تتجلى في الدعاء أجمل نسمات العناية الإلهية التي تحيط بالعبد حينما يدعوه حبا وشوقا وطمعا في رحمته، وكأنها ظلال تحتويه من كل جانب تصعد به في نورانية، حيث يجب أن تكون من النورانية والصفاء.وحقا ويقينا إن الدعاء إذا كان مخلصا فهو يفتح لك باب العناية الإلهية لتنعم بنسماتها. ولنتأمل معا بين ثنايا السطور القادمة كيف أن العناية الإلهية تحيط بدعاء العبد الصادق الذي أنعم الله عليه بالإخلاص، والإخلاص سر من أسرار الله استودعه قلب من أحبه من عباده.إن العناية الإلهية تحيط دائما بسلوك الالتزام بالتوجيهات الربانية، والدعاء كان إحدى هذه التوجيهات والتعاليم، وترتكز سبل العناية الإلهية في الدعاء على ما يلي : أولا : إنه سبحانه لم يجعل واسطة في الدعاء بين العبد وربه، بل جعل الدعاء مباشرة إلى الله عز وجل، وهو سر من الأسرار يعطي للعبد خصوصية ومكانة عند الله- ثانيا : الدعاء يقودك إلى الخشوع والتضرع الذي يرضاه الله وإلى الإعتراف بعجزك أمام قدرة الله الذي تلجأ إليه إيمانا ويقينا، وظاهرا وباطنا، وقولا وفعلا، وعلما ومعرفة بأنه هو وحده الذي يملك الاستجابة إذا شاء، فإذا عجزت الأسباب فإن خالق الأسباب موجود، جواد كريم، رؤوف رحيم،غفار رحمن عنده مفاتيح الغيب كلها، وأبواب الرحمة يملكها سبحانه وخزائن الفضل لديه وحده … وبذلك يتحقق لك معنى العبودية التامة. إذن الدعاء يرشدك إلى تحقيق العبودية، وهذا هو الهدف من العبادة أن تصل بيقينك وعملك وسلوكك وخلقك إلى أن يكون الهدف هو الله ورضاه، وأن تسعى في الحياة حبا لله، وأن لا يستطيع أحد أن يملك شيئا أو يفعل شيئا إلا بإذنه وإرادته ومشيئته وبسلطان منه وحده. فكيف يكون في القلب سواه. ثالثا : الدعاء يحقق لك إحدى سبل الصفاء، فإن الاستمرارية في الدعاء بقلب مخلص محب لله بيقين أن الله سيستجيب إلى دعائك ويحقق ما تريده في الآوان الذي يشاؤه سبحانه يقودك إلى الصفاء والنقاء …ساعيا في طريق الله حبا سالكا إليه حامدا شاكرا آملا في رحمته ورضاه. ومن كان أكثر إخلاصا لله يتحقق له الصفاء، ومن يتحقق له الصفاء ينال شيئا من الاصطفاء . رابعا : الدعاء يحيطك بالرحمة الإلهية فتهدأ وتشعر بالإطمئنان والأمن النفسي الذي هو نعمة من الله فيتحقق لك السلام مع النفس، ومع كل شئ في الوجود مما يرشدك إلى الرضا والصبر. خامسا : الدعاء يجعلك تحيا في دائرة النور الإلهي، حيث يدخلك في عناية الله وحمايته ورعايته سبحانه، فيغشاك نور الله، وتحيطك لمسات حنانه من كل جانب فتشعر بالرضا والأمن النفسي وهذه من ثمرات العناية الإلهية في الدعاء؛ وذلك لأنك بالدعاء واتجاهك ولجوءك الدائم إلى الله أصبحت موصولا به سبحانه، مدفوعا إلى أن تطيعه في كل ما أمرك به، وأن تنتهي عما نهاك عنه. مما أحاطك بالعناية الإلهية والرحمة الربانية. وهكذا يصبح الدعاء سبيلا للحصول على عناية الله والفوز برحمته ورضاه.ولتعلم :- ما أمرك الله بالدعاء إلا ليفيض عليك ويعطيك ، ويرحمك .. وما أمرك جل جلاله بالدعاء إلا ليرفعك .. ويقربك وفي القرب الحب والنور والصفاء .. د . ناهد الخراشي الكاتبة والمحاضرة في العلوم الإنسانية والسلوكية عضو الهيئة الإستشارية العليا مجلس علماء ومبدعي مصر والعرب