خلف العفو الملكي الصادر بمناسبة ثورة الملك والشعب، الذي استفاد منه صغار مزارعي القنب الهندي المدانون أو المتابعون بسبب نشاطهم غير القانوني، ارتياحا كبيرا في صفوف عائلاتهم، عاكسا بذلك استحضار الملك مبدأ الرأفة والتسامح في مثل هذه المناسبات الوطنية، مع استشراف لمصلحة المستفيدين. وتؤكد هذه المبادرة الإنسانية الملكية سعي الملك إلى تمكين المستفيدين من العفو من الآثار القانونية للمتابعات القضائية، والاندماج مرة أخرى داخل المجتمع، وكذا تحقيق تنمية مستدامة وخلق رواج اقتصادي محلي. وتأتي هذه المبادرة الاجتماعية تكملة لما تم التأسيس له من خلال القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، الرامي إلى استيعاب وإدماج مزارعي المناطق المعنية في أنشطة مدرة للدخل. مبادرة ملكية اجتماعية في كل مناسبة وطنية أو دينية، يقدم الملك على إصدار العفو عن المدانين والمتابعين في قضايا جرائم الحق العام، ما يبرهن على الروح الإنسانية للملك الرحيمة بكافة أبناء الوطن، وينأى بذلك عن كل الظروف والاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية. وقد شهدت مناسبة عيد العرش عفو الملك عن 2476 شخصا، من بينهم صحافيون ومدونون مدانون في قضايا الحق العام ومستفيدون من برنامج مصالحة لمواجهة الخطاب المتشدد داخل السجون، لتأتي مناسبة ثورة الملك والشعب ويتواصل معها العفو عن المواطنين المدانين قضائيا. ولعل إقدام الملك محمد السادس، مساء الاثنين، على إصدار عفوه على آلاف مزارعي القنب الهندي، أمر يتيح لهم معاودة الاندماج في محيطهم الاجتماعي والانخراط في أنشطة مشروعة منتجة للدخل بما لا يتعارض والقوانين والتشريعات الوطنية. في هذا الصدد، سجل المحلل السياسي رشيد لزرق أن هذه المبادرة الملكية تعكس الاهتمام بالبعد الاجتماعي لهذه الفئة من المزارعين، خصوصا الصغار. وقال لزرق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "منح هذه الشريحة المجتمعية عفوا ملكيا في مناسبة وطنية، يبرهن على الاهتمام الملكي المستمر بكافة شرائح المجتمع، واستمرار السعي الملكي إلى جعل المدانين يندمجون مجددا في محيطهم الاجتماعي". وأضاف أن المغرب الذي انخرط في تقنين زراعة القنب الهندي من شأن مبادرة ملكه هذه أن "تعزز اندماج هؤلاء المزارعين في الحياة مجددا، ومنحهم في ظل عملية التقنين موردا ومدخولا يتم كسبه بطرق قانونية تبعدهم عن عمليات التهريب". وتابع المتحدث ذاته بأن "هذه المبادرة الملكية ستمنحهم حماية قانونية وتجنبهم المتابعات القضائية وغياب الأمن الأسري وانعدام الاستقرار الذي كانوا يعيشون عليه بسبب اشتغالهم في مجال محظور". مبادرة سوسيو-اقتصادية لا تقتصر أبعاد هذه المبادرة الملكية على الجانب الاجتماعي وتمكين هؤلاء المزارعين من العودة إلى حياتهم الطبيعية بعيدا عن المتابعات القانونية، بل لها أبعاد سوسيو-اقتصادية، سيستفيد منها المزارعون الصغار في ظل عملية تقنين هذه الزراعة. واعتبر الباحث لزرق أن العفو الملكي "سيسرع عملية تقنين زراعة القنب الهندي، وسيكون وسيلة لإخراج كثيرين من براثن الفقر من خلال تحسين مدخولهم جراء انخراطهم في العملية". ولفت الباحث نفسه إلى أن "هؤلاء بات بإمكانهم بعد اليوم في ظل السعي الرسمي لتطوير سلاسل القنب الهندي المشروع، الاشتغال في أنشطة قانونية مدرة للدخل، بدل الاشتغال تحت إمرة تجار المخدرات الممنوعة والمعاقب عليها قانونيا". وستتيح الخطوة الملكية الإنسانية الفرصة للمزارعين المستفيدين من توجيههم نحو الانخراط في الأنشطة المدرة للدخل، وتشكل دعما لهم في ظل الدينامية الجديدة التي تنهجها المملكة، الرامية إلى تحقيق تنمية شاملة وعادلة ومشروعة على المستويين الجهوي والوطني، وكذا تعزيز النسيج الاجتماعي وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمستفيدين ولأفراد عائلاتهم. دعم للاستعمالات الطبية إذا كان هؤلاء المزارعون قد عاشوا في فترات سابقة تحت التهديد والمتابعات القضائية بسبب اشتغالهم في أنشطة غير مشروعة، فإن المبادرة الملكية قطعت اليوم مع هذه الرواسب السلبية، جاعلة منها خطوة نحو عدالة اجتماعية وإدماج اجتماعي من خلال تمكينهم من منافذ قانونية للاشتغال. ولعل ورش تقنين وتطوير الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي الذي يروم الرقي بالمستوى المعيشي للساكنة المحلية من خلال تحسين دخلها بصفة قانونية، سيكون اليوم بفضل المبادرة الإنسانية الملكية أكثر استفادة من هذا العفو، حيث ستمكن المبادرة من الحد من استغلال وهيمنة تجار المخدرات، وستعزز عودة السكان الممارسين للزراعة غير المشروعة إلى مجالات الزراعة القانونية. ويرى المحلل رشيد لزرق أن المبادرة الملكية "تتماشى مع عملية تأطير هذه الزراعة، ومن شأنها أن تسهم في تحقيق التنمية المستدامة". وأكد المتحدث نفسه أن "المغرب انخرط اليوم في مجال الاستعمالات الطبية والتجميلية لهذه النبتة، الشيء الذي سيجعل من مبادرة العفو مناسبة لانخراط مزارعيها في هذا النشاط الاقتصادي، ويدعم بقوة قطع الطريق على الشبكات الإجرامية التي تنشط في الاتجار غير المشروع بالمخدرات". ويرى مهتمون أن العفو عن الآلاف من المواطنين الذين كانوا متابعين في قضايا تتعلق بالاتجار بالقنب الهندي بشكل غير مشروع، من شأنه أن يحقق استقرارا نفسيا وأسريا لعائلاتهم. كما أن هذه المبادرة تعزز الدور الريادي والاستراتيجي الذي تضطلع به المملكة في مجال التعاون الدولي لمكافحة شبكات التهريب الدولي للمخدرات، عبر حماية مزارعي نبتة القنب الهندي من الوقوع في براثن هذه الشبكات، والحد من الانعكاسات السلبية لانتشار الزراعات غير المشروعة على الصعيدين الوطني والدولي.