بطريق الخميس أنجرة بضواحي تطوان    15 قتيلا و2897 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    الحزب الثوري المؤسساتي المكسيكي يدعو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الانضمام للمؤتمر الدائم للأحزاب السياسية في أمريكا اللاتينية والكاريبي    تراجع الصادرات ب 886 مليون درهم.. وتفاقم العجز التجاري ب 24.5 مليار درهم    كأس العرش 2023-2024 (قرعة).. مواجهات قوية وأخرى متكافئة في دور سدس العشر    ترامب يعلق جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد أيام من مشادته مع زيلينسكي    القاهرة.. انطلاق أعمال القمة العربية غير العادية بمشاركة المغرب    التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف بالجزائر أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف    أسعار اللحوم في المغرب.. انخفاض بنحو 30 درهما والناظور خارج التغطية    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس    إطلاق برنامج طلبات عروض مشاريع دعم الجمعيات والهيئات الثقافية والنقابات الفنية والمهرجانات برسم سنة 2025    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على أداء سلبي    بنك المغرب يحذر من أخبار مضللة ويعلن عن اتخاذ إجراءات قانونية    أمن فاس يوقف 6 أشخاص متورطون في الخطف والإحتجاز    استئنافية مراكش ترفع عقوبة رئيس تنسيقية زلزال الحوز    مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    الضفة «الجائزة الكبرى» لنتنياهو    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    ‬ما ‬دلالة ‬رئاسة ‬المغرب ‬لمجلس ‬الأمن ‬والسلم ‬في ‬الاتحاد ‬الأفريقي ‬للمرة ‬الرابعة ‬؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    تصعيد نقابي في قطاع الصحة بجهة الداخلة وادي الذهب.. وقفة احتجاجية واعتصام إنذاري ومطالب بصرف التعويضات    الصين: افتتاح الدورتين، الحدث السياسي الأبرز في السنة    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    أحمد زينون    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدور رواية "المُلحد" للروائي السوري عبد الباقي يوسف
نشر في طنجة الأدبية يوم 25 - 06 - 2020

تتناول الرواية ثنائية العلاقة بين تفشّي ظاهرة الإلحاد الجديد، وبين تفشّي ظاهرة الجماعات الاسلامية المُتشدّة، في واقعٍ عربيٍ جديدٍ مختلفٍ تماماً عَمّا كان عليه حتى قبل عقدٍ من الزمن.
وتدور أحداث هذه الرواية الجديدة في شمال سورية حيث الغالبية الكردية التي تُديرها وحدات الإدارة الذاتية الكردية. وهنا يتعرف القارئ من خلال أحداث الرواية وفي محورها الموازي على فكرة نشوء هذه الإدارة الذاتية وعلاقاتها المتفرّعة، سواء في الداخل، أو الخارج.
تبدأ الرواية عندما يقوم أحد الشبّان بتفجير نفسه بواسطة حزام في صالة أفراح حيث يُقام حفل زفاف. فيسقط عشرات الضحايا إثر ذلك، ولكن بذات الوقت يحصل التعارف بين بطل الرواية (دلشاد) والبطلة (سُهاد) عندما يُصابان بجروحٍ بليغةٍ ويقع أحدهما بجانب الآخر:(عندَما وَقَعَتْ نظرتُها الأولى على وجهِهِ مُصادَفةً في ذاكَ المَشهَدِ الدّمويّ المُروّعِ، وسطَ تَداخُلِ صَيحاتِ الأطفَالِ، بِزَعيقِ النّساءِ، بآهاتِ الرّجالِ، إلى جانِبِ أجسادٍ بشريَّةٍ تحوَّلَتْ إلى أشْلاءٍ، أو تفحّمَتْ، لا تَدرِي لِماذا راودَهَا إحساسٌ مُباغَتٌ بأنَّ حَمَامةً بيضَاءَ قدْ فرَّتْ من صَدرِهَا). تستذكر الحادث فيما بعد:
(في مكانٍ كلُّ ما فيهِ كانَ موتاً في موتٍ، في تلك اللّحظاتِ، وقعَتْ نظراتِي على شابٍ ينزفُ ويئِنُّ ألماً بجانِبي، وأنا أنظُر إليهِ، شعرْتُ بأنّني أستردُّ شيئاً من قوّتي، عندَها مددتُ يديَّ حتّى تمكّنتُ من أنْ أمسكَ بيدهِ، والتفتَ بالكادِ وآثارُ الدّماءِ على وجههِ، صارَ ينظُرُ إليّ، ولمحتُ بسمةً صغيرةً على فمِهِ، وهو يشبِكُ كفّهُ بكفّي، حينَها شعرْتُ بأنَّ كفّهُ تضخُّ الحياةَ إلى كفّي، ولا أعرِفُ ما الذي حصَلَ بعدَ ذلكَ). هكذا يبدأ عبد الباقي يوسف عمله الروائي الجديد بتشاؤم، وتفاؤل معاً، كما لو أنه يقول بأن حياةً إنسانية جميلةً يمكن لها أن تنبثق على أنقاض هذا الواقع اللا إنساني المروع. وبالفعل يلتقي دلشاد بسُهاد بعد شهورٍ من خروجهما من المشفى
بواسطة ابنة عمّه (سَروة) التي تعمل ناشطة في وحدات الادارة الذاتية، ويحصل بينهما الزواج. وبعد الزواج تبدأ العمليّات الإرهابيّة تتصاعَد في الشمال مع سيطرة الوحدات الكردية على المنطقة: (وقدْ بيّنَتْ الوحداتُ الهدفَ من وجُودِها على العَلَنِ، وهو أنّ مهمّتهَا الأساسية هي تحقيقُ الأمنِ، ولذلكَ لا تُريدُ أن تصطَدِمَ مع النّظامِ، ولا أنْ تُقاتلَ الجيشَ النّظاميّ. ويبدُو أنّ النّظامَ اتّخذَ موقِفَ الحيادِ مع هذهِ الوحداتِ، ولمْ يصطدِم معها ما دامَتْ لا تصطدِمُ معهُ).
تقول سَروة: (نحنُ الذين أردنَا البقاءَ في البلدِ، ولم نخرجْ منها، ودفعْنا نتيجةَ بقائِنَا ما دفعنَاهُ، ونستعدّ أنْ ندفَع أكثر، حتى نُحسّنَ الأوضاعَ، ونستطيع أنْ نستقبِلَ الذين اضطرّوا إلى الخروجِ إذا أرادُوا العودةَ، ونثبتَ لهم بأنّنا بقينَا ليسَ من أجلِنا فقطْ، بل من أجلِهم أيضاً).
هنا تتناول الرواية مسألة الالحاد وتفشّيه كردٍ على تلك العمليّات، ويُعلن بطل الرواية إلحاده، رغم أن زوجته مُحافِظة: (كمْ بثّ فينا الرُّعبَ (الله أكبرهم) هذا، وكمْ نحتاجُ إلى سنواتٍ حتَّى نُزيحَ هذا الرُّعبَ من قلوبِنا، صارتْ هذهِ العبارةُ من أكثرِ العباراتِ التي تبثُّ فينا الفزعَ. إذا آمنتُ بهذا الإلهِ، فعليَّ أنْ أستحسِنَ كلَّ ما ارتكبُوه من كوارث، أشاركَ معهُم فيما يفعلُونهُ، لأنَّهم يقولُون بأنَّهم يُنفّذونَ أوامرَ (الله أكبرهم) هذا، وسوفَ يعاقِبهم إذا امتنعُوا عن تنفيذِ أوامِرهِ. هؤلاء ألحقُوا بنَا الويلَ بهذا الهُتافِ، ولا أجدُ سوى أنْ أنضمّ إليهِم وأهتفَ معهُم ما يقولونهُ، أو أرفضَ هذا الإلهَ الذي يأمُرُهم بهذه الانتهاكَاتِ المُروعَةِ).
وكذلك عندما يراها تصلّي: (غدا يتأمّلُها وهي تصلّي العشاءَ، ويتخيَّلُ نفسهُ عندمَا كان يصلّي: هل هي على صوابٍ أم أنا.. ألم يُقتَل أهلُها باسم (الله أكبر)، ألمْ يتشرَّد ملايينُ النَّاس من بيوتهم، ألمْ يُقتَل ويُسجَن ويُصاب ملايينُ النَّاس تحتَ شعارِ (الله أكبر). هؤلاءِ عندَمَا يتمكّنونَ من السَّيطرةِ على منطقةٍ، يُلحقون الويلاتِ بأهلِهَا، يقطعُون أصابعَ مَن يتجرّأ على تدخينِ سيجارةٍ، يقطعُون أذنَي مَن يستمعُ إلي أغنيةٍ، يستحلّونَ أعراضَ وممتلكاتِ النَّاس العزَّل، و (الله أكبرهم) يُبيحُ لهم ويحرّضهم على كلّ تجاوزٍ، ولا يردعُهم عن شيءٍ. إنَّهم يتحصّنونَ بهِ وقد أحالَهُم إلى وحوشٍ فتّاكةٍ.
عندما أدَّتْ الصلاةَ، انتبَهَ إلى قولِها وهي تستديرُ برأسِهَا يمنةً ويسرةً: السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
أرادَ أنْ ينفجِرَ قائلاً: أيُّ سلامٍ يا سُهاد، وأيَّةُ رحمةٍ، وأيَّة بركاتٍ)؟.
لكنها تصر أن تبقى إلى جانبه، وتحافظ على عائلتها الصغيرة، ويبقى الاحترام بينهما متبادلاً، فتدعو: (اللهمَّ لا أحدَ لي غيرهُ، اللهمَّ اصرف عنهُ كلَّ مَن يريدُ بهِ أذىً، كلَّ فكرةٍ تؤذيهِ، اللهم ثبّتني في الوقوفِ معهُ، وثبّتهُ في الوقوفِ معي، اللهمَّ أعد النضارةَ إلى وجههِ، أضِئ مصباحَ وجههِ بنورِك يا رب. هذا سندي في الحياةِ، وهو عمودُ بيتِي، وتعرفُ كمْ أحبُّهُ، وهو طيّبٌ وبريءٌ، لكنْ لعلّ فكرةً ما تسرَّبَتْ إليهِ، وقد عانَى كثيراً كثيراً يا رب، وأنتَ عالمٌ بمعانَاتهِ وصبرهِ وتحمّلهِ. إنَّنا نمرُّ في ظروفٍ استثنائيَّةٍ يا ربنا، وأنتَ ترى كيفَ أنَّ بعضَ المسلمين أصبحُوا مسعورين ومُتعطّشين للدّماءِ وهم يحملُون راياتِكَ، إنَّهم يقتلونَنَا ويفتكُون بأطفالِنَا تحتَ راياتكَ وأسماءِ سور قرآنك، جعلُوا ركَبنا تصطك وقلوبَنا تهبطُ عندما تتعالى أصواتُهم ب (الله أكبر).
صرنا نُريدُ أن نسمعَ أيَّ شيءٍ إلاّ هذه العِبارة لأنَّها تسبقُ إلحاق الويلِ بنا، تسبقُ هدمَ البيوتِ على رُؤوسِ ساكنيها، هدمِ قُببِ المساجد على مُصلّيها، تَسبقُ أقسى أشكالِ التَّنكيلِ بنا، وكمْ من مرةٍ هربتُ من سجّادة الصلاةِ دونَ أنْ أكملَ صلاتي عندمَا كانتْ تتعالَى هُتافاتُهم ب (الله أكبر). هؤلاء أذاقُونا الويلَ يا رب، لا نعرفُ إلي أينَ نهربُ منهم، شرّدُونا في كلّ بقاعِ العالمِ، شتّتوا عوائِلَنا، يتّموا أطفالَنا، رمّلوا نساءَنَا. أصبحُوا مصدرَ كلّ خوفٍ لنا، كلّ قلقٍ، كل ويلٍ يلحق بنَا وهم يحملُون المصاحفَ بأيديهم، ويكتبُون اسمكَ على راياتِهم، وهؤلاء من بني جلدتِنا، ومن دِينِنا، فكانَ أنْ ارتدّ بعضُ شبابِنا عن دِينِهم، وأشهرُوا الإلحادَ، اللَّهمَّ غفرانكَ).
هنا تأتي البطلة إلى أبيها فيتحدّث لها عن بعض الأسباب التي أدّت إلى تفشي الإلحاد بين بعض الشبان الأكراد: (لو كانَ الأكرادُ يهوداً لكانَتْ لهم دولتُهم المستقلّة على أرضِهِم منذُ مئاتِ السّنينِ، ولمَا تجرّأ أحدٌ أنْ يرمِي حجراً على حائطِ دولتِهِم، وكانُوا دولةً، بل وإمبراطورية قبلَ الإسلامِ، لكنْ عندمَا جاءَ الإسلامُ، وآزَرُوه واعتنقُوهُ، تحوَّلُوا مع الزَّمن كما لو أنّهم أعداءٌ لبعضِ المُسلمين، وبدأَ المُسلمونَ يفتِكُون بهِم تحتَ شعاراتٍ إسلاميَّةٍ، حتَّى يُخرجُوهم من الإسلامِ، وهُم يُصرّونَ على بقائِهِم في الإسلامِ على نهجِ السُّنةِ والجماعةِ، ويقدّمُون خيرةَ رجالاتِهِم لخدمةِ الإسلامِ، دونَ أنْ ينفعَهُم ذلك بشيءٍ، بل صارَ البعضُ يُجرّدُ حتّى أولئكَ الرجال من قوميَّتِهم الكرديَّةِ، ويدّعونَ بأنَّهم ليسُوا أكراداً، لأنَّهم لا يتقبّلونَ حتَّى فكرةَ أنْ يقدّمَ الكرديُّ خدمَةً للإسلامِ.
لم يترِكُوا وسيلةَ قتلٍ إلَّا وقتلُوهُم بها، قتلُوهم بإطلاقِ الرَّصاصِ، قتلُوهم تحتَ التَّعذيبِ، قتلُوهم جُوعاً، قتلُوهم برداً، قتلُوهم شَنقاً، قتلُوهم خنقاً، قتلُوهم قنصَاً، قتلوهُم ذبحَاً، قتلوهُم دَهسَاً، قتلُوهم طَعناً، قتلوهُم ضرباً، قتلُوهُم صَعْقاً، قتلوهُم اغتيالاً، قتلُوهم أفراداً، قتلوهُم بحملاتِ إبادةٍ جماعيَّةٍ، قتلُوهم في السُّجون، قتلوهُم بدفنِهِم أحياءً، قتلُوهم بغازاتٍ سامَّةٍ، قتلوهُم بأسلحةٍ كيماويَّةٍ، قتلُوا أطفالَهُم أمامَ أعيُنِ آبائِهم، قتلُوا آباءَهُم أمامَ أعينِ أطفالِهم. أجل يا بنتِي، لو كانَ الأكرادُ يهوداً، لمَا ألحقَ بهِم اليَهُودُ كلَّ هذهِ الويلاتِ، لو كانُوا مسيحيّينَ، لما ألحَقَ بهِم المسيحيُّونَ حملاتِ الإبادةِ الجماعيَّةِ، لو كانُوا هندوسيّينَ، لو كانُوا بوذيّينَ، لو اعتنقُوا أيَّ معتقدٍ آخر غير الإسلامِ، لما لقُوا كلَّ هذه الكوارث التي لحقتْ بهِم، بلْ لما اعتبرَهُم بعضُ المُسلمين أعداءً لهُم، وتركُوهُم في معتقدِهِم. كلُّ هذا يا بنتي حتَّى يُخرجُوهم من الإسلامِ، وقد نجحُوا في ذلكَ مع بعضِ شَبابِنَا الذين ارتدّوا عن الإسلامِ عندمَا تراكمَتْ هذه الحَملاتُ عليهِم وهي تحملُ شعاراتِ الإسلامِ، وخلالَ الحقبِ الزَّمنيَّةِ، كانَ المُسلمونَ يمنعُونهُم حتَّى من أنْ يتحدّثوا كلمةً واحدةً بلغتِهِم، أو يطلقّوا اسماً كردياً على أبنائِهِم، بل حتَّى أنْ يرتدُوا زيَّاً من أزيائِهم، ويحظّرونَ عليهِم أنْ يكتبُوا حرفاً بلغتِهِم. لقدْ استجَابَ بعضُ شبابِنَا لكلّ ذلكَ وارتدّوا عن الإسلامِ، ومنهُم مَن أشهَرَ إلحادَهُ، وتشكّلَتْ جماعاتٌ من المُلحدين السّياسيينَ كردّ فعلٍ على المؤمنينَ السّياسيينَ الذي يتّبعونَ سياساتٍ وهم يعتَدُون على الأكرادِ، ويعتقِدُون بأنَّ الأكرادَ لمجرّد أنَّهم قد أسلمُوا، فعليهِم أنْ يتجرّدُوا من قومِيتِهم ويصبِحُوا تَبعاً لهُم).
ومن المقاطع الحميمية عندما تتفاجأ الزوجة بأن زوجها يضع لأول مرة الخمر على المائدة، فيصيبها القلق وهي لأول مرة ترى شخصاً يتناول الخمر: (وهي تنظُرُ إليهِ وإلى الكأسِ، وقد بدَا السُّكرُ يجِد مفعولَهُ فيهِ، وأخذَ الاحمرارُ يزحفُ إلى عينَيهِ شيئاً فشيئاً. عند ذاك رأتهُ يسحبُ كرسيّهُ ليجلسَ بشكلٍ ملاصقٍ لها، وهو يتغزَّل بها كما لو أنَّه يرَاها لأوّلِ مرّةٍ، وهي تزدادُ اضطّراباً وخوفاً من أيّ فعلٍ غيرِ مألوفٍ قدْ يصدِرُ منهُ في أيّ لحظةٍ. لكنَّها استطاعَتْ أنْ تُقنعَ نفسَها بأهمّيةِ ترقّبِ ما قدْ يبدرُ منهُ وقدْ وضعتْ كلّ الاحتمالاتِ. رأتهُ يمدُّ كفَّيهِ يدسُّ أصابعَهُ بين ثنايا شعرِهَا، وهي تنتظِرُ ما الذي سيحصَلُ، يقبّلها، ويقولُ لها كلاماً جمِيلاً، يبدُو أمامَها رقيقاً. وبعدَ قليلٍ أمسكَ بيدِها حتّى وقفَا، ضمّها إلى حضنِهِ وصارَ يقبّلهَا وهي مُندهشةٌ، ثم أخذَها إلى الكنبةِ المجاورةِ، قالت: لنذهَبَ إلى السّريرِ.
قال: لا، هُنا.. يبدُو السريرُ بعيداً عنّي، ولا أطيقُ أنْ أمشي خطوةً واحدةً، حتى لا أبتعدَ عنكَ ولو قليلاً. ثم استلقَيا على الكنبةِ التي وسعتْهما بالكادِ وهو يقولُ: لا أريدُ أنْ أغمضَ عينَي إلاّ على رؤيتِكَ، ولا أنْ أفتحَهمَا إلاّ وهُما يقعانِ عليكَ.. ياه كمْ أحبّك.. كم أنا محظُوظٌ بك.. كم أشعرُ أنَّ العالمَ بخيرٍ لأنكِ بجانِبِي.
ولا تدري ما الذي أصابَها، فبدَتْ كما لو أنَّها أيضاً شربتْ كأساً، فصارَتْ تضمّهُ إلى صدرِها، وتقبّلهُ، وتطلبُ منهُ أنْ يضمّها أكثر، ويقبّلها أكثر.
تمتم: وهل هُناك أعظم من هذه اللّحظات يا حبيبتي.
أجابت: أكيد لا.
تمتم: كلُّ أيامنا ستكونُ هكذا يا رحيقَ حياتي.
بلغت السّاعة بهما الثانية والنصف وهما ما يزالانِ في ذروةِ العناقِ كما لو أنَّ أحدهُما قدْ التصقَ بالآخرِ، ولا يريدُ أنْ ينفكّ عنهُ، وأنهُ إذا انفكّ عنهُ، لن يعودَ إليه ثانيةً).
صدرت الروايةعن دار اسكرايب للطباعة والنشر والترجمة في القاهرة 2020، وجاءت في 228 صفحة من الحجم الوسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.