الأميرة للا حسناء والشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني تترأسان بمراكش حفل العشاء ل "فاشن تراست أرابيا"    طنجة المتوسط.. إحباط محاولة تهريب 209 ألف قرص مهلوس من نوع إكستازي    ندوة علمية تقارب "الفلسفة الوسيطية"    مغاربة الإمارات يحتفون ب"أبطال القراءة"    الانتقاء الأولي لمشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر تغطي جهات كلميم والعيون والداخلة    باريس: المغرب يدعو إلى احترام سيادة لبنان ووقف كامل لإطلاق النار    طقس الجمعة.. تساقطات مطرية مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    نقابي لناظور سيتي: نرفض إصدار قانون الإضراب وإصلاح التقاعد تنفيذا لإملاءات دوائر عالمية    وسط تكتّم شديد...هذه تفاصيل ذ.ب.ح سائحة سويسرية أمام أطفالها في الجزائر    جوائز (الكاف 2024) .. سبع ترشيحات مغربية ضمن القوائم الأولية للمرشحين (فئة الرجال)    بلاغ باير ليفركوزن يخص اصابة أمين عدلي    في مباراة تألق فيها المغاربة.. فنربخشه يفرض التعادل على مانشستر يونايتد    تيزنيت : هل يُعيد إبعاد الوزير الميراوي أمل الساكنة في الإفراج عن قرية المعرفة المجمدة منذ 3 سنوات ؟    الوظيفة العمومية: توقع إحالة أزيد من 65 ألف موظف مدني على التقاعد خلال الفترة 2024-2028    مجلس الحكومة يصادق على مشروعي مرسومين يتعلقان بمدونة الأدوية والصيدلة    اللحوم الحمراء.. بايتاس: التحكم في الأسعار يمر عبر الحفاظ على القطيع وتوفير العرض    الأمن يوضح بشأن "عنصرية ضد أجنبية"    السكوري يقدم معطيات التكوين المهني    اللاعب المغربي السابق برادة في ذمة الله    العثور على جثة شخص أربعيني داخل منزله في درب الهلالي بالجديدة    25 سنة سجنا نافذا لقاتل شقيقه نواحي اقليم الحسيمة    المغرب يدعو إلى احترام سيادة لبنان ووحدته الترابية    "لارام" ترفع أسعار تذاكر الخط الجوي بين الحسيمة وتطوان رغم دعم الدولة        منشورات الكراهية تجاه فينسيوس تورط أربعة متهمين رئيسيين    منتخب الشاطئية ينهزم أمام موريتانيا        الشيخة مهرة وفرنش مونتانا يلتقيان في دبي (صور)    تركيا تقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا ردا على هجوم أنقرة    بايتاس: التعديل الحكومي لن يؤثر على عمل البرلمان بعد تعيين خمس برلمانيين أعضاء في الحكومة    مجزرة جديدة.. 17 قتيلا في قصف إسرائيل مدرسة تأوي نازحين بغزة        الجولة السابعة من الدوري الاحترافي : نهضة بركان يرتقي إلى الصدارة والوداد يعود لإهدار النقط    إعادة انتخاب المغرب عن جدارة ضمن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بجنيف    بايتاس يدافع عن تعيين برادة صاحب شركة "المصاصات" وزيراً للتعليم: "الكفاءة لا ترتبط دائماً بالتخصص"    لا أريد جوائز    شُجُون…    يوم السبت ... يوم عشتار السيء    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    عارضة أزياء تتهم ترامب بالاعتداء عليها جنسيا    المنتخب المغربي يرتقي في تصنيف "فيفا"    لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب تصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي        فرط صوديوم الدم .. الأعراض والأسباب    التغير المفاجئ للطقس بيئة خصبة لانتقال الفيروسات    المغرب يؤكد أمام مجلس السلم والأمن بأديس أبابا على العلاقة بين الجماعات الإرهابية والانفصاليين    تقرير: مؤشر أسعار الخدمات البنكية ينخفض بنسبة 1% عند نهاية 2023    ارتفاع أسعار الذهب وسط إقبال على الملاذ الآمن    إسرائيل تستهدف مخازن لحزب الله    سجن تركي يأذن بزيارة زعيم الأكراد    مصطفى الفن يكتب: هكذا تصبح وزيرا بوصفة سهلة جدا    استطلاع: المغاربة يعتبرون الصلاة متفوقة على التلقيح في الوقاية من "كوفيد"    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقدة الشتاء
نشر في طنجة الأدبية يوم 11 - 01 - 2013

غادرت الفندق الذي أقمت فيه. كان علي أن أذهب إلى تطوان. الساعة تزيد عن الثامنة صباحا بدقائق. اتجهت نحو المدينة القديمة لتناول الفطور. كان الفصل شتاء. أتخيل قمم جبالها تتسربل بمئزر يشبه مئزر الموتى في البياض. وابل المطر شكل سيولا تغسل أوزار أزقتها، تمحو كل ما أفسده الدهر فتصيرها شابة فاتنة. الضباب يمتطي رقاب المارة، ويجوب الشوارع والأزقة كواحد من عشاقها. مياه المطر بللت جدران الدور فزاد لمعان وبريق لونها الأزرق، فصارت كعيني شقراء ساحرة.
في ركن الزقاق الذي كنت أسير فيه –وسط المدينة العتيقة- يوجد مقهى قديم، قد يكون بني في عهد السيدة الحرة أو بعدها، لبنات آجر تبدو من بعض جوانبه، جدرانه الخارجية والداخلية مطلاة بالأبيض والأزرق الفاتح ، نوافذه خشبية صغيرة الحجم، بابه حديدي مطلى بالأزرق، في وسطه وردة مصبوغة بالأسود، كراس بلاستيكية وأخرى خشبية متناثرة هنا وهناك، طاولات يرى عليها أثر القدم، أرضيته اسمنتية تغزوها الحفر.
دخلت على حين غفلة، كهول لا يتجاوز عددهم عدد الأيام التي كتب فيها طه حسين "الأيام"، يجلسون في ركن مجتمعين حول طاولة واحدة. اقتربت من طاولة شاغرة، جلست على كرسي خشبي أتلف بعض جوانبه. ثلاثة من الرجال يدخنون الكيف، أحدهم يدخن لفافة حشيش، والاثنان الباقيان يمسكان صعوطا بكفيهما، وينشقان منه أحيانا.
انتظرت النادل قليلا فلم يأت. هكذا اعتدنا؛ كلما جلسنا في مقهى، يأتي النادل، ينظف الطاولة ويبتسم أحيانا. اقتربت من أحدهم (فزع مني وأوجس خيفة)، همست في أذنه:
-أستميحك سيدي.. أين النادل؟
انشرح صدره ودبت الحياة في بدنه ثانية وقال:
- لا يوجد نادل، إن أردت شيئا، أطلبه من "خاي" محمد (مشيرا بسبابته إلى رجل كهل، عمره ينيف عن الخمسين، طويل القامة، أصلع الرأس، حليق الذقن، ذو شاربين طويلين يمتزج فيهما البياض بالسواد).
شكرته وقصدت الرجل:
- "نيسكافي" من فضلك..
- ليس لدينا "نيسكافي"
- اجعلها قهوة بالحليب..
رد مبتسما:
- للفطور.. لدينا شاي فقط.
- فليكن شايا إذن..
أشرت له إلى مكان جلوسي، وغادرت المقهى. جلت في أزقة المدينة العتيقة بحثا عن أكل أتخذه فطورا. أغلب الدكاكين مغلقة. أوغلت في الدروب الضيقة، نسيت أمر الفطور، صرت أتأمل رونق المدينة وبهاءها. بناء قرطبي الشكل يسافر بالمرء إلى بلاد الأندلس أيام عبد الرحمن الداخل ومحمد بن أبي عامر.خلتني أحلق على سماء قرطبة واشبيلية وشاطبة، تخيلت وقوفا وبكاء على أطلالها.
دخلت دكانا صغيرا؛ حجمه حجم خم أو يزيد بقليل. ألقيت التحية على صاحبه. أدرت عيناي في كل الجوانب، لم أجد أثرا لشيء يمكنني أن أتخذه فطورا.
- يريد شيئا سيدي..؟
- أجل.. شيئا للفطور..
- مثل ماذا..؟
- أي شيء..
- أعد لك نصف خبزة بالجبن؟
- طيب..
أخذت الشطيرة، دفعت له ثلاثة دراهم، تشاكرنا وانصرفت. عدت أدراجي، دخلت المقهى ثانية. أوقفني القهوجي وسأل:
- الشاي بالنعناع..؟
- لا.. لا.. أريده بدون نعناع.
لم يستفسر عن تأخري، ربما لم ينتبه لذلك. جلست إلى الطاولة. أنزلت نصف الخبزة، انتظرت برهة. لم يأتني بالشاي، بل أشار إلي لآخذه. قمت من مكاني وجلبته. أتناول فطوري شاردا مسحورا بجمال شفشاون أو "أشاون" كما يسميها أهلها، وكما هو اسمها الأصلي. أحببتها وأحببت أن أسكنها لأنها سكنتني. ربما لم تكن بذاك الجمال الذي تصورته، لكنها فاتنة ساحرة لعوب.
خرجت من المقهى. قصدت محطة سيارات الأجرة. استقلت إحداهن وغادرت فاتنتي. أحببت أن أعود إليها زائرا أو قاطنا. وما وددت أن يكلمني عنها أحد كي لا يوقظ تلك النزوة التي تغفو بين الفينة والأخرى. وتمنيت أن لا يحل الشتاء مرة أخرى؛ حلوله وهطول المطر يؤرقني، يضجرني، يذكرني بقاتلتي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.