أكد منظمو الدورة الثانية والعشرين لمهرجان كناوة وموسيقى العالم، التي جرت في الفترة الممتدة من 20 إلى 23 يونيو الجاري، أن هذه الدورة كرست النجاح المتوقع، بفضل برمجتها التي تضمنت باقة من الحفلات وتمازجا منسجما لموسيقى العالم ونقاشات جريئة ومثمرة. ونوه المنظمون في بلاغ، بالجمهور الذي كان وفيا للموعد، خاصة الشباب الذين توافدوا من بعيد للاحتفال بالموسيقى، مشيرين إلى أنه على مدى أيام المهرجان، سافر 32 من أمهر "المعلمين" الذين أتوا من كافة أنحاء المملكة، وكذا من بروكلين، من قبيل المعلم حسن حكمون، بالجمهور بين "أفضل تمازج موسيقي متناغم وبين أكثر تقاليد تكناويت أصالة". وأكدوا أن آلاف عشاق فن كناوة التئموا لأربعة أيام في أجواء بهيجة للاحتفال بالموسيقى، ولتتبع النقاشات خلال منتدى حقوق الإنسان المنعقد خلال المهرجان، مشيرين إلى أن مدينة الصويرة عاشت إيقاعا مشوقا منذ افتتاح المهرجان. وحسب المنظمين، انطلقت الاحتفالات من ساحة مولاي الحسن، بصهر جميل لموسيقى المعلم حسن بوسو والمجموعة الكوبية "أوسين ديل مونتي"، اللذين قدما حفلا منسجما، أبرزا من خلاله الجذور الإفريقية التي بدت واضحة المعالم، حيث استطاعت موسيقى "يوروبا" و"كناوة"، اللتين كانتا تشكلان قديما نمطين موسيقيين غير مرموقين، الانصهار بشكل باهر وخلق انسجام وتناغم حمل الجمهور في رحلة على إيقاعات أمتعت الجميع. وخلال نفس الأمسية، برع المعلم عمر حياة، تلميذ المعلم محمود غينيا، في مزج ممتع مع أيقونة موسيقى "الأفرو بوب"، مو كوياطي، كما قدم المعلم عبد الكبير مرشان وابنه المعلم هشام مرشان حفلا متفردا يشهد على المستقبل الزاهر لفن "تكناويت". وقدمت مجموعة تيناريوين حفلا يحمل كل معاني الإنسانية، تلاه صهر كناوي مع المعلم مصطفى باقبو، عد بحق من أحسن الحفلات على امتداد الدورات جلها. كما صرح مغنيها عبد الله آغ الحسيني، عازف القيثارة، خلال مداخلته بمنتدى حقوق الإنسان، أنه قدم أحسن الحفلات خلال مساره قائلا " لم أر على صعيد القارة الإفريقية أحسن من الجمهور المغربي، هي أول مرة أشعر فيها بهذا الأمر، جمهور الصويرة رائع". بدوره قدم حميد القصري عرضا آسرا حظي بتجاوب كبير من قبل الجمهور، قبل أن يتقاسم الخشبة مع فنانتين عالميتين، ويتعلق الأمر بالهندية سوشيلا رامان التي برعت في الأداء، والفنانة هندي زهرة التي أبهرت الجمهور الصويري بعدما رافقها كل من كريم زياد وغاني خريجة. ووفق المنظمين، كانت ساحة منصة مولاي الحسن شاهدة على حفل بهي لمجموعة "ثورد وورلد"، مجموعة الريكي الجامايكية التي خلدت بالصويرة ذكراها الخامسة والأربعين. كما أتحفت نبيلة معان، كروان الموسيقى الأندلسية المعاصرة، الجمهور، في "ديو" مع "أيقونة" رقص الفلامنكو، ماريا ديل مار مورينو. وفي نفس الأجواء، يضيف المنظمون، لم تحد حفلات الشاطئ عن المألوف، حيث نشطتها فرق الخلف والمستقبل، التي تتشكل من معلمين ومجموعات متعددة، على شاكلة بالوجي، التي وسمت تعددية الموسيقى المغربية الإفريقية، كما أحيت مجموعة بيتوانتنا حفلا لنزلاء المؤسسة السجنية بمدينة الصويرة، بدعوة من منظمي المهرجان. وعلى صعيد منفصل، احتضنت "رياضات" الصويرة حفلات استحسنها الجمهور، أدتها ببراعة فرق كناوة وعيساوة وحمادشة، بالإضافة إلى مزج أخاذ كانت دار الصويري مسرحا له، ولقاءات موسيقية بدار اللوبان والزاوية العيساوية. وعلى امتداد يومين، شارك مفكرون وفنانون ومناضلون حقوقيون في لقاءات تناولت تيمة "قوة الثقافة في مواجهة ثقافة العنف"، والتي شكلت شعار الدورة الثامنة لمنتدى الصويرة لحقوق الإنسان، والتي مكنت -وفق المنظمين- الجمهور من التفاعل مع قامات هامة من قبيل لور آدلر، وإدوي بلينيل، وجيل مونصورون، وعبد الكريم الجويطي، ومونى ندياي، بالإضافة إلى ماحي بينيبين، والذين تمحورت مداخلاتهم حول دور الفاعل الثقافي ومكانة الثقافة في مواجهة مختلف ضروب العنف. وفي كلمة بمناسبة افتتاح المنتدى، قالت منتجة المهرجان، نائلة التازي، إن "الثقافة ليست مجرد شعار، بل دعوة لتعبئة مواطنة، دعوة للوعي بضرورة حضارة إنسانية تنشد التقدم والعدل"، لافتة إلى أن المهرجان الذي أطفأ شمعته الثانية والعشرين، يصبو إلى "التميز من خلال جعل الثقافة صلب مقاربتنا، لكن ليست تلك التي تقصي أو تبعد، أو تلك التي تقود نحو مسلسل يمنح البعض الحق في اعتبار ثقافتهم، وحدها، مشروعة وحريا أن يعترف بها". من جهتها، أكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، أن حماية حقوق الإنسان، تعد "ورشا غير متكامل بالعالم، بالنظر لجسامة العمل الذي يتعين القيام به يوميا"، على غرار ما يقوم به الروائي والفنان التشكيلي، ماحي بينبين، الذي اقتسم تجربته من خلال مركز نجوم سيدي مومن، والتي تروم مساعدة شباب الأحياء الهامشية، وتحصينهم ضد الفكر الأصولي، عن طريق الثقافة. كما كان جمهور المنتدى على موعد مع الصحفي الفرنسي إدوي بلينيل الذي قدم مداخلة اعتبر فيها أن الثقافة قاصرة عن تنحية الهمجية متى كانت "وليدة المهانة والإذلال، ونتيجة فكرة أن أناسا سيتملكون الثقافة من خلال التحكم في آخرين". واعتبر الصحفي مهرجان كناوة وموسيقى العالم، ومنتداه "فضاء للقاء، وشاهدا على مقولات متفردة، واستفزازات جمة، بأفضل ما تحمله الكلمة من معنى". وأعلن المنظمون أن الدورة الثالثة والعشرين من مهرجان كناوة وموسيقى العالم ستنعقد خلال الفترة الممتدة من 25 إلى 28 يونيو 2020.