نبتة "الكيف" السحرية ليست حديثة عهد بالمغرب، بل تعود إلى القرن التاسع عشر، حين كانت حقول كتامة تنتشي بزراعة هذا المنتوج الذي تمنحه تربة ومناخ المنطقة جودة عالية في السوق الدولي للقنب الهندي. لكن السياق هو الذي يعطي معنى للأشياء اليوم، حيث تقدمت حكومة العثماني التي يشكل الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية عمودها الفقري، بمشروع قانون يقضي بتقنين زراعة الكيف و"تحليل" استعمالاته في غير "النشوة" بل في النواحي الطبية والتجميلية والصناعية، التي يؤكد العديد من الخبراء الدوليين نجاعتها. القضية تتشابك فيها أبعاد ثقافية وأخلاقية ودينية وقيمية واقتصادية، دون إقصاء أو استبعاد الاستعمال الانتخابي خاصة في منطقة انتشاره بالريف بين حزبين سياسيين لهما امتداد تنظيمي في المنطقة.
"الأيام" تكشف عن مسار زراعة نبتة "الكيف" بالمغرب وحقيقة فوائده الطبية والتجميلية وخلفيات تسريع الحكومة بتقنين "النبتة الفاتنة" في هذا الوقت بالذات، وما هي ردود قياديين داخل حزب العدالة والتنمية من شرعنة زراعة القنب الهندي الذي يضع الحزب الذي بنى جزءا كبيرا من مصداقيته على الجانب الأخلاقي؟ وما هي عائدات الكيف على ميزانية الدولة، وما هي مخاطر وانزلاقات تقنين الكيف إذا لم توازها إجراءات تسير بالمناطق المجالية المعروفة بزراعة القنب الهندي نحو بدائل اقتصادية قادرة على إغراء الفلاحين، وعدم تشجيعهم على تمديد زراعة الكيف لتشمل كل أراضيهم؟
الذهب الأخضر يسيل لعاب السياسيين
ليست هي المرة الأولى التي يُطرح فيها مطلب تقنين زراعة عشبة الكيف واستغلالها كثروة وطنية في مجالات الاستعمال الطبي والتجميلي والصناعي، لكن النقاش ظل يطغى عليه الجانب الأخلاقي الذي يرتبط باستهلاك المخدرات، فلم يكن أبدا طبيا أو اقتصاديا. يجب الاعتراف أن زراعة الكيف وجودته بالمغرب، حقيقة لا يمكن القفز عليها، لكن وجود قوانين تجرم زرعه وترويجه وغياب أبحاث وطنية في مجال الذهب الأخضر، لم يكن يؤدي إلى نقاش هادئ ومثمر. أول مبادر لإثارة هذا الجدل هو حزب الاستقلال الذي طرح فريقه للوحدة والتعادلية منذ 2013، مقترحي قانون يتعلق الأول بتقنين زراعة واستغلال الكيف، والثاني يتعلق بإصدار عفو من خلال البرلمان عن مزارعي الكيف، بعد أن كانت السفيرة الحالية للمغرب بالشيلي والنائبة السابقة عن حزب الاستقلال بتاونات قد تزعمت رفع عريضة وطنية إلى ملك البلاد التماسا لإصدار عفو عن أكثر من 30 ألف مزارع مطارد من طرف المحاكم المغربية.
سعى المشروع الاستقلالي الأول إلى وضع إطار قانوني لسياسة الدولة في توجيه عشبة الكيف لتكون في خدمة المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وتنظيم استعمالها في الأغراض العلاجية والطبية، وفي المواد الصيدلية والأبحاث العلمية والأغراض الصناعية، مع وضع ضوابط تمنع تحويلها إلى إنتاج وصناعة المخدرات الضارة، والحد من الاتجار غير المشروع، وضبط أنواع البذور التي تستعمل فيها.
وتطرق المشروع كذلك إلى مسألة تنظيم اقتصاد فلاحي بديل في مناطق اعتماد الساكنة على زراعة الكيف لمدة طويلة، والعمل على اتخاذ تدابير وقائية لسوء استعمال العشبة من طرف المستهلكين، وإعادة تأهيل المدمنين وإدماجهم في الحياة الطبيعية للمجتمع، وتنظيم صناعة وتوزيع وبيع واستهلاك المنتجات المستخلصة من القنب الهندي، ووضع معايير علمية محددة بدقة لتوزيع العشبة الخام أو المصنعة وتسويقها داخل وخارج البلاد.
واقترح المشروع إحداث «الوكالة الوطنية لإنتاج وتوزيع وتسويق عشبة الكيف»، والتي اعتبرها مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وتخضع لوصاية رئاسة الحكومة، ويعين رئيسها بمرسوم وفقا لمقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا. بالإضافة إلى حصره النطاق المجالي لزراعة الكيف وحالات المنع المتعلقة بالنبتة في المجالات والأراضي غير المرخّص لها، وتنصيصه على تحديد المجالات الجغرافية لانتشار زراعة القنب الهندي، وهي: الحسيمة ووزان وشفشاون وتطوان وتاونات. وتضمن مقترح قانون الفريق الاستقلالي كل ما يتعلق بشركات ومقاولات المختبرات الطبية المصنعة والوكالة الوطنية لإنتاج وتوزيع وتسويق الكيف، واعتبر هذا المقترح بحق من طرف القانونيين والمهتمين بالموضوع ثوريا في حينها، لأنه يكشف عن نواحي استعمال جديدة للكيف كثروة وطنية كبرى، خاصة وأن العديد من الأبحاث الدولية في المجال الطبي والصيدلي أبانت عن نجاعة مستخلصات نبتة الكيف في معالجة العديد من الأمراض والتخفيف من آلام بعضها الآخر.
سيحذو فريق الأصالة والمعاصرة بالبرلمان حذو أصدقاء الاستقلالي نور الدين مضيان، حيث نظّم يوما دراسياًّ بمجلس المستشارين حول الاستعمالات الإيجابية لنبتة الكيف في خلق اقتصاد بديل، كما دعا إلى إنشاء وكالة وطنية عمومية للإشراف على تنظيم زراعة الكيف، ونظم بالموازاة مع ذلك لقاء تواصليا بباب برّد حول الحلول الواقعية للحد من معاناة مزارعي الكيف ورفع الضرر عن المنطقة.
هذه المبادرات التي كان يدعمها ائتلاف وطني لتقنين زراعة الكيف وتشجيع الاستعمالات الطبية والصناعية له، تتسم بالجرأة السياسية، لكن بحكم نفوذ حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة في منطقة الريف فقد عبر فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب عن تخوفاته من أن تُستثمر الدعاية لتقنين زراعة الكيف لأغراض انتخابية، وهو ما كشف عنه الفريق خلال يوم دراسي نظمته فرق الأغلبية، حيث واجه حزب العدالة والتنمية هذه الدعوات بالرفض والمعارضة خوفا من استعمالهما السياسي والانتخابي ضده.
يجب استحضار تداخل السياسي والانتخابي في قضية تقنين عشبة الكيف، فحسب الإحصائيات والدراسات الرسمية التي أنجزتها وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، فإن أكثر من 100.000 عائلة في شمال المغرب تعمل في زراعة القنب الهندي. ويبلغ مردود كل عائلة من هذه الزراعة سنويا أزيد من 39 ألف درهم. إن الأمر يتعلق بكنز ضخم من الأصوات الانتخابية، خاصة إذا علمنا أن تجريم زراعة الكيف قانونيا جعل 40 ألف فلاح مطاردا من طرف السلطات، منهم من لم ير والديه لحظة وفاتهما ومنهم من لم يحضر حفل زفاف ابن أو ابنة له كبرت، ومآسي كبرى تعاند واقعا معيشا بسلطة القانون.
هذا البعد الانتخابي والنظرة الأخلاقية لزراعة القنب الهندي كان له أثره في تعطيل النقاش، وقد تأسس لهذه الغاية الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف الذي يقوده شكيب الخياري، والذي عقد ندوات حول الموضوع من أجل فتح النقاش العلمي الهادئ حول النظر إلى الذهب الأخضر نظرة مغايرة، باعتباره ثروة وطنية ذات استعمالات أكثر نجاعة ومردودية من مجرد الانتشاء الذي هو واقع على أية حال لا يمكن رفعه باعتماد القانون وحده.
النبتة ذاتها ذات تاريخ سيء في الوعي الجمعي المغربي. ولكن المواد المستخلصة من الكيف خاصة THC حسب مصادر طبية ذات مفعول علاجي قوي للكثير من الأمراض بما فيها تخفيف آلام السرطان، كما أثبتت ذلك منظمة الصحة العالمية التي كانت قد التمست من المغرب ضرورة تقنين زراعة الكيف للاستعمال الطبي والصناعي. والتقنين لا يعني حسب المصدر ذاته تحليل المخدرات، إذ أن المادة المختبرية المستخلصة من القنب الهندي رباعي هيدروكانابينول (THC) هي التي لها مفعول علاجي مثبت سريريا من طرف أقوى المختبرات الطبية والصيدلية، وليس الأمر متعلقا بتدخين الحشيش الذي سيظل محرما حسب ذات المصدر.
هذا ما ينص عليه مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للكيف
بني المشروع الذي تقدم به وزير الداخلية في مجلس الحكومة خلال اجتماعها الخميس الأخير من شهر فبراير الماضي على اعتماد اللجنة الوطنية للمخدرات المنعقدة في 11 فبراير 2020 توصيات منظمة الصحة العالمية، لا سيما تلك المتعلقة بإزالة القنب الهندي من الجدول الرابع للمواد المخدرة ذات الخصائص شديدة الخطورة والتي ليست لها قيمة علاجية كبيرة.
وأوضح وزير الداخلية أثناء تقديمه لنص المشروع المرتبط بالاستعمالات المشروعة لنبتة الكيف أن دراسات وطنية خلصت إلى أن المغرب «يمكن له أن يستثمر الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع بالنظر لمؤهلاته البشرية والبيئية، علاوة على الإمكانيات اللوجستيكية والموقع الاستراتيجي للمملكة القريب من أوروبا التي تعد الأكثر إقبالا على منتوجات القنب الهندي».
ويقترح نص مشروع القانون إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام ترخيص، وعلى خلق وكالة وطنية يعهد إليها ب»التنسيق بين كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والشركاء الوطنيين والدوليين من أجل تنمية سلسلة فلاحية وصناعية تعنى بالقنب الهندي مع الحرص على تقوية آليات المراقبة».
ويسمح القانون للمزارعين بالانخراط في التعاونيات الفلاحية، مع إجبارية استلام المحاصيل من طرف شركات التصنيع والتصدير، ويفرض عقوبات لردع المخالفين لتوجهات الدولة. وبموجب المادة 3 من مشروع القانون، فإنه لا يمكن ممارسة أحد الأنشطة المرتبطة بالقنب الهندي إلا بعد الحصول على رخصة تسلمها الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة ب»الكيف»، على أن تحدد الحكومة لاحقا، من خلال مرسوم، الأقاليم المعنية بزراعة وإنتاج القنب الهندي والدواوير التي يمكن لأفرادها الحصول على ترخيص بعد استيفاء طالب الرخصة للشروط التالية: التوفر على الجنسية المغربية، بلوغ سن الرشد القانوني، السكن بأحد الدواوير المكونة لأحد الأقاليم المرخص لها بمرسوم، الانخراط في تعاونيات تنشأ خصيصا لهذا الغرض، أن يكون مالكا للقطعة الأرضية اللازمة لهذا الغرض أو حاصلا على إذن من المالك لزراعة القنب الهندي بالقطعة المذكورة، أو على شهادة مسلمة من لدن السلطة الإدارية المحلية تثبت استغلاله لهذه القطعة.
ويحدد المشروع ذاته شروط الحصول على رخصة تحويل القنب الهندي وتصنيعه ورخصة نقله ونقل منتجاته، ويشير إلى أن شركات التحويل والتصنيع يجب أن تتوفر على مخازن مؤمنة ومحروسة لتخزين محاصيل القنب الهندي التي تقتنيها من التعاونيات. وهكذا ستصبح هناك دورة إنتاجية بين الفلاحين والمزارعين واليد العاملة في الميدان، والتعاونيات المعنية ببيع منتجات الفلاحين لشركات مختصة في مجال تصنيع القنب الهندي لأغراض صحية أو صناعية. كما يسمح مشروع القانون بخلق مؤسسة تابعة للدولة ستشرف على مراقبة عمل التعاونيات وتحديد شروط عملها، وسيحدد بنص تنظيمي المجال الجغرافي الذي سيسمح فيه بزارعة هذه النبتة.
مشروع القانون أكد أنه لا يمكن تسويق وتصدير القنب الهندي ومنتجاته التي وقع تحويلها وتصنيعها واستيرادها، إلا لأغراض طبية وصيدلية وصناعية، أي أن الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي سيظل ممنوعا حسب مشروع القانون نفسه.
سياق مشروع تقنين زراعة الكيف وأبعاده
على خلاف ما يعتقد الكثيرون من أن الدولة العميقة تسعى لتوريط الإسلاميين في شرعنة الكيف خاصة وأننا على عتبة التنافس الانتخابي، فإن السياق الكوني الذي فرض هذا التحول بتسريع إعداد الحكومة لمشروع قانون من خلال وزارة الداخلية لتقنين زراعة القنب الهندي، يرتبط أساسا بالتزامات المغرب الدولية. ونتذكر أنه في نهاية دجنبر 2020 صوتت "لجنة المخدرات" التابعة لمنظمة الأممالمتحدة على قرار يخص إعادة تصنيف القنب الهندي، حيث وافقت الدول الأعضاء ال 53 بالأغلبية على حذف تلك النبتة ذات المفعول المخدر من الجدول رقم 4 المرفق بالاتفاقية الأممية للمخدرات لعام 1961، الذي يتضمن أنواع المخدرات التي تشكل إساءة استعمالها خطراً على الصحة. وكان المغرب العضو في "لجنة المخدرات" قد صوّت لصالح إعادة تصنيف تلك النبتة، فيما صوتت الجزائر ضده نكاية في المغرب وحتى ضدا على روح قوانينها، إذ سبق للجزائر أن أصدرت قانوناً يسمح بزراعة واستغلال الكيف والكوكا والأفيون لأغراض طبية وعلمية، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 18-04 المؤرَّخ في 25 ديسمبر 2004 الذي صدر مرسومه التنفيذي رقم 228 -07 مؤرخا ب 30 يوليوز 2007، والذي يحدد كيفية منح الترخيص باستعمال المخدرات والمؤثرات العقلية لأغراض طبية أو علمية. فكيف تمنح دولة الترخيص القانوني لزراعة أنواع كثيرة من المخدرات بينها القنب الهندي، وفي الوقت ذاته تصوت في تناقض صارخ ضد مشروع دولي يرى في نبتة الكيف مواد صالحة للاستعمال الطبي والعلمي؟ لكن لعنة الله على السياسة فما دخلت بابا إلا أفسدته.
وقبل كل شيء – يصرح مصدر حكومي ل"الأيام" رفض ذكر اسمه – قائلا: "لقد كان المغرب عازماً على تقنين القنب الهندي عام 2008، بعد دراسات وأبحاث أجراها المعهد الوطني للبحث الزراعي ومختبر الأبحاث والتحاليل التقنية والعلمية التابع للدرك الملكي، اللذين أعلنا في تقريرهما النهائي أن عملهما تم في أفق تقنين زراعة واستعمال الكيف الصناعي بهدف تسهيل إنجاز تجارب زراعة الحشيش الصناعي في مناطق مختلفة بالمغرب". ويضيف المصدر ذاته: "لكن بعد المصادقة على المقرر الأممي وعلى غرار لبنان البلد العربي الأول الذي شرعن زراعة القنب الهندي ثم الجزائر بعده، لزم المغرب (المنتج العالمي الثاني لعشبة الكيف) أن يكون سباقا لاستثمار الذهب الأخضر، وإلغاء البعد الفصامي للدولة في منعها للكيف وتجريم زراعته واستهلاكه في الوقت ذاته الذي توجد نصوص وظهائر تسمح لفلاحي مناطق كتامة على الأقل بزراعة نبتته، والأمر أيضا يتعلق بعشرات الآلاف من الفلاحين المطاردين من طرف العدالة بسبب زراعة الكيف".
المعارضة مريحة لكن ممارسة الحكم "شكل ثاني"
وصادق مجلس الحكومة يوم الخميس 11 مارس، على مشروع قانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، حيث رجحت بعض المصادر أن النقاشات التي أثيرت بين قيادة حزب العدالة والتنمية وردود فعل زعيم الحزب السابق عبد الإله ابن كيران قد كانت وراء هذا التأجيل خاصة مع رمي كل من مصطفى الرميد وإدريس الأزمي برسالة استقالتيهما في ساحة اللعب السياسي، وتهديد عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية باستقالته في حال موافقة الأمانة العامة على المشروع وتصويت برلمانيي حزب المصباح عليه في البرلمان.
هذا التقنين الذي تقوده حكومة سعد الدين العثماني أثار ومازال الكثير من الجدل، خاصة وأن التصور التقليدي لنبتة الكيف في المجتمع المغربي يجعلها مرتبطة بالمخدرات والاستعمال الانتشائي، وهو ما يثير الكثير من الحساسية الدينية والأخلاقية، على اعتبار تنظيم زراعة الكيف بمثابة تحليل لهذه النبتة العجيبة.
وإذا كان لحسن الداودي استثناء بارزا لأنه سبق، حسب ما أوردته بعض وسائل الإعلام، أن أكد أن الكيف ثروة اقتصادية وطنية، فإن العديد من قياديي حزب العدالة والتنمية يعبرون عن قلقهم من المصادقة على تقنين عشبة الكيف، إما خفية، أو جهرا كما فعل ابن كيران.
مصدر حكومي وازن أكد ل»الأيام» أن إعلان الحكومة عن جدول أعمال المجلس الحكومي القادم (الخميس) تحت رئاسة سعد الدين العثماني، والذي تأتي في مقدمته متابعة دراسة مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، بالإضافة إلى دراسة ثلاثة مشاريع مراسيم، يتعلق الأول منها بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس "كوفيد- 19′′، والثاني بتطبيق بعض أحكام الملحق الأول من الظهير الشريف بمثابة مدونة التجارة البحرية في ما يتعلق بسفن الصيد البحري، والثالث بتطبيق القانون المتعلق بحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية، يؤكد أن الأمور تسير في اتجاه المصادقة على مشروع القانون وأن أي معركة محتملة لن تكون داخل الحكومة التي تحترم التزاماتها، بل داخل البرلمان أثناء طرح المشروع الحكومي أمام أنظار السادة النواب.
هنا يمكن أن يكون للصراع الحزبي الداخلي لأحد مكونات الأغلبية الحكومية انعكاس ملموس سلبا أو إيجابا، «وإن أردت رأيي الشخصي يضيف المصدر فأتوقع مصادقة السادة النواب على المشروع لأن هناك حزبين كبيرين في المعارضة سبق أن تقدما بمقترح قانون في البرلمان، ولن يعارضا نفسيها بالتصويت ضد قانون كانا يطالبان به».
لكن مقابل ذلك، ما الخطوة التالية لعبد الإله ابن كيران والتي يبدو أنها لن تخرج عن أحد اختيارين؟ نسج سرديات جديدة حول مصلحة الحزب ومراعاة وحدته ووضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار، أم عدم تصويت عدد لا بأس به، أو عدم حضور جلسة المصادقة على مشروع القانون وضمان الحكومة لأغلبية برلمانية اعتمادا على أن أقوى حزبي المعارضة، الاستقلال والأصالة والمعاصرة، يضمنان نسبة مرور القانون في القبة التشريعية، خاصة مجلس النواب الذي يقترب حضور حزب العدالة والتنمية فيه من الثلث.
توالت الضربات على حزب العدالة والتنمية الذي بنى كل وجوده السياسي على معيار أخلاقي، حيث وجد نفسه وهو يقود الحكومة الثانية أمام إكراهات تمليها سياسة استمرار الدولة وتقتضيها مصالحها الحيوية، خاصة بعد قرار التطبيع مع إسرائيل الذي زلزل الهوية الإيديولوجية لحزب العدالة والتنمية، وسيزيد مشروع قانون شرعنة الكيف التهام ما تبقى له من مصداقية الشعارات التي كان يرفعها في حملاته الانتخابية، حين كان في الموقع المريح للمعارضة.
فقد قدم مصطفى الرميد استقالته التي قال إنها ترتبط بدواعي صحية، في حين كان إدريس الأزمي أكثر وضوحا في رسالته المطولة التي عممها على الرأي العام. ويذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يستقيل فيها رئيس المجلس الوطني من مهامه، فقد سبق للأزمي أن استقال من مهمته في نهاية يوليوز 2019 بعد تصويت ممثلي حزب العدالة والتنمية في لجنة التشريع الخاصة بالتعليم والثقافة والاتصال، على مشروع قانون إطار رقم 17.15، يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي أقر في أحد بنوده، اعتماد التدريس باللغة الفرنسية في المواد العلمية، مما اعتبره الحزب «الإسلامي» تراجعا عن مبادئه، وإضعافا للغة العربية وهيمنة للوبي الفرنسي في البلاد. وفي نهاية يناير الماضي قدم عمدة الدارالبيضاء عبد العزيز العماري استقالته من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وجمد المقرئ أبو زيد عضويته في الحزب بسبب قيادة حكومة العثماني لمسلسل التطبيع مع الدولة العبرية.
ورغم ما يمور داخل طنجرة حزب العدالة والتنمية من سخط وغضب، بسبب ما يعتبره الغاضبون تخلي القيادة عن إيديولوجية الحزب وتراجعها عن مرجعيته الإسلامية واختياراته المذهبية، فإن كل شيء يجري تحت سقف اللعب بالمعادلات المسموح بها داخل تنظيم مرن أبان عن قدرة عجيبة على التكيف مع مختلف المطبات التي عبرها منذ قيادته للحكومة الأولى، والتي تزايدت حدتها مع حكومة العثماني، من لغة التعليم إلى التطبيع حتى شرعنة زراعة نبتة الكيف. إذ يؤكد قيادي داخل الأمانة العامة للحزب في دردشة هاتفية مع «الأيام»، أن المجتمع المغربي قيد التحول، وليس حزب العدالة والتنمية فقط من أصبح براغماتيا ويراعي الأوليات الملحة لمصلحة الدولة بل أيضا المجتمع المغربي أصبح كذلك. وما قاله الأخ المقرئ أبوزيد من أنه إذا صوت المغاربة مرة أخرى لحزب العدالة والتنمية فمعنى هذا أنه لم تعد لهم ذاكرة، مجرد رد انفعالي من الأخ المقرئ، لأن الحزب اكتسب مناعة قوية وقد راهن منافسوه وخصومه على انشقاقه منذ أمد بعيد لكن لا شيء من ذلك حدث، لماذا؟ ليس فقط لأن الحزب متماسك، ولكن أيضا لأن المغاربة أصبحوا يقدرون مصالحهم الحيوية ومصالح وطنهم ودولتهم أكثر من أي وقت مضى، ولم يعودوا متشددين حتى في القضايا التي تكتسي طابعا أخلاقيا مع ما كان قد أثير من شبهات حول قياديين في حزبنا».
فهل يستحضر باقي الفاعلين ما أشار إليه هذا القيادي الوازن في حزب العدالة والتنمية الذي رفض نشر اسمه؟
أراض مسقية ويد عاملة وسوق واسعة للكيف
حسب دراسة أنجزتها وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال عام 2003، فإن المساحة المزروعة بالقنب الهندي في المغرب كانت تبلغ 120.500 هكتار سنة 2004 وفي ظرف سنة مع تشدد الدولة تحت ضغط الاتحاد الأوربي اتجاه زراعة الكيف انتقلت إلى 72.500 هكتار سنة 2005، ووفق الإحصائيات نفسها فإن 80% من مزارع القنب الهندي مسقية وينتج الهكتار الواحد منها 1821 كلغ من القنب الخام سنويا، فيما 20% المتبقية غير المسقية تنتج 459 كلغ في الهكتار سنويا.
ويبلغ الإنتاج السنوي للقنب الهندي الخام حسب المعطيات الرسمية 53.300 طن سنويا، تمثل منها الكميات المستخلصة أي ما يعرف بالعجينة المخدرة الموجهة للاستهلاك الفردي 1066 طنا، ويتراوح ثمن الكيلوغرام الواحد من هذه العجينة المخدرة محليا ما بين 4 و7 آلاف درهم، فيما تبلغ المداخيل السنوية للقنب الهندي الخام 325 مليون أورو، ويقترب رقم المعاملات الدولي من 5 ملايين أورو، حسب إحصائيات المرصد الأوربي للمخدرات.
ويعد المغرب اليوم من بين المصادر الرئيسية لمستخلص القنب الهندي التي تغذي بالخصوص السوق الأوروبية. وتغطي منطقة شمال المغرب التي ترتكز فيها زراعة القنب الهندي نحو 20 ألف كلم مربع مما يمثل 7.2 % من المساحة الإجمالية للمغرب و6 % من سكانه، وهي تتوزع على خمسة أقاليم وتخترقها من الشرق إلى الغرب سلسلة جبال الريف، وتتميز المنطقة بتضاريس وعرة وتتساقط فيها الأمطار بغزارة ولكن بشكل غير منتظم وتتوفر على تربة فقيرة وحساسة إزاء التعرية.
وكان تقرير مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة صدر سنة 2010 قد أكد بأن المغرب تراجع من المرتبة الأولى عالميا في إنتاج القنب الهندي إلى المرتبة الثانية بعد أفغانستان، بإنتاجه حوالي 40 كيلوغراما من الحشيش في الهكتار الواحد بينما تنتج أفغانستان 145 كيلوغراما. وكانت أول دراسة عن زراعة القنب الهندي في المغرب صدرت عن نفس المكتب عام 2003 وأكدت أن المغرب أول منتج عالمي للقنب.
وأورد «مكتب الأممالمتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة»، في تقريره المعنون ب»تحقيق حول المخدرات بالمغرب (2004)»، أن عدد الأسر التي تزرعه حوالي 96 ألف أسرة بمعدل 66 في المائة من مجموع 146 ألف أسرة من مزارعي منطقة الشمال المغربي و6.5 في المائة من مليون و496 ألف فلاح مغربي. وأن عدد المهاجرين الموسمين إلى المناطق المعروفة بزراعة القنب الهندي يقدر بنحو 66 ألف عامل مهاجر سنويا.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن تطوير زراعة هذه النبتة بالمنطقة واستيراد أنواع جديدة من بذور القنب الهندي من البلدان الخارجية، لرفع المردودية والإنتاج المضاعف بسبع مرات أحيانا، تطلب من المزارعين موارد بشرية ومادية أضعاف ما تتطلبه زراعة القنب الهندي المغربي التقليدي.
للكيف تاريخ وكتامة كانت مجاله الحيوي
القنب الهندي أو cannabis كلمة لاتينية تعني الضوضاء لما تشيعه في مستعمليها من ضحك هستيري ومجون، وترتبط هذه النبتة بالهند، وتحمل أيضا اسم الحشيش الذي يعني العشب في اللغة العربية أو «الشيش» في العبرية التي تعني الفرح والضحك المبالغ فيه. وتؤكد المصادر التاريخية الأجنبية أن القنب الهندي دخل إلى المغرب في القرن الخامس عشر، وبعضها الآخر يعيدها إلى القرن الحادي عشر حيث جلبها تجار من كتامة من الهند إلى بلادهم. أما الدكتور محمد بودواح المسؤول عن مختبر الأبحاث والدراسات في التنمية الترابية فيرجع الأمر إلى القرن السادس عشر حين أدخلها أحمد المنصور الذهبي من السودان، وكانت هذه النبتة زرع بمناطق محدودة، غير أنها انتشرت خلال القرن التاسع عشر بشكل كبير في العديد من مناطق الريف. وحسب شهادة ليون الإفريقي فقد انتشر تدخين الكيف بين أهل فاس القريبة مجاليا من كتامة، ووصل صدى النبتة السحرية إلى الأمراء والسلاطين، حتى أن «السلطان مولاي علي (1734) كان مخبولا خبلا تاما بالكيف»، والعديد من مستشاري السلطان سيدي محمد بن عبد الله اشتهروا باستهلاكهم الماجن للكيف. كما لاحظ السلطان الحسن الأول الرفاه الذي أصبحت تعيشه النخب الحاكمة التي تنتشي بتدخين النبتة العجيبة فأمر في البدء بإحراق مزارع الكيف العديدة المنتشرة بشمال المملكة، لكن بعد استعطاف أهالي المزارعين سارع السلطان المولى الحسن الأول بمنح خُمس فلاحي كتامة حق استغلال حقولهم في زراعة الكيف عام 1890، وبحكم النزوع الديني للمولى سليمان فقد أصدر مرسوما عام 1814 يقضي ب»جمع محاصيل الطابا وإحراقهما في كل بلد».
وحسب تقرير رسمي لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، ففي سنة 1906 أعطى مؤتمر الجزيرة الخضراء حق احتكار بيع وشراء التبغ والقنب الهندي بالبلاد للشركة المغربية للكيف والتبغ، وهي شركة متعددة الجنسيات ذات رساميل فرنسية. وكان مقر هذه الشركة بمدينة طنجة التي كان يتم فيها تحويل القنب الهندي والتبغ، في حين كانت تتم أيضا صناعة الكيف (خليط من التبغ والقنب الهندي) في معمل بمدينة الدارالبيضاء. وفي سنة 1926 قرر الفرنسيون السماح بزراعة القنب الهندي في منطقة شمال مدينة فاس. وكانت هذه التجربة التي لم تدم إلا ثلاث سنوات تدخل في إطار سياسة الجنرال «ليوطي» الهادفة إلى عزل التجربة الثورية لعبد الكريم، إذ كان الغرض منها هو إرضاء القبائل المجاورة للمناطق الثائرة والتي قبلت مؤخرا الخضوع للإدارة الفرنسية.
انتبه المستعمر إلى أن جل عناصر المقاومة التابعة لمحمد أمزيان ثم عبد الكريم الخطابي فلاحون، فأخرج أول نص قانون مكتوب عام 1919 يسمح لبعض القبائل في كتامة، وفيما بعد غمارة وبني سدات وبني زروال وبني مسارة ولخماس وغيرها بزراعة القنب الهندي، وذلك للتحكم في إمدادات المقاومة بالريف، وضمان حلفاء له داخل القبائل عبر خلق امتيازات للمتعاونين معه، مع اشتراط احتكار الدولة للاستفادة من محاصيل هذه الزراعة، حيث أسس المستعمر «الشركة الدولية ذات المصالح المشتركة» بناء على اتفاقيات الجزيرة الخضراء. وحسب بول باسكون فقد ارتفع تصدير المغرب للقنب الهندي الذي لم يكن يتجاوز 100 طن سنة 1913 إلى 500 طن عام 1920. ومع ضعف السلطة الإسبانية بسبب الحرب الأهلية خلال النصف الثاني من الثلاثينيات، وعدم توقيع إسبانيا على معاهدة تقنين وتجريم زراعة الكيف كما فرنسا، عرفت زراعة الكيف انتشارا غير مسبوق، حيث تحولت إلى النشاط الفلاحي المركزي في شمال المملكة.
فقد نص ظهير 1919 على أنه لا يسمح للفلاحين بزراعة الكيف في أي أرض إلا بعد إبلاغ السلطات بالكمية التي يرغبون في زراعتها، حيث أن أي فلاح يتعرض لعقوبات مالية في حالة زراعته للقنب بدون ترخيص.
هذا وقد فرض الظهير تسليم غلة القنب الهندي كلها إلى الحكومة، أي إلى «صاكة التبغ» التي كانت تمنح الفلاحين رخصة زراعة الكيف حسب ما ينص عليه الظهير الاستعماري 11-05-1919 وظهير 12-11-1932. وإذا كانت فرنسا قد نجحت في تجريم زراعة الكيف الذي كان يتم بحقول الحوز والغرب، واجتثاثه كليا بظهيري 24 أبريل 1954 و30 يونيو 1956، فإن الأمر بخلاف ذلك في المنطقة الاستعمارية الإسبانية. فقد منح ممثل السلطان بالشمال مولاي الحسن بن المهدي سكان كتامة ترخيص زراعة الكيف بظهير 1934، وكانت شركتان إسبانيتان تشتريان الكيف وطابا من الفلاحين وتؤدي ضرائب يستفيد منها السكان المحليون وهو ما كان يغري العديدين منهم لتحويل أراضيهم لزراعة القنب الهندي.
لكن مع التطورات السياسية التي عرفها المغرب بعد انتفاضة الريف عام 1958 وما تلاها، سيصدر ظهير شريف عام 1960 يمنع بشكل نهائي زراعة الكيف في شمال المملكة، ثم جاء الظهير الشريف بمثابة قانون عدد 1.73.282 الصادر في 28 ربيع الثاني 1394 الموافق ل 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين عليها، والذي نص على أنه «يعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة يتراوح قدرها من 5000 إلى 50000 درهم كل من استورد أو أنتج أو نقل أو صدر أو أمسك بصفة غير مشروعة المواد أو النباتات المعتبرة مخدرة». كان ذلك بسبب انتشار ظاهرة «الهيبيزم» التي ارتبطت باستعمال الحشيش وهو ما رفع من قيمة الإقبال على الماريخوانا المغربية فاتسع حجم ومساحة الأراضي المخصصة لزراعة عشبة الكيف حتى خارج المدار التقليدي المعروف.