بكثير من الامتعاض والقلق تابع الرأي العام الوطني سواء عبر الإعلام الرسمي أو منصات التواصل الاجتماعي، ذلك التدفق الكبير لحوالي ثلاثة ألف من الشباب والأطفال القاصرين نحو مناطق الشمال، في استجابة عمياء لحملة رقمية مجهولة المصدر تحرض على الهجرة غير النظامية، محددة لها موعد يوم الأحد 15 شتنبر 2024 من أجل اقتحام السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي الفنيدقوسبتةالمحتلة، مما أدى إلى حالة قصوى من الاستنفار الأمني، بهدف معرفة الواقفين خلف تلك الدعوات المغرضة والحيلولة دون وصول المهاجرين المفترضين إلى مبتغاهم. وهي الأحداث المؤسفة التي بقدر ما استدعت تعبئة أمنية شاملة وكشفت عن كفاءة القوات العمومية المغربية التي تمكنت من تطويق الأزمة الخطيرة والتصدي لتلك الجحافل من الشباب والأطفال القاصرين بكثير من الحنكة والاحترافية، فإنها أثارت ردود فعل متباينة، حيث هناك خبراء مغاربة سارعوا إلى التحذير، مما بات يتعرض إليه شبابنا وأطفالنا عبر الشبكات الاجتماعية من تضليل وإغراء بحياة أفضل، منددين بتلك الدعوات المشبوهة التي تدفع بأبنائنا إلى المخاطرة بأرواحهم نحو المجهول. وهناك كذلك عديد المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن العام ببلادنا، من رأوا أن هذه الأزمة الخطيرة تطرح الكثير من التساؤلات حول مدى نجاعة السياسات الحكومية الموجهة للشباب المغربي، ولاسيما أن المندوبية السامية للتخطيط طالما نبهت في أكثر من تقرير إلى استفحال البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئات عريضة من المجتمع وكشفت عن أرقام صادمة لضحايا الهدر المدرسي والبطالة، الذين يظهر أن الهجرة أصبحت هي الملاذ الوحيد أمام معظمهم في ظل انسداد الآفاق في بلادهم، بحثا لهم عن ظروف عيش أفضل في الضفة الأخرى بأوروبا. ووفق مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، دعت فرق برلمانية من المعارضة التعجيل بعقد اجتماع طارئ ومشترك، يضم لجنة الداخلية ولجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، بحضور وزيري الداخلية والعدل عبد الوافي لفتيت وعبد اللطيف وهبي، قصد تدارس هذه الأحداث المؤلمة وأزمة الهجرة غير النظامية، وإطلاع الرأي العام على حقيقة ما جرى ومدى صحة المعلومات ومقاطع الفيديوهات المتداولة على نطاق واسع، لأن مثل هذه الوقائع تسائل الحكومة بشكل غير مباشر حول السياسات العمومية الموجهة للشباب. إذ هناك من النواب البرلمانيين من وجه سؤالا كتابيا للوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، يسائله عن أسباب التزام الحكومة الصمت حيال هذه الأزمة التي عرت الواقع المر لقاعدة واسعة من الشباب، الذين ترسخت في أذهانهم القناعة بأنهم ليسوا سوى فئة من المهمشين، لدرجة أصبح حلمهم الكبير هو الهروب الجماعي من "الجحيم" نحو الفردوس المفقود مهما كلفهم ذلك من ثمن باهظ. وكما هي عادة الإعلام الجزائري الرسمي أبى إلا أن يستغل أحداث الفنيدق في اتجاه الإساءة إلى المغرب ومحاولة تشويه صورته أمام العالم، مستعملا كل أساليب الغدر والمكر لتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام، وهو الذي دأب مسنودا من الذباب الإلكتروني على نشر الأكاذيب وترويج الشائعات المغرضة بإيعاز من المخابرات العسكرية الجزائرية، إلى الحد الذي لجأ فيه إلى نشر صور بعيدة عن الحقيقة، ولا تمت بأي صلة لا للحدود المغربية ولا إلى مدينة سبتةالمحتلة، حيث لم يلبث أن انكشف أمره عند إقدامه على توظيف مشاهد تعود للهجرة بين المكسيك وأمريكا مدعيا أنها أحداث تقع في شمال المغرب. فالنظام العسكري الجزائري الحاقد والفاسد يغيظه كثيرا ما بات يراكمه المغرب في السنوات الأخيرة من انتصارات على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والرياضية والدبلوماسية وغيرها كثير، لذلك وجد الفرصة مواتية لمهاجمته بواسطة الاستغلال الأخرق لتلك الأحداث التي شهدتها مدينة الفنيدق خلال يوم الأحد 15 شتنبر 2024، مستعينا بأبواقه الإعلامية الموجهة في بث سمومه وحقده، سعيا منه إلى محاولة تهريب النقاش العمومي الداخلي في الجزائر حول تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والاختلالات التي رافقت الانتخابات الرئاسية بالجزائر، وإلى تجييش الشباب المغربي وتحريضهم على الهجرة غير النظامية وممارسة العنف ضد القوات الأمنية. وإمعانا في تلويث سمعة المغرب إعلاميا على المستوى الدولي، لجأ إلى ترويج المغالطات والشائعات عبر نشر صور وفيديوهات مفبركة، بهدف بث الرعب في قلوب المغاربة الآمنين ومحاولة إشعال نيران الفتنة داخل المغرب، وفق مخططات إجرامية مدروسة ومحكمة، ترصد لها ميزانيات ضخمة من أموال الشعب الجزائري. إن الحرب الإعلامية القذرة التي تخوضها الجزائر ضد المغرب منذ سنوات لن تتوقف أبدا، وستظل تركب على أي حدث مهما بدا تافها من أجل استفزازه، لذلك بات لزاما على المغاربة تقوية اللحمة الداخلية، وعلى السلطات العمومية اتخاذ ما يلزم من احتياطات قصد التصدي لكل المؤامرات الوضيعة والخطط الجهنمية للإعلام الجزائري البئيس، وفضحه أمام المنظمات الحقوقية والإعلام الدولي... وعلى الحكومة الخروج عن صمتها وإعادة النظر في سياساتها العمومية وبالأخص تلك المتعلقة بالشباب، والانكباب الجاد والمسؤول على دراسة الدوافع التي أدت إلى عودة خيار الهجرة غير الشرعية بهذا الشكل الرهيب، وبحث السبل الكفيلة بتجاوز مختلف الظواهر الاجتماعية السلبية، حرصا منها على عدم إتاحة الفرصة لأبواق عساكر الجزائر، وتفادي مثل أحداث منطقة الفنيدق في المستقبل، ولاسيما أنها أساءت كثيرا لوجه المغرب المشرق بنموذجه التنموي الجديد ورهاناته الاستراتيجية المنبثقة عن الرؤية الثاقبة والحكيمة لملك البلاد محمد السادس. اسماعيل الحلوتي