يبدو أن السياسية بالمغرب شبيهة ببورصة الأسهم، إذ تترفع الأسهم السياسية لبعض الساسة وتنخفض بحسب تصريحاتهم وخرجاتهم وتصوراتهم بل وحتى مشاريعهم وصورهم. والمتأمل اليوم لبحر السياسية المغربية، ليقف أمام معطيات جديدة تهم « لخبطة » الواقع السياسي المغربي وتصفيته من الشعبوية الزائدة مع الدعم الشعبي والمؤسساتي للنخب الجدية التي استطاعت التألق في تدبير قطاعاتها الوزارية قبل أن تدخل عالم السياسية. ولعل وزراء حزب الحمامة وما تبعهم من تعليقات عقب تأسيس حكومة العثماني بتمكنهم من القطاعات الإستراتيجية كالاقتصاد والصناعة والشباب والفلاحة والاستثمار، جعل المغاربة يقفون أمام تيارات داخل الحكومة الواحدة، تيار تربى في المقاولة والاستثمار ويشتغل بروح التطور والنماء، وتيار ساهم بخرجات إعلامية وسند شعبي في الوصول للوزارة لكنه بقي حال مكانه في اضفاء المسؤولية وأقلمتها مع العمل الحكومي وترجمتها لمشاريع تستجيب لانتظارات الشعب المغرب. لكن، عنصر المفاجأة الجديد أن يخرج وزراء الحمامة بقيادة زعيمهم عزيز أخنوش في مؤتمرات جهوية مستهدفا أخطر وأقرب القطاعات في المغرب التعليم، والصحة والشغل، وإن كان قطاع التشغيل قريبا نوعا ما من فلسلفة الانتماء المقاولاتي لوزراء الحمامة، غير أن قطاعي التعليم والصحة يبقى بعيدان كل البعد عن التدبير الحكومي لهذا القطاع الذي تتولاه أحزاب أخرى، في الوقت الذي يرمي المشروع التنموي للحمامة إلى ملامسة القطاع من باب « المساهمة النقدية » أو » التدبير المفوض » لقطاعات صعبة ومحرجة بل ومكلفة سياسيا وانتخابيا. إن الإختيار التنموي لحزب الحمامة اليوم لقطاع الصحة والتعليم يعقبه تأسيس لبعض فروع الهيئات الاستشارية للأساتذة التجمعين ما يعني عمق المقاربة التشاركية في التشخيص، بيد أن المبادرة في الاقلاع بقطاع التعليم يتجاوز رغبة حزب سياسي، بقدر ما هو « إرادة دولة » ما يطرح السؤال عن مدى استعداد الدولة « ملكا وحكومة » إلى النهوض بقطاع أساسي واستراتيجي في التنمية. إن الاختيار التنموي الجديد لحزب الاحرار، مجازف ومخاطر، إذ من الممكن أن يقابل بنوع من النقد الاجتماعي نظرا لصعوبة القطاعات المستهدفة، لكنه في الاخير يبقى ملامسة فعلية لواقع حقيقي يقف حجرة عثرة أمام مستقبل البلد.