في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، أقدمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على اتخاذ قرار صادم، يقضي بإيقاف استفادة القيمين الدينيين من عدادات الماء والكهرباء الخاصة بالمساجد، حيث أنه تنفيذا للتعليمات الصادرة عن الوزارة الوصية، سارعت المندوبيات الإقليمية التابعة لها إلى توجيه مذكرة للأئمة والمؤذنين، تطالبهم من خلالها بوجوب إدخال عدادات مائية وكهربائية بأسمائهم، معلنة عن عزمها فصل عدادات المساجد عن السكن الوظيفي في أقرب الآجال. وقد عزت وزارة أحمد التوفيق السبب في اتخاذ هكذا قرار جائر إلى ما تم تسجيله خلال الشهور الأخيرة من ارتفاع ملحوظ في فواتير استخلاص الماء والكهرباء ببعض المساجد، جراء اشتراك عداداتها مع بعض المرافق التي لا تدخل ضمن مكونات خدمات المساجد، أو بسبب الاستغلال السيء وغير القانوني. وهو القرار الذي نزل كالصاعقة على رؤوس القيمين الدينيين الذين يستفيدون من الماء والكهرباء بالمجان، واستهجنه عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، داعين القائمين على الشأن الديني ببلاد أمير المؤمنين إلى التراجع عنه، والحرص على عدم فصل عدادات المساجد عن بيوت الأئمة والمؤذنين وغيرهم من القيمين الدينيين، لما يمكن أن يترتب عنه من مصاريف إضافية، ليسوا قادرين على تحملها في ظل غلاء الأسعار وهزالة الأجور، التي تظل غير كافية لمواجهة ظروف العيش الصعبة. فالمقصود بالقيمين الدينيين المزاولين لمهامهم سواء كانوا أئمة أو مؤذنين أو خطباء أو متفقدي المساجد، حسب مفهوم الظهير رقم 104.14.1 الصادر في 20 رجب 1435 (20 ماي 2014) في شأن تنظيم مهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، هم الأشخاص المتعاقدون مع الدولة ممثلة في السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية، وكذا الأشخاص المكلفون من قبلها للاضطلاع بمهام دينية أو مهام مساعدة بسائر الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي. وقسم ذات الظهير القيم الديني إلى فئة متعاقدة، وهم المتعاقدون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بموجب عقد يبرم وفق أحكام المادة 25 من الظهير في شأن إحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات. وينقسمون بدورهم إلى فئتين، الأئمة المرشدون والمرشدات خريجو معهد محمد السادس، والقيمون الدينيون المكلفون المزاولون لمهام الإمامة أو الإمامة والخطابة الحاصلون على شهادة الإجازة الذين تم التعاقد معهم طبقا لمقتضيات المادة 40 من نفس الظهير. ويقصد بالفئة المكلفة تلك التي تقوم بمهام الإمامة، والخطابة، والأذان، ورواية الحديث، وقراءة الحزب، وكذا الحراسة والنظافة وتفقد المساجد. ففي تصريحات له خلال ندوة صحفية تم تنظيمها منذ حوالي عقد من الزمن في 20 ماي 2014 خصصت لتقييم الظهير المنظم لمهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، أكد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية على أن عددهم يصل إلى حوالي 110 ألف قيم ديني، يديرون حوالي 50 ألف مسجد، منهم زهاء 80 ألف ينهضون بمهام الإمامة والخطابة والأذان، وقرابة 17 ألف يقومون برواية الحديث وقراءة الحزب، فيما هناك 13 ألف منهم مكلفون بمهام النظافة والحراسة، و577 بمهام تفقد المساجد. وبالعودة إلى قرار إيقاف استفادة هؤلاء القيمين الدينيين من عدادات الماء والكهرباء الخاصة بالمسجد، نرى أنه قرار مجحف لعدم مراعاته الظروف الصعبة التي تعيشها هذه الفئة من المواطنين، التي ما انفكت تشتكي من أوضاعها الاجتماعية المتردية في ظل مسلسل غلاء الأسعار الذي أضحت عليه تكاليف العيش، في وقت هم أحوج ما يكونون إلى تحفيزات تشجعهم على بذل المزيد من الجهد للنهوض بمهامهم الدينية على الوجه المطلوب، وليس إلى إحباطهم والحد من أنشطتهم. فالقيمون الدينيون يعانون في صمت ولا يجدون من يلتفت إلى مشاكلهم وينصت لأوجاعهم ولا من يهتم بملفاتهم المطلبية، مما يضطرهم إلى الخروج أحيانا للشارع من أجل إسماع صوتهم والتعبير عن معاناتهم واستيائهم، من خلال تنظيم وقفات للاحتجاج في عدة مدن وفي مقدمتها عاصمة المملكة الرباط. إذ كيف تقدم الوزارة الوصية وهي الأغنى من بين سائر الوزارات الأخرى على حرمان هذه الفئة من الماء والكهرباء، وهي تعلم جيدا أن ما تجود به من "فتات" على هؤلاء البسطاء لا يغطي البتة أبسط المتطلبات اليومية لأسرهم، إذ أن الأجرة الشهرية تتراوح ما بين 500 و1000 درهم بالنسبة للمؤذن والمنظف والحارس وغيره، فيما يحصل من يمارس مهام الخطابة والإمامة وسواها على مكافأة شهرية ما بين 800 و2500 درهم حسب الموقع والمدينة. لقد حان الوقت لإعادة النظر في أوضاع القيمين الدينيين، وبات من الضرورة بمكان أن تحرص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على الدفاع عن حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية والنقابية، والعمل على رد الاعتبار لهم كموظفين تابعين لها، عوض جعل رعاية شؤونهم الاجتماعية رهينة بالمجتمع في إطار رؤية إحسانية متجاوزة، تساهم في الحط من كرامتهم والانتقاص من قيمة أدوارهم الاجتماعية والتربوية...