الحلقة السابعة : قلب بروكسيل النابض في يومنا الأول ببروكسيل كان لزاماً علينا إتباع قاعدة أهل الدَّار و نهج خطّتهم في إكتشاف بروكسيل، ركبنا الترام رقم 25 من أحد أحياء مقاطعة Schaerbeek مقر المغاربة ببروكسيل و اتجهنا نحو قلب المدينة لنتوقف بمحطة Rougier هناك حيث تتمركز أكبر المراكز التجارية لمعظم الماركات العالمية، أخذنا جولة بين تلك المحلاّت علّنا نعثر على صيد ثمين بسعر رخيص، و هذا هو هدف أغلب السيّاح المغاربة الذين يزورون أوروبا.. على أرصفة بروكسيل قادتنا رائحة الحلويات و الشوكولا نحو الساحة الكبرى La grande place أشهر و أهم ساحة ببروكسيل و يكفيني في وصفها أنها ضُمَّت لقائمة « التراث العالمي » سنة 1998 مما يجسّد جمال هندستها و وزن تاريخها، دخلنا من إحدى مداخلها السبعة لنجد أنفسنا أمام الوجهة السياحة الأولى بالمدينة و التي سلبت عقول الفنانين و الشعراء و الرسامين و تنافسوا في نثر كلماتهم الجميلة على خصرها الرشيق أو تدليلها بريشاتهم الناعمة، بصدر الساحة توجد بناية برج البلدية التي صُمّمت لتكون أجمل تحفة معمارية في العالم من طرف العبقري يان فان رايزبروك، لكنه إنتحر بمجرّد الإنتهاء من بناءها بعد إكتشاف بعض العيوب في تصميمها فتسلّق أعلى البرج و ألقى بنفسه من هناك. يحيط بالساحة مجموعة من البنايات التاريخية الأخرى ككنيسة القديس ميخائيل و منزل الملك Maison du roi، حيث كان الخبازون يعقدون إجتماعاتهم خلال القرن الثالث عشر، ثم مبنى الإوزة Le cygne هناك حيث كُتب « البيان الشيوعي » من طرف كارل ماركس و فريديريك أنجلز و حيث أُسِّس حزب العمّال البلجيكي، حتى فيكتور هوغو الكاتب المسرحي و الروائي الفرنسي العالمي مرّ من هنا أو بالأحرى عاش هنا ببناية « الحمامة » le pigeon حيث تمّ نفيه بعد سقوط الجمهورية الثانية نتيجة إنقلاب عسكري. كل هذا التاريخ و الجمال تحتفل به بروكسيل بمهرجان سجادة الورود كل سنتين، و هو إحتفال تُطلق خلاله سجادة ورود تغطّي الساحة الكبرى بما يزيد عن 600 ألف وردة في منظر يبعث نفساً جديداً للحياة في بروكسيل، و تُخصّص كل نسخة منه لموضوع معيّن يتم الإحتفال به. غير بعيد عن الساحة الكبرى يوجد تمثال المانكين بيس Mannequin Pis الطفل البرونزي، الذي صُوِّر عارياً و هو يتبوّل تجسيداً للطفل « جولينانسكي ». و تقول الأسطورة أنه كان يقوم بالتجسس أثناء حصار بروكسيل في القرن الرابع عشر و كانت لدى المهاجمين خطة تقضي بوضع عبوات ناسفة على جدران المدينة لتهديمها وشاءت الصدف أن يتبوّل الصغير على الفتيل المشتعل للعبوات الناسفة لينقد المدينة من الهلاك، و يحفر إسمه بحروف من ذهب في تاريخ المدينة. بالليل ضربنا موعداً بحلبة سباق السيارات الميكانيكية « الكارتينغ »، كنّا تسع مشاركين كلّهم أصدقاء، كنت أخوض هاته التجربة لأول مرّة و لم أستطع مجاراة سرعتهم الجنونية، أنا رجل جبان أهاب الموت في مواقف كهاته، فعظمة الموت تستحق ميداناً أعظم شأناً من سباق سيّارات أو مغامرة متهوّرة، بل تستحق حروباً ضروساً أو حياة كفاح تواجه خلالها الموت ألف مرّة، لكنها لم تكن حجّة لأتذيّل الترتيب و حُزت على الرتبة الخامسة.