ساف حميد الرضواني فوق أرضيات معرفية متنوعة بحثا عن التاريخ، حيث يرى أن المسرح ينحصر في إيجاد حقيقة الذات، ولعل من أكثر المعضلات الجذرية في الدلالة، تلك القضية المتصلة بإمكانية فهم الذات، لأن الإبداع هو ارتباط بالقديم والجديد، وتمسرح وفعل يختصر المبدأ الثالث (أي صيغة جديدة) وتسمى الوظيفة التحليلية والتقويمية لأن الشعور مرتبط بالرمز، والثقافة والإيديولوجيا، واللامنطقية، فالإبداع التاريخي هو الدافعية التاريخية لدى المبدع، والدافعية الخارجية فاستهل حميد في كتابه مساره المسرحي وجوديا متأملا في تاريخ الملحون، باحثا عن العلامة المترابطة بين الإرادة واللإرادة. – التواصل في اللغة العربية الاقتران والاتصال والصلة والترابط، والالتئام والجمع والإبلاغ والإعلام. – أما في اللغة الأجنبية فكلمة Communication تعني إقامة علاقة وتراسل وترابط وإرسال وتبادل وإخبار وهذا يعني أن هناك تشابها في الدلالة والمقصود بين مفهوم التواصل ……….. ونفترض في كل تواصل باعتباره نقلا وإعلاما مرسلا ورسالة وشفرة يتفق في تسميتها كل من المتكلم والمستقبل وسياقا مرجعيا وقصدية الرسالة. – يعرف شارل كوليه بأن التواصل (جمجمة …………..) وهو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية، وتتطور، إنه يتضمن كل مسائل الذهن مع وسائل تقديرها ويتضمن تعابير الوجه والحركات، ونبرات الصوت وهيئة الجسم وهذا ما يهمنا وما سنركز عليه: أي الجسد وعلاقته بالتواصل أي كيف يشكلان ثنائيا فما له نتيجة على مستوى التواصل مع الآخر، والوصول إلى المستوى الأرقى الذي يتيح أو يعطي الفرصة لفهم الآخر، أي أن الرسالة تكون مستقبلة من طرف الآخر دون غموض أو التباس. مفهوم الجسد داخل المؤلف إذن فالجسد هو جزء من عملية التواصل العامة، أو هو نقطة داخل دائرة التواصل، فهو يعوض عن الكلام، وأحيانا ما تكون العملية التواصلية أكثر فعالية وتحمل في طياتها بشكل خاص (التغذية الراجعة) وهي أهم عنصر من خلاله أعرف فيما يفكر الآخر، وانطباعه عن كل شيء هو اجتماعي وغير اجتماعي، ولكي نوضح أكثر سوف نتطرق إلى تطور مفهوم الجسد من التأمل الفلسفي إلى القصور العلمي. إذن على مستوى التأمل الفلسفي، نجد أن بيير بورديو يبرهن على أن السلوكات السائدة والتي هي صادرة عن الجسد [طريقة العيش والتفكير] والتي في أساسها مرتبطة أولها صلة بالأصل الاجتماعي. إن أن هيئة الجسد وطريقة تواصله تظهر وتفسح عن هوية هذا الشخص. وللتوضيح نستحضر هذا المثال: وهو أن التاجر والعامل والأستاذ، ليست لهم الهيئة الجسدية نفسها، وهذا يتبين لنا عن كيفية التعبير عن ذواتهم فقط عن طريق جسدهم، فالعامل يقوم بلعب كرة القدم وهذا النشاط يقوم به كل من هو شعبي أي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة، وعلى خلاف هذا نجد الأستاذ يعبر عن نفسه من خلال جسده بارتباطه مثلا برياضة الكولف، وهذا ما يقوم به أصحاب الأطر العليا وفي هذا الصدد يشير بورديو [تكون خطاطة الجسد مزودة بنظرة مكتملة إلى العالم الاجتماعي وبفلسفة مكتملة للشخص والجسد الخاص]، وفي الإطار نفسه نجد تول بيرت إلياس، يربط بين الجسد أو المدينة أو الحضارة، العديد من السلوكات والحركات تبدو طبيعية، في حين أنها اجتماعية وثقافية، وذلك ……….. بالضبط في عصر النهضة، حيث ظهرت قواعد المدنية في القصر عندما بدأت الأسر المالكة والحاشية تتعلم أساليب وأصول التعامل في المجتمع الراقي حتى لا تتشكل أو تتمظهر في صورة فضة الطباع عديمة اللباقة، بحيث تحولت هذه المراقبة الذاتية إلى قواعد وأسس تتحكم في الجسد، وفي منظور آخر في إطار تعريف مفهوم الجسد، نجد أن جون بودريار في كتابه: (مجتمع الاستهلاك) يؤكد على تحول الجسد من صورة راقية تعبر عن ذات الإنسان وتمكنه من التواصل البناء والفعال إلى شيء آخر، أي تجريدة من كل ما يملكه، وتحويله كائنات أو شيء قابل للاستهلاك، كما يكون جون بودريار: “أصبح الجسد موضوع نرجسية وخطوة اجتماعية يتطلب مجموعة من السلوكات الاستهلاكية تستجيب لمتطلبات اجتماعية مثل: الحظ والشكل والنشوة والجنسية …” إذن نستنتج أن الجسد أصبح في العصر الحاضر رمزا للذات وفي الوقت نفسه مظهرا لحدود الإنسان. فحسب أفلاطون يقول أن الجسد سوى محطة للنفس التي تنزل من السماء إلى الأرض بعد أن فقدت ريشها وتزرع داخل السد البشري، كما نجد أفلاطون يقول: “بأن النفس غير فانية، لأنها ذاتية الحركة وكل جسم يستقبل الحركة من الخارج خالي من وجود النفس. ويظهر التعارض بين النفس والجسد في محاورة، من خلال اعتراض أفلاطون عن السوفسطائيين الذين يعتبرون أن النفس تحشد بفساد الجسد، لأنها تكتفي بضمان (التفاوق) التوافق والانسجام بين عناصره ولذلك يحاول أفلاطون أن يستدل على أن النفس لا تتحلل أبدا، أو على أنها تقترب من عدم التحلل. ولذلك فهو يقدم مجموعة من الحجج التي تؤكد بأن النفس غير فاسدة، إذا كان كل ما نراه محسوسا، فهو محسوس نافع للتغير وتكون من عناصر جزئية ستتحلل إليه، أما ما هو غير محسوس ويدرك، أي كل ما هو مطابق لذاته من المحتمل أن يكون غير قابل للتحلل. وبالتالي نجد أن الجسد أكثر قربا من الكائن المحسوس، بينما النفس تقترب من الكائنات غير المحسوسة. علاقة التواصل بالجسد داخل المؤلف من الجيد ذكره أننا عندما نطرح مفهوم التواصل تكون لنا معرفة مسبقة بأنه مفهوم عام ولابد من وجود عناصره، أي الآليات التي تدعم عملية التواصل وهي كالتالي: – هناك التواصل عبر اللغة، والتواصل عبر الإشارة والإيحاءات والإيماءات، ومن هنا نستشف صلب موضوعنا التي يصب في العلاقة الجدلية بين التواصل والجسد. إذ نجد في كثير من الأحيان، أن التواصل عبر اللغة قد لا يعطي النتيجة المتوخاة من هذه العملية التواصلية، بحيث يمكن أن لا تصل الرسالة –المستهدفة، وتظل غامضة بالنسبة للمتلقي، أما عندما نستعين بالجسد فهذا سيدفعنا بالتأكيد إلى خطوة للأمام. بحيث نجد أن القول أو الفصل، يرافق بسلوك يبسطه أو يستوجبه، ويحصل منه رسالة واضحة متكاملة العناصر، مما يؤدي إلى نجاح العملية التواصلية، وكذلك من ناحية أخرى، نجد أن لغة الجسد تكون أحيانا كافية وحدها، لأنها تحد من حدوث أي اضطراب أو سوء فهم من كلا الطرفين. مفهوم الإبداع في المؤلف لقد سمى فرتيمر: التفكير الإبداعي بعملية تلاشي كل ما لصالح أفضل، وميز هوكوهار التفكير الإنتاجي الذي يتم فيه توليد أفكار جديدة عن تفكير المادة الإنتاج الذي يتم تطبيق الاستجابات المبكرة آليا، إذ أكدت رؤية الجشتلت في حل المشكلات والإدراك على أهمية العلاقات بين الأجزاء. أي فهم حطوة قصد حلها، وكيف تتساوى الأجزاء كلها لتبني كليتها، وذلك برؤية الاندهاش، وهذا ما أكده وايز بيرك بأسطورة صوت الاندهاش والإبداع لا يأتي من فراغ بل بواسطة التمرن والحيز في المجال، ويرى وايزبيرك بأن العملية الإبداعية لا تتأسس إلا بالقراءة السابقة ومعرفة النقص الذي حصل، ولا يتفق علماء النفس المرضي مع هذا الطرح نظرا للاستبصار الذي طرحه فنيك Finke فالاستبصار هو الذي يميز الإلهام عن غير الإلهام ويرى التفكير الإبداع نوعين الإبداع التقاربي الإبداع التجاعدي أما لانكلي وجونز يرى في الاستبصار العلمي، ويمكن تحديد عناصر الإبداع عندما هلمومليز الإعداد – (التشبع بالموضوع السماع (السماع لمشكلة ما) الإشراقة (الإضاءة) التحقق وهي مرحلة أضافها بيونكير وهذه المراحل تكون سابقة عن الاستبصار الإبداعي وقد أكد تورانس Tourance أن الإبداع في المدارس عن طريق الاختبارات وطرح المشكلات من أجل الحلول، وهذا ما أكده العالم Osboum في طرحه “العنف الذهبي Buranstorning الذي يعني استعمال الدماغ للعصف في مشكلة وهناك ثلاثة عناصر: – إيجاد الحقيقة – إيجاد الفكرة – إيجاد الحل – إيجاد تأجيل الأحكام وعلم النفس الترابطي (أن أفكار الفرد وارتباطاته تبنى هرميا التي تكون أكثر ………….. واستعمالا وأكثر قبولا. وفي إمكان حدوث تغيير وهو ما حدده في كتابه حمان الخربيطي، ومن خلال أن الإنسان عنده كائنا سبطا، وإنما هو كائن خاضع دائما للتطور والتبدل، متسائلا عن سبب وقوع الإنسان في اللغة، ذلك أنه عندما ندعوه بهذا الاسم يبقى غامضا، لأن نمط التفكير أو النمط العقلي المتعلق بالمناهج التأويلية، فالعقل يحتوي الوظائف النفسية المتعلقة بالشعور والذاكرة والحلم، والاستدلال فالتأويل هو إدراك باطني، حيث تطور مع شلاير ماخر، وديلناي، وهيدجر وغدامير، وريكور، وغيرهم، فالتأويل عند أفلاطون “أيون” الذي ينتهي بنقد للمؤول عبر صورة يبدو فيها ككائن متغير الشكل، وهو قادر على جمع هذه التحولات البنيوية … وأن التأويل هو المبحث الثاني من الأرغاتون حيث أنه شيئا مرتبطا بشيء آخر، أو العكس (الإثبات والنفي، وهذه الثنائية لا تعدو أن تكون منطقا للقضايا، الوجودية. هكذا فإن المهمة تبقى معلقة فيما يخص بتأسيس نظرية تأويلية حيث تقدم المعاني تتجاوز التضارب المبني بين الدلالات. ورغم التطور الأفلاطوني، والأرسط، فالتاريخ هو أحداث، ذاكرة – إنسان وقد عمل عبد الله العروي في كتابه “مفهوم التاريخ” ص 34 أنه يحمل بعدين بعد عام، هو مجموع الأحوال التي عرفها الكون، ومرت عليه حتى اللحظة الأخيرة والتاريخ المحفوظ، وهو محمل ما يعرفه المؤرخ، والمؤرخ هنا هو الممثل النظري للحركة كلها، فالتاريخ حسب هذا المؤلف “حمار الخربيطي” هو تاريخ البشر وبالبشر وللبشر، لأن الفلوس حسب المؤلف حاول أن يخاطب الفكر من خلال الماضي لاتصاله بالذاكرة والسرد، ونرى أن معنى التاريخ عنده هو ما معنى الكائن، وما معنى الماضي والتاريخ كما يطرح ريكور في كتابه “De texte à l'actions”، فالسؤال في ماهيته فلسفي غير قابل للتجربة المخبرية يجيبنا المؤلف – حميد الرضواني – عن هذه التساؤلات من خلال قصائد الملحون ومن واقعية المسرح، إنه ارتباط بالكائن الحي الذي هو موضوع التاريخ وقبلة التأريخ من هنا يمكننا تحديد هذه الأحداث على الشكل التالي: 1) الحدث لتقررمها يجعله محاورا للفكر، وليس الشعور 2) غيرية الحدث كنموذج للماضي وتركيبة ذهنية لا محدودة القصيد لا يخرج عن كونه بنية مفتوحة قابلة للتأرخة. وفي ضوء ما تقدم نرى أن التأريخ اقتصر على الماضي في الحاضر، إذن فهو مرادف للمستقبل، حيث يعمل حميد الرضواني إلى إحياء القصيد في المسرح، وهذا ما يقربنا إلى تصنيف بيكون، إذ يرى أن التاريخ هو علم الذاكرة، والشعر علم المخيلة، لأن التاريخ هو تجميع العلوم، والشعر هو تنظيم لها، والمؤلف يتدرج تحت هذين البعدين لأنه موضوع التاريخ وموضوع الشعر الوهمي كما يتعارض مع الفلسفة لأن موضوعه الجزئي وموضوعه الكلي آلته الخيال جميل صليبا “المعجم الفلسفي” ص 228. وعبد المنعم الحفيني “المعجم الشامل “ص 176 إن فكرة التأرجة جعلت المؤلف يمسرح كل المعارف الإنسانية بصياغة سردية تطمح إلى إعادة تشكيل عالم الإنسان المهمش المغاير، هنا تتوطد العلاقة بين القصيد، والمسرح بمقومات سردية ومفهومية تضفى على العرض المسرحي سمات فنية وجمالية ويقول يول ريكور إن التاريخ الذي هو نوع من أنواع السرود سرد واقعي، مقارنة مع سرود أسطورية تخيلية يحيل على أفعال الناس في الماضي، تقول خنات بلخن السرد التاريخي عند بول ريكور ص 53 فحميد الرضواني عمل على إعادة قراءة الذاكرة من تلاقي بين التاريخ والسرد، مما أدى إلى تأسيس التوازن بين التراث والذات ومع تطابق اللغة مع الوجود في الزمن كما يقول هيدغر نفس المرجع ص 57. فكتابة التاريخ هي مسألة تأويل، الخطاب بواسطة الكتابة أو بواسطة الملحون الذي ينتشر بواسطة الكتابة، فهي التي تثبت العالم عبر الرمز، لأن الانتقال من القوة إلى الفعل، هو انتقال يتم بواسطة القارئ، فالعالم المتخيل كتاب كبير، يدخل في نظام التأويل، فالنص المعالج هو الذي يحدث تغييرا في العالم كما يقول بول ريكور، مع طرح الأسئلة من أكون ببيات، وما أنا قادر على فعله؟ غن هذا الطرح هو ارتباط بين القول والممارسة، وإظهار هذه الذات التي ألغيت من البنيوية، والظاهراتية، وأظهر لنا الكلية في شكل بنيات رمزية ولغوية مفتوحة، لأن التأويل هو إحضار الذات كعلامات وعلاقات غير نرجسية ديكارتية، وهو سرلية، والكتاب هو تذويق جديد للقصيد المهمشي، والمقصى لكي يأخذ جذريته الملغاة من طرف الأب “الكلاسيكي” لأن ظهوره كان محتكما، وخاضعا، ومطيعا لهذه السلطة، الشيء الذي جعل المؤلف يؤسلب كل هذه الأنماط السردية في شكل أنوية تمثيلية فرجوية. إن إعادة البعث في الملحون هو دعوة إلى تأريخ للذاكرة، وتوليد أكان جديدة لتكون ثورة ضد النهائية والثابت، وزرع الاختلاف في الكيانات النمطية، ويبقى هذا التصور الركحي أرضية خصبة قابلة للحوار، وللتأويل، حوار بين المهمش، والنخبوي، وبين المنسي، والمؤسلب، ثنائية ضدية تجعلنا نستقري – أشعار الفلوس وغيره، ليضعنا أمام السلطة التي تحارب كل ما هو جديد سواء كان قائدا وشيخا، أو عاملا، لأن الشاعر في هذا التعبير الرمزي أراد أن يحاكم كل مسؤول بشعر يأخذ نقده من محيطه، حيث أصبح “حمان الخربيطي” يحمل فلسفة تأملية في هذا العالم بكل مداركه، جاعلا إياه كمبدأ للمحاكاة النقدية يحرى بها النخبة الطفيلية التي تسيج المتخيل، والحرية، إن هذا التصور الركحي هو ثورة حقيقية في نظرية الدراما، فهي تتميز عن كل المحاولات التجريبية الأخرى، حيث يتكامل فيها الفكري والفني، بنظرة إنسانية للواقع والتاريخ، وتتأطر هذه الرؤية عند المؤلف ببعد إيديولوجي كوظيفية ايروتيكية تلغي الذات العابرة بواسطة الذات العاشقة، والمحبة، حيث يتحقق التواصل بين المضمون الركحي، والهامش الفني، الشيء الذي جعل هذا الكتاب دعوة إلى الفعل والتغيير. فالجسد حسب المؤلف هو الذاكر، والاكتساب والاستعادة، والإيجازة، والانهماك، والانفصال، والتأمل في الوجود، فهو الذي يطرح المشكلة بواسطة اللغة، والعقل، والشعور كما يقول شتابن لأن تحديد مشكلة الجسد هو عبارة عن إشكالية مركزية تعتمد الانفصال والتأجيل، وهو عبارة أيضا عن أنموذج الدفع كما يقول ستيرنبرك فالجسد هو لغة ثانية، ………… للنهائي إنها دعوة لهذا القول المنظوم الذي يؤرخ الذات المعطوية في سلك التاريخ المغربي.