أعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الإثنين، حالة الطوارئ بالبلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، بعد ساعات من تنفيذ اعتقالات طالت رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، ووزراء ومسؤولين وقيادات حزبية. ووصفت جهات في الحكومة المحلولة، وأحزاب وتجمعات الأحداث المتسارعة في البلاد، ب"الانقلاب العسكري" داعية إلى "العصيان المدني" والخروج بتظاهرات احتجاجية. واستجابة لذلك، خرجت حشود من السودانيين إلى شوارع العاصمة الخرطوم، وفق ما أظهرته مقاطع فيديو عبر البث المباشر، على صفحات تواصل نشطاء سودانيين. حل الحكومة و"السيادة" وفي خطاب متلفز، قال البرهان، إنه يعلن "حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي السيادة (الذي يترأسه) والوزراء (يترأسه حمدوك) وتجميد عمل لجنة التمكين، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات". وأضاف: "نؤكد الالتزام بالوثيقة الدستورية مع تعليق بعض موادها، والالتزام باتفاق جوبا للسلام (الموقع مع حركات مسلحة في أكتوبر/تشرين الأول 2020)". وأوضح البرهان، أنه سيتم تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تحكم البلاد حتى موعد إجراء الانتخابات في يوليو/تموز 2023، وقال: "سنواصل العمل من أجل تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات". وتابع أن "التحريض على الفوضى من قوى سياسية دفعنا للقيام بما يحفظ السودان، ما تمر به البلاد أصبح يشكل خطرا حقيقيا"، فيما اعتبر أن "الانقسامات شكلت إنذار خطر يهدد السودان". وأشار إلى أن "المرحلة الانتقالية ستتواصل وصولا إلى حكومة منتخبة، وأن القوات المسلحة ماضية قدما بالتحول الديمقراطي". وأوضح البرهان، أنه سيتم العمل على تشكيل برلمان من شباب الثورة بالسودان. اعتقالات وجاء خطاب قائد الجيش السوداني، بعد ساعات على تنفيذ الجيش سلسلة اعتقالات فجر الإثنين، طالت رئيس الحكومة ووزراء ومسؤولين في حكومته وقيادات حزبية. وقالت وزارة الثقافة والإعلام في الحكومة المحلولة، عبر حسابها على "فيسبوك"، إن "قوة من الجيش اعتقلت حمدوك ونقلته إلى مكان مجهول بعد رفضه تأييد الانقلاب"، دون مزيد من التفاصيل. من جانبها، أوضحت مصادر سودانية للأناضول، مفضلة عدم الكشف عن هويتها، أن سلسلة اعتقالات تمت فجر الإثنين، شملت وزراء ومسؤولين في الحكومة وقيادات بقوى "إعلان الحرية والتغيير"، وأحزاب "البعث العربي الاشتراكي" و"التجمع الاتحادي" و"المؤتمر السوداني". وذكرت قناة "الجزيرة" الفضائية، أن بين المعتقلين وزير الصناعة إبراهيم الشيخ، ووالي الخرطوم أيمن نمر، والمستشار الإعلامي لرئيس الوزراء فيصل محمد صالح، إضافة لمستشار رئيس الوزراء ياسر عرمان. كما قالت إن هناك أنباء غير مؤكدة، عن اعتقال محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة عن المكون المدني، وكذلك وزير الإعلام حمزة بلول، ووزير الاتصالات هاشم حسب الرسول، ورئيس حزب البعث العربي الاشتراكي علي الريح السنهوري. "الشراكة في خطر" من جانبها، قالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، في تصريحات متلفزة تابعها مراسل الأناضول، أن "أي انقلاب في البلاد مرفوض وسنقاومه بكافة الوسائل المدنية". وأضافت المهدي، أن "احتجاز رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في جهة غير معلومة أمر خطير جدًا وغير مقبول"، وأردفت: "لا أعتقد أن حمدوك سيقبل الإملاءات لإقالة حكومته". وذكرت أنه "لا توجد أي اتصالات بين وزراء الحكومة بسبب انقطاع وسائل التواصل المباشرة وإغلاق الجسور"، وأشارت إلى أن الإنترنت وجميع الاتصالات مقطوعة في البلاد. وحذرت المهدي من أن "الشراكة بين المدنيين والعسكريين أصبحت في محك خطير". وقالت المهدي، إن وزراء الحكومة غير المعتقلين سيجدون طريقة للتواصل وترتيب الأمور خلال الساعات القادمة، دون تفاصيل أكثر. انتشار أمني وقطع الاتصالات وميدانيا، أفادت مصادر سودانية للأناضول، أن الخرطوم تشهد انتشارا مكثفا لقوات الأمن والجيش. كما أفاد مراسل الأناضول، بانقطاع خدمة الإنترنت والكهرباء والهاتف في أجزاء واسعة من الخرطوم وبقية ولايات البلاد. احتجاجات وذكرت وسائل الإعلام، بينها صحيفة "الراكوبة" الخاصة، بأن قوات "الدعم السريع" التابعة للجيش، أطلقت الرصاص تجاه متظاهرين أمام مقر القيادة العامة للجيش؛ ما أدى لإصابة عدد منهم. وأشارت الصحيفة أن المتظاهرين تمكنوا من اقتحام الحواجز المحيطة بمقر القيادة العامة للجيش، دون تفاصيل أكثر. ولم يتسن بشكل فوري الحصول على تعقيب من قوات "الدعم السريع" بشأن تلك الأنباء في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت ببعض أنحاء السودان. من جانبه، قال "تجمع المهنيين السودانيين" (قائد الحراك الاحتجاجي)، في تغريدة عبر "تويتر"، إن "جماهير الشعب السوداني ترفض وتقاوم الانقلاب العسكري". وأضاف: "ثائرات وثوار بري وشرق النيل (تابعة لولاية الخرطوم) داخل محيط القيادة العامة عنوةً واقتدار". دعوات للعصيان المدني وجاءت التظاهرات بعد دعوات وجهتها هيئات وأحزاب سودانية، للمواطنين إلى العصيان المدني والخروج إلى الشوارع، رفضا لما وصفوه ب"الانقلاب العسكري". وقال "تجمع المهنيين" في بيان: "نناشد الجماهير للخروج إلى الشوارع واحتلالها وإغلاق كل الطرق بالمتاريس، والإضراب العام عن العمل وعدم التعاون مع الانقلابيين والعصيان المدني في مواجهتهم". فيما أكد "حزب الأمة" القومي في بيان: "رفضه التام لتقويض الفترة الانتقالية ولإجراءات التحول المدني الديمقراطي والانقلاب على الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية". وأضاف: "نناشد جماهير حزبنا والشرفاء من أبناء شعبنا استخدام كل الوسائل السلمية المشروعة للتمسك بخيارهم المدني والتصدي لأعمال الانقلاب العسكري وإجراءاته". وعبر حسابه في "تويتر"، قال "الحزب الشيوعي السوداني" في تصريح لمتحدثه فتحي فضل: "نداء لجماهير الشعب السوداني.. دعوة للإضراب السياسي والعصيان المدني". بدوره، قال "حزب المؤتمر السوداني" في بيان: "ندعو ونحثّ جماهير الشعب السوداني قاطبة وفي كافة ربوع السودان للخروج إلى الشوارع فورا". لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية)، أعلنت كذلك عبر صفحتها في "فيسبوك" الانسحاب من كل المستشفيات عدا الطوارئ، فضلا عن الانسحاب الكامل من كل المستشفيات العسكرية، احتجاجا على "الانقلاب العسكري". من جهتها، أعلنت "اللجنة التسييرية لاتحاد الطيارين السودانيين" عبر فيسبوك "الإضراب العام و العصيان المدني" ودعت جميع أعضائها من الطيارين والعاملين في حقل الطيران والمواطنين "للخروج إلى الشوارع وحماية ثورة الشعب السوداني ردا على الانقلاب العسكري". كذلك أعلن "تجمع المصرفيين" بالبلاد في بيان، عن "دخول كافة موظفي وعمال القطاع المصرفي ومنذ اليوم الإثنين في إضراب سياسي وعصيان مدني مفتوح، وذلك حتى عودة الروح لوطننا روح الحرية والديمقراطية والمدنية الآتية قريبا بلا ريب". من جهته، قال "حزب البعث السوداني" في بيان: "ندين الانقلاب من أي مصدر كان، وندين كل التطورات التي حدثت بشكل قوي"، وأضاف: "نناشد عضويتنا والشعب السوداني لمقاومة الانقلاب". بينما أفاد "حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل" في بيان: "سنقاوم هذا الانقلاب بكل ما أوتينا من قوة مع جماهير الشعب السوداني العظيم وسنهزمه". وفي بيان اطلعت عليه الأناضول، أدان "التجمع الاتحادي" ما اعتبره "الانقلاب العسكري، والاعتقالات التي تحدث لقيادات الحرية والتغيير والسلطة التنفيذية في البلاد". وتأتي هذه التطورات المتسارعة بعد ساعات من إعلان المبعوث الأمريكي الخاص إلى القرن الإفريقي جيفري فيلتمان، عن تفاؤله بوجود مخرج للأزمة الحالية في السودان، وذلك عقب لقائه حمدوك والبرهان، في الخرطوم. ومنذ أسابيع، تصاعد توتر بين المكونين العسكري والمدني بالسلطة الانتقالية؛ بسبب انتقادات وجهتها قيادات عسكرية للقوى السياسية على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر/أيلول الماضي. ويعيش السودان، منذ 21 أغسطس/آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام.