-1- الدكتور الجيلالي الكدية، كاتب مغربي، هاجر بقلمه/ أدبه/ بحثه الثقافي، لفترة ليست بالقصيرة إلى لغة شكسبير، فاستوطن العالم الانجلوفوني ثقافيا، فأصبح له في هذه اللغة عشرات الأعمال المترجمة عن العربية، وعشرات الأعمال الإبداعية الموضوعة، إذ تفاعل وترابط معها، ولكن بالقيم العربية المغربية. وعلى أن إنتاج الدكتور الكدية، غزيرا في الإبداع القصصي والنقد، فإنه فضل دائما أن يشتغل في الظل، بعيدا عن الأضواء. قراء الأدب في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، يعرفونه حق المعرفة من خلال كتاباته المغربية/ من خلال قصصه القصيرة جدا بمفاهيمها العلمية والفنية/ من خلال الحكايات الشعبية المغربية الجذابة والممتعة. هناك بمهجره الثقافي/ بالولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، الجامعات تدرس انتاجه الغزير../ قصصه الحكائية وعلاقتها بالمسكوت عنه، ذي الأبعاد الاجتماعية والنفسية والخرافية والتراثية، حيث يشتغل على انتاجه الإبداعي/ الثقافي العديد من الطلبة والأساتذة الأكاديميين، اعتبارا لموقعه المتميز في الأدب المغربي الحديث باللغة الانجليزية. -2- الدكتور الجلالي الكدية، الذي يغزو ساحة الأدب العالمي باللغة الانجليزية من موقعه بمدينة فاس، ليس من شك في أنه يبدع أيضا بلغته الأم، اللغة العربية، التي يعشق حسها الجمالي ويتذوق مكامن شاعريتها. في مجموعته القصصية "الرماح الحمر" الصادرة حديثا عن مطابع الميديا بمدينة فاس، والتي قدمها للقراء الشاعر محمد السعيدي، يؤكد الأديب الكدية، على قدرته الإبداعية الفائقة، فهو ماهر في القص، يجيد الحكي، يمسك بتلابيب السرد في يسر ولين وهو أيضا، شاعر في اللغة، يتحكم بمهارة في أدواتها ويسمو بها إلى درجة الإبداع. في الرماح الحمر، تتعانق القصة الطويلة بالقصة القصيرة، وتتعانق هذه الأخيرة بالقصة القصيرة جدا، باقات إبداعية ذات نكهة سردية، يغترف فيها الكاتب، (بشهادة زميله الاستاذ محمد السعدي) من صميم الواقع، ومن صراعاته الحادة بين الخير والشر/ بين تناقضاته الطاحنة/ بين القوي والضعيف/ بين المعقول واللامعقول... يتنسم خلالها القارئ عبير القيم الإنسانية وصميم السمو الإبداعي( ). الرماح الحمر، تتحول من قطعة قصصية إلى أخرى، إلى ساحة واسعة من القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية، تتحول إلى نخبة واسعة من الشخصيات المؤثرة التي تنتمي إلى مختلف الشرائح والطبقات والفئات والحساسيات/ مجموعة من المشاهد الحكائية المبهرة، التي تقدم نفسها من خلال الأشخاص والقضايا والمواقف. من العطلة الضائعة/ إلى الطريق الذهبي/ ومن ساعي البريد/ إلى سارق أحلام... ومن دم الشرق/ إلى نهاية التاريخ/ ومن السؤال الذي لا يقاوم/ إلى وصمة حذاء/ مساحة واسعة من القصص والقضايا والمشاهد، يتماهى داخلها/ خارجها كاتبها المبدع/ مع أبطاله وشخصياته تماهيا لينا، يعيش بينها عيشا صميما، يرافقهم في أغوار نفوسهم وحركاتهم وسكناتهم، يحيي معهم معاناتهم وأفراحهم في مشاركة وجدانية مؤثرة( ). قص مكثف ذو نزعة موجزة ومقصدية رمزية، تقوم على خاصية التلميح والاقتضاب، تقوم على النفس الجمالي المتكئ على بلاغة اللغة... لغة البلاغة/ أنها لوحات قصصية شاعرية، لا تدعي التحليل والنقد، بقدر ما تتداخل معهما من خلال جوانبها الفنية والدلالية، من خلال اشكاليات الواقع بكل عنفه وجماليته، إنها تتداخل مع الواقع اليومي المعاش، بشكل موجز ومكثف بالإيحاء والتلميح المقصدي المطعم أحيانا بالسخرية، وأحيانا أخرى بالتهكمية. -3- إن قراءة متأنية لهذه المجموعة/ الرماح الحمر، تعطي الانطباع في بداية الأمر، أن كاتبها، بالإضافة حرصه على بعث رسائل مشفرة إلى شخصياته الافتراضية المليئة بالانتقادات الحادة والطافحة بالواقعية المتأزمة، فإنه حرص أكثر من ذلك على توجيه رسائل أخرى إلى الانسان المغربي الذي يعاني من التفاوت الطبقي/ من ويلات الفساد والفقر، والتي تكشف عن الأمراض والسلبيات والقضايا التي يمكن تصنيفها سياسية أو اقتصادية أو ثقافية في المشهد المغربي الراهن، بالإضافة إلى ذلك نرى أن الكاتب القاص، يلح على أن يجسد في مجموعته، المقومات السردية الأساسية في القصة الحديثة بالغرب: الأحداث/ الشخصيات/ الفضاء/ المنظور السردي/ البنية الزمنية، اضفة إلى توظيف أنماط الخاطرة (قصة الطريق ( )) أنماط اللوحة المشهدية (قصة سارق أحلام ( )) أنماط اللغر (قصة الحذاء ( )) و(قصة عرش النمس ( )) أنماط الحكمة (قصة نهاية التاريخ ( )) وهي أنماط سعت إلى توسيع شبكة الأجناس الأدبية، وتمديد رقعة نظرية الأدب بفنون جديدة أفرزتها ظروف العصر، وهو ما أعطى مجموعة الرماح الحمر، صفة الدرس النقدي في مفاهيم وأشكال وقيم القصة القصيرة... والقصيرة جدا/ الدرس الذي جعل القارئ مشدودا بقوة أمام شاعرية النص/ يسبح مع كاتبه في عالم التخييل/ يشارك الكاتب رؤيته الطلائعية، لماهية القصة القصيرة والقصيرة جدا. إنها مجموعة قصصية تستحق القراءة... والدرس.