يتابع الرأي العام الوطني والمحلي جلسات محاكمة وجوه بارزة في عالم السياسة في المغرب التي استأنفت يوم الخميس 5 شتنبر 2024. حيث يتعلق الأمر بجلسة تخص الوزير السابق المكلف بالوظيفة العمومية محمد مبديع إلى جانب مهندسين وموظفين ومقاولين متهمين في قضايا ترتبط بتبديد المال العمومي والتزوير. وملف ما أصبح يعرف "باسكوبار الصحراء" الذي تورط فيه بعض القيادات الجهوية السابقة في حزب الاصالة والمعاصرة (عبد النبي بعيوي رئيس جهة الشرق وسعيد الناصري رئيس مقاطعة سيدي بليوط ورئيس نادي الوداد البيضاوي سابقا ) المنتميان إلى أحد الأحزاب الثلاثة المشكلة لحكومة عزيز أخنوش. كما سبق أن أصدر الملك محمد السادس ،بمناسبة الاحتفال بالذكرى الفضية لعيد العرش ،عفوه عن 2476 شخصا، من بينهم صحافيون ومدونون مدانون في قضايا الحق العام كتوفيق بوعشرين، والصحفيين عمر الراضي وسليمان الريسوني، فضلا عن المدونين رضا الطاوجني ويوسف الحيرش.بالاضافة إلى معتقلين سلفيين مستفيدين من برنامج مصالحة. ليعقب ذلك إصدار عفو ملكي ،بمناسبة الذكرى 71 لثورة الملك والشعب ، عن 4831 شخصًا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي بمنطقة الريف . مما يثير التساؤل عن الخلفيات السياسية الثاوية وراء هذه الإجراءات وهل تندرج المحاكمات السالفة الذكر ضمن خطة سياسية تقوم على مأسسة طويلة المدى لتنقية المشهد السياسي وما إذا كان العفو الملكي عن المعتقلين والمتابعين يندرج ضمن عملية استكمال مصالحة الدولة مع معاريضها سواء من ساكنة منطقة الريف أو من المتشددين الأصوليين ؟؟ * مأسسة عملية التطهير السياسي لجأ الملك الحسن الثاني في نهاية فترة حكمه إلى مجموعة من الإجراءات السياسية كانت تروم بالأساس محاربة بعض مظاهر الفساد السياسي التي استشرت في دواليب الدولة الاقتصادية والإدارية و الأمنية . وبهذا الخصوص تفجرت قضية العميد الممتاز مصطفى ثابت التي شكلت أولى عمليات خلخلة بنيات الفساد والتسلط التي كانت تعشش داخل الجهاز الأمني لنظام الحكم آنذاك. وفي إطار سعي الملك الحسن الثاني لضمان سلس للخلافة على العرش ، والبحث عن صيغة سياسية لإدماج المعارضة الاتحادية في دواليب الحكومة ، تم تدشين حملة تطهير أشرف عليها وزير الداخلية السابق إدريس البصري في منتصف التسعينات من القرن الماضي شملت العديد من الإداريين ورجال الأعمال. حيث عكست نتائج هذه العملية استشراء الفساد ضمن كل القطاعات الحيوية للدولة ، وأثبتت أن هناك شبكة من العلاقات الإدارية والاقتصادية والسياسية التي حولت الممتلكات العامة إلى مجال للنهب والإثراء غير المشروع من خلال استغلال السلطة والنفوذ و اللجوء إلى الارتشاء . لكن هذه العملية لم تدم طويلا لكي يعقبها إطلاق سراح المتابعين بعد توقف هذه العملية بتدخل مباشر من طرف الملك الحسن الثاني. وبالتالي ، فبعد مرور عقدين عن رحيل هذا الأخير ، ووفاة وزير داخليته الأسبق الذي أشرف على حملة التطهير ، أثارت عملية اعتقال مجموعة من المسؤولين والبرلمانيين خاصة أولئك المتورطين في ما سمي بقضية "اسكوبار المالي" باهتمام الرأي العام و شبكات التواصل الاجتماعي. مما طرح تساؤلات عريضة حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية في القطع مع الفساد السياسي الذي أصبح ينخر مكونات الجسد المغربي أم أن هناك فقط رغبة سياسية في تنقية مؤقتة لنظام سياسي أصبح فيه الريع والرشوة واستغلال النفوذ أسلوبا في تدجين النخب السياسية ؟؟ * تقعيد آليات محاربة الفساد السياسي منذ تولي الملك محمد السادس ، ظهرت أولى بوادر استراتيجية ملكية في محاربة طبيعة التعامل السياسي بين السلطة ونخبها السياسية الذي ساد طيلة حكم الملك الحسن الثاني والذي كان يقوم على الريع السياسي كآلية من آليات تدجينه للنخب السياسية وضمان ولائها السياسي. فالرغبة في تجديد النخب السياسية كان يقتضي تنقية المشهد السياسي من ممارسات نخب تعودت على استغلال مناصبها سواء داخل دواليب الحكومة أو الإدارة أو تحت قبة البرلمان للإثراء غير المشروع ومراكمة الثروة. وقد ظهر ذلك جليا سواء من خلال الخطب الملكية التي أكدت على ضرورة تخليق الحياة السياسية أو من خلال إنشاء مؤسسات لرصد والحد من ظاهرة الفساد السياسي. ففي استراتيجيته لتخليق الحياة السياسية لم يكتف العاهل المغربي بالدعوة إلى ضرورة الإصلاح الإداري والقضائي ، بل عمل على تدعيم مجموعة من مؤسسات المراقبة أو إنشاء آليات جديدة لرصد ومحاربة مظاهر الرشوة واستغلال النفوذ. فبالاضافة إلى التنصيص على دسترة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات الذي اعتبر نقلة نوعية في إقرار الرقابة القضائية على التدبير المالي العمومي، أعلن الملك في خطابه بتاريخ 20 غشت 2008 عن إنشاء لجنة مركزية لمحاربة الرشوة. كما ظهرت مجموعة من الإشارات الملكية التي كانت تحث على الإسراع في عملية تخليق الحياة السياسية وتفعيل آليات محاربة الفساد السياسي من خلال التعيين الملكي في 22 مارس 2021 لكل من أحمد رحو رئيساً جديداً لمجلس المنافسة المعروف بتمرسه في المجال المصرفي والتدبير المالي ، والسيدة زينب العدوي، التي زاوجت بين تجربتي أسلاك القضاء وصرامة السلطة، رئيسة للمجلس الأعلى للحسابات. في حين شدد الملك محمد السادس، في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى 24 لعيد العرش، على ضرورة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بقوله: "إن الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص". *تفعيل آليات محاربة الفساد السياسي على الرغم من إطلاق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد منذ سنة 2015 فإنها بقيت عاجزة عن تحقيق الأهداف المتوخاة منها. إذ كشف التقييم الذي قامت به الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة أن هذه الاستراتيجية "يشوبها قصور يحول دون تمكنها من تحقيق الأثر المنتظر منها، وتغيير منحنى تطور الفساد بالمغرب". وقد تجلى ذلك في الضعف الملحوظ في عدد قضايا الفساد المعروضة على القضاء. لكن يبدو أن هذا الأمر بدأ يتغير بشكل ملفت في الثلاث سنوات الأخيرة وبالأخص في سنة 2023 . إذ تم تحريك متابعات قضائية أمام محاكم جرائم الأموال في حق عدد كبير من رؤساء الجماعات، من ضمنهم برلمانيون تم اعتقالهم من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بسبب خروقات أغلبها بقطاع التعمير، رصدتها تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، والمجالس الجهوية للحسابات. كما أحالت وزارة الداخلية ملفات مجموعة من رؤساء الجماعات على أنظار المجلس الأعلى للحسابات، بعدما رصدت المفتشية العامة للوزارة خروقات في تدبير الميزانية. لتنطلق بعد ذلك جلسات محاكمة رشيد الفايق النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس جماعة أولاد الطيب بفاس، بغرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بفاس، بتهم فساد لها علاقة بجرائم الأموال، رفقة 16 من المتهمين الآخرين، ضمنهم شقيقان له، أحدهما يشغل منصب رئيس مجلس عمالة فاس، بتهم تتعلق بتكوين "عصابة متخصصة في السطو على الأراضي السلالية، واختلاس أموال عمومية، والتزوير في محررات رسمية واستعمالها من طرف موظف عمومي، واستغلال النفوذ، والتزوير واستعماله في لوائح التعويضات على التنقلات". في حين عرفت سنة 2023، تورط عدد من البرلمانيين في ملفات فساد، منهم من تم اعتقاله ومنهم من تم تجريده من صفته البرلمانية. من هؤلاء البرلماني عبد القادر البوصيري من الاتحاد الاشتراكي، بعد اعتقاله بسبب اتهامات باختلالات مالية في جماعة فاس.وهناك أيضا محمد كريمن من الفريق الاستقلالي، باتهامه بسوء تسييره لجماعة بوزنيقة، والبرلماني ياسين الراضي من الاتحاد الدستوري المعتقل في ملف أخلاقي، بعدما تم عزله من رئاسة جماعة سيدي سليمان. وهناك البرلماني سعيد الزايدي من حزب التقدم والاشتراكية الذي قضى عقوبة في السجن بسبب قضية رشوة، وصدور قرار عزله من رئاسة جماعة الشراط. في حين تم تجريد محمد الحيداوي رئيس فريق أولمبيك آسفي، من عضويته بالبرلمان بعد تورطه في فضيحة بيع تذاكر المونديال، والنائب بابور الصغير من الاتحاد الدستوري، المعتقل في ملف نصب.لكن يبدو أن إحالة البرلمانيين سعيد الناصري رئيس نادي الوداد البيضاوي، وعبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق رفقة 20 شخصا متابعين في قضية تاجر المخدرات المالي المعروف ب"إسكوبار الصحراء" في حالة اعتقال، تنذر "بعملية أيادي بيضاء" ممنهجة على الطريقة المغربية ، حيث يرى بعض المتتبعين أن ما يجري بخصوص إحالات مسؤولين ومنتخبين محليين أو برلمانيين على القضاء، إنما هو مؤشر على أن هناك إرادة سياسية جديدة في التعامل مع ملفات الفساد السياسي الشيء الذي اعتبرته جمعيات حماية المال العام خطوة إيجابية في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. 2-استكمال عملية المصالحة السياسية سعى الملك محمد السادس منذ توليه العرش إلى تصفية الوضع الحقوقي من خلال معتقلي التشدد السياسي أو إجراء مصالحة مع ساكنة منطقة الريف *تصفية الوضع الحقوقي وبرنامج مصالحة عمد الملك محمد السادس منذ بداية عهده إلى تصفية التركة الحقوقية الثقيلة المتعلقة بملف الاعتقال السياسي، ومختطفي سنوات الجمر والرصاص. إذ واصل ما سبق أن بدأه سلفه كإنشاء مجلس استشاري لحقوق الانسان وتعويض ضحايا الاختفاء القسري .حيث كان ملف الاعتقال السياسي وضحايا سنوات الجمر والرصاص من بين أول الملفات الحقوقية التي فتحها الملك محمد السادس. حيث نُظمت جلسات استماع إلى الضحايا وذويهم، وتم جبر ضررهم بتعويضهم ماديا، وإغلاق المقرات السرية وعلى رأسها تزمامارت وأكدز وغيرها.وعلى الرغم من تداعيات أحداث الدارالبيضاء الإرهابية التي تم في سياقها اعتقال المئات من المتهمين بالانتماء للجماعات السلفية المتشددة وإصدار القانون الشهير المتعلق بالإرهاب، الذي أثار جدلاً واسعاً لدى منظمات حقوق الإنسان ، فقد تم إطلاق برنامج "مصالحة" في سنة 2017، مستهدفا "المتشددين الراغبين في مراجعة أفكارهم"، عبر ثلاث محاور تشمل المصالحة مع "الذات" و"النص الديني" و"المجتمع"، تحت إشراف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والرابطة المحمدية للعلماء. وبموجب هذا البرنامج ، استفاد وفق احصائيات المندوبية السامية للسجون "أزيد من 35 ألف سجين من تكوين ضد الخطاب المتشدد، وأن مجموعة من المستفيدين من هذا التكوين صاروا يقومون بالترويج لخطاب ديني "يرتكز على الاعتدال" و"التسامح" في أوساط باقي السجناء. وفي هذا السياق ، أصدر الملك محمد السادس، بمناسبة عيد الفطر لسنة 2024 عفوا شمل 18 شخصا مدانا بقضايا الإرهاب، في خطوة تأتي في إطار استراتيجية المملكة لمكافحة التطرف عبر برنامج "مصالحة"، لإعادة تأهيل وإدماج السجناء المدانين بقضايا التطرف. كما كان ممن شملهم عفو الملك بمناسبة عيد العرش الأخير 16 سجينا من المعتقلين في إطار قضايا الإرهاب والتطرف، ممن شاركوا في برنامج مصالحة داخل السجون، وبرهنوا عن مراجعات إيجابية تنبذ العنف والتطرف وتتخلى عن الخطاب المتشدد. *تكريس مصالحة الدولة مع ساكنة منطقة الريف تميزت علاقة الدولة بساكنة منطقة الريف بعيد الاستقلال بانعدام الثقة والجفاء الذي تحول في سنة 1958إلى عنف دموي تعرضت فيه ساكنة هذه المنطقة للقصف وإطلاق الرصاص تحت إشراف ولي العهد آنذاك مولاي الحسن وإدارة الجنرال أوفقير . مما خلف لدى الساكنة موقفا سلبيا اتجاه سلطة الدولة وأجهزتها خاصة بعدما بقيت تعاني من التهميش الاقتصادي والاجتماعي طيلة فترة حكم الملك الحسن الثاني . خاصة بعدما تولد لدى هذا الأخير حنق سياسي وشخصي اتجاه ساكنة هذه المنطقة بعدما ظهر أن جل متزعمي محاولة الانقلاب العسكري بالصخيرات كانوا ينحدرون من هذه المنطقة وعلى رأسهم الجنرال المذبوح والكولونيل محمد اعبابو الذي قام بمذبحة دموية بالقصر وكان يستهدف تصفية الملك . كما ساهمت أحداث الشمال في سنة 1984 في تكريس هذه العلاقة السلبية بين الملك الحسن الثاني و ساكنة هذه المنطقة تجسدت في توعده في خطابه الشهير في 22 يناير 1984 بأن "سكان الشمال يعرفون جيدا ولي العهد وليس في مصلحتهم بأن يعرفوا الحسن الثاني". ناعتا منتفضي هذه المنطقة في خطابه ذاك: ب"الأوباش في الناظور، والحسيمة، وتطوان، والقصر الكبير". وبالتالي ، فقد سعى الملك محمد السادس منذ تولي العرش ، إلى إجراء مصالحة مع ساكنة الريف سواء من خلال سياسة جبر الضرر الجماعي ، أو تقنين زراعة القنب الهندي ، أو العفو الملكي على معتقلي القنب الهندي * سياسة جبر الضرر الجماعي في إطار عملية مصالحة الدولة مع ساكنة الريف صنفت هيئة الإنصاف والمصالحة منطقة الريف بشكل صريح كمنطقةً ضحية وأدرجته في برنامج جبر الضرر الجماعي.فقد اعتبر التقرير النهائي لهذه الهيئة أن بعض المناطق والمجتمعات قد عانت بشكل جماعي من عواقب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان .وبالتالي وجب أن يشمل التعويض بعدا مجتمعيًا.إذ على الرغم من عدم وجود مركز اعتقال سري الذي كان هو المعيار الرئيسي لاختيار منطقة أو مجتمع كهدف للتعويضات المجتمعية، فقد تم تصنيف الريف على الرغم من عدم استيفائه لهذا الشرط ، كواحد من المناطق التي عانت بشكل جماعي من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان." * تقنين زراعة القنب الهندي بعد جدل كبير بين مكونات المشهد السياسي بالمغرب ، تمت مصادقة مجلس النواب على مشروع القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي (الكيف) ب 119 عضوا من فرق المعارضة والأغلبية؛ و معارضة 48 عضوا من فريق حزب العدالة والتنمية، وامتناع لا أحد. حيث نص هذا القانون على إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص. وبعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ ، تم إنشاء وكالة وطنية عهد لها بالتنسيق بين كافة القطاعات الحكومية فيما يتعلق بتنمية سلسلة فلاحية وصناعية تُعنى بهذه النبتة. ولعل من شأن تقنين الدولة لزراعة القنب الهندي، أن يفتح منطقة الريف أكثر على محيطها الوطني ويخلق مناخا من الثقة بين الدولة وساكنة هذه المنطقةا . خصوصا أن هذه الزراعة تمت في الأصل بقرار سلطاني. فبعد الترخيص السلطاني من طرف الحسن الأول لبضع دواوير في منطقة كتامة بزراعة نبتة الكيف، تحقيقا للاستقرار والتوافق مع القبائل المحلية ، نص ظهير 1919 على أن زراعة الكيف لا يمكن أن تتم في المغرب إلا بإعلام السلطات بذلك، حيث فرض هذا الظهير على الفلاحين إبلاغ السلطات بالكمية التي يرغبون في زراعتها، ومعاقبة أي فلاح لعقوبات مالية في حالة زراعته للقنب الهندي بدون ترخيص. كما فرض هذا الظهير تسليم محصول القنب الهندي كلها إلى الحكومة، وفي حالة إكتشف المراقبون نقصان الكمية المسلمة عن المزروعة فإن الامر يعتبر مخالفة وبناء على ذلك سيتم تحديد عقوبة مالية في حق الفلاح الذي لم يسلم الكمية كاملة ل"صاكة التبغ".وعلى الرغم من منح الملك محمد الخامس ساكنة كتامة الحق الحصري لزراعة النبتة، فقد جرم الظهير الشريف الصادر في 21 مايو سنة 1974 زراعة وترويج وتعاطي المخدرات لتقوم الدولة سنة 1996 ب"الحملة التطهيرية" التي شملت اعتقال بارونات مخدرات ومسؤولين وسياسيين، في حين ظلت نبتة القنب الهندي تزرع رغم عمليات السلطات بإحراق محاصيل هذه النبتة في هذه المنطقة. -العفو الملكي وتكريس مصالحة الدولة مع ساكنة منطقة الريف بعد تقنين الدولة لزراعة هذه النبتة ورفع الطابع الجرمي عن فعل كان يُعتبر سابقا جريمة، أصبح من غير الطبيعي قانونيا الاستمرار في ملاحقة الأشخاص الذين صدرت في حقهم عقوبات في هذا الإطار. وبالتالي فقد أتى العفو الملكي عن 4831 شخصًا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي ليصحح هذا الوضع القانوني النشاز . فقد كان هذا العفو الملكي ضروريًا لأنه يندرج في السياق الذي نهجته الدولة خلال السنتين الأخيرتين من خلال مصادقة البرلمان على زراعة القنب الهندي، والإجراءات المتخذة إداريًا من طرف السلطات في هذا الإطار. ولعل هذا ما عكسه نص بلاغ الديوان الملكي الذي أشار بأن هذه الخطوة الملكية "ستمكن المشمولين بها من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي والأثر الهيكلي الذي سيحدثه نشاطها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تصنيع وتحويل وتصدير القنب الهندي واستيراد منتجاته لأغراض طبية وصيدلانية وصناعية، وكذا المساهمة في تطوير الزراعات البديلة والأنشطة غير الفلاحية." وبالتالي فبفضل هذا العفو الملكي، سيتم إرجاع هؤلاء المزارعين لحياتهم الطبيعية، من خلال التخلي عن ملاحقة فئة كبيرة من المزارعين الصغار، بما فيهم حوالي 800 امرأة ، الذين عاشوا سابقًا حياة مضطربة، خارجة عن القانون، حيث كان بعضهم لا يتوفر حتى على أوراقه الثبوتية من بطاقة هوية، وغيرها وحتى أبناؤهم أحيانًا كانوا يواجهون صعوبات في التسجيل في وثائق الحالة المدنية. كما يندرج هذا العفو الملكي في إطار عملية مصالحة سياسية تزامنت مع الذكرى الفضية لتولي الملك محمد السادس عرش المملكة . وفي سياق سياسي شهد عفو الملك عن 2476 شخصا، من بينهم صحافيون ومدونون ومستفيدون من برنامج مصالحة. لتأتي مناسبة ثورة الملك والشعب ويتواصل معها العفو عن المواطنين المدانين قضائيا بمنطقة الريف . فهذه المنطقة ،وإن لم تشهد تمردات انفصالية ، إلا أن علاقتها بالسلطة المركزية اتسمت بالمواجهة العنيفة كان من أبرزها أحداث 1958 ، وأحداث 1984 ، ، وأحداث 2016 التي تم فيها اعتقال والحكم على العديد من نشطاء حراك الريف بتهمة خدمة أجندة انفصالية والتآمر للمس بأمن الدولة. وبالتالي ، فقد كان هذا العفو الملكي "بمثابة خطوة أولى مفصلية نحو إنهاء رسمي، وبتدخل ملكي، للحيف الذي وقع على بلاد الكيف لعقود طويلة رغم أن الطبيعة والبيئة الزراعية هما اللتان حددتا المزروعات وليس الساكنة بشكل حصري". لذا، سيكرس هذا العفو الملكي ، بلاشك تقنين الدولة لعملية تحكمها في هذه الزراعة ، ويحسم في هذا التأرجح الذي طبع تعامل أجهزة الدولة مع مزاولة ساكنة هذه المنطقة لزراعة الكيف . كما أن هذا العفو سيقتلع تدريجيا من مخيال ساكنة هذه المنطقة بعض تداعيات "سخط السلطان" الذي شكل أحد آليات العلاقة التي كانت تجمع بين المخزن وقبائله السائبة بعد أن استفاد 24 من معتقلي حراك الريف من عفو ملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2018 . وإن كان هذا العفو قد غطى مؤقتا عن عدم الافراج عن ما تبقى من نشطاء الريف التي تقدر جمعية عائلات معتقلي حراك الريف عددهم ب23 شخصا، بينهم ناصر الزفزافي الذي يوصف بزعيم الحراك والمحكوم عليه بالسجن 20 عاما.