حدث أن اكتريت ذات سنة تكوينية بمراكش رفقة صديقي ابراهيم بيت رجل وقور وصارم.. وفي البيت ثلاث غرف وكانت نيتنا أن يلتحق بنا بعض الزملاء لنتقاسم الكراء، لكن الرجل فاجأنا بأن خفض الثمن ليناسب شخصين مع رفعه في حالة التحق بنا شخص أو شخصين مع شرط غريب "أن يكون هذا الشخص من زاكورة أو وارزازات أو الرشيدية" وفعل التحق بنا الصديق عبد الغني من ورزازات لفترة ثم غادر وعدنا إلى الثمن الأول إلى نهاية السنة... الشاهد هنا هو الصورة الجميلة المرسومة 'عن أبناء الجنوب الشرقي "الله يعمرها دار" "سبع ضلعات"... والحقيقة أنهم فعلا الله يعمرها دار مع شيء من النسبية التي تعني أنه يمكن أن تصادف شخصا من الجنوب الشرقي سيء للغاية ليس فيه "ما يُلَبّق" بلغة أهل البلد، وكثير من الإنصاف أنه في ل مناطق المغرب أناس طيبون خيرون وآخرون.. هذا الكلام إلى حد ما بعيد عن سياق الكلام. والسياق هو النقاش إن كان الجنوب الشرقي واقصد أقاليم زاكورة وورزازات وتنغير والرشيدية وطاطا وميدلت.. مناطق منكوبة بعد الأضرار التي خلفتها السيول الجارفة في الأرواح والبنايات والممتلكات؟ والحقيقة أن هذه المناطق ليست منكوبة بعد الفيضانات بل منكوبة في الأصل ،خاصة بعد سنوات الجفاف الطويلة التي أكلت ما أبقاه مرض البيوض من نخيل.. فصارت تلك الواحات مخيفة حد الرعب، وماتت حقول الناس باستثناء ضيعات المستثمرين التي تزرع البطيخ الأخضر وتنتج تمر المجهول الذي لا يأكله أهل الواحة ومن أين لهم ثمنه !؟ يكفي أن تزور هذه المناطق لتتأكد أن أهلها بالفعل طيبون وطيبون جدا.. ولو لم يكونوا كذلك لهاجروا جماعات واستوطنوا هوامش المدن في انتظار برنامج سكني حكومي ينقلهم من "براريك عرضية" إلى "براريك طولية" .. طيبون جدا لأن شابا صغيرا يغصب شبابه وأحلامه ليظل ينفق على أسرة كبيرة ممتدة.. يقضي عمره في "شانطي" البناء يحفر ويبني ويحمل ما ثقل بضلعاته السبع.. وفي رأس "الكانزا" يبعث ما جمع لأهله هناك محتفظا بما يشفع له بالنزول في "العيد الكبير" أو موسم الهجرة إلى الجنوب وتلك حكاية تطول ويكفي أن تسأل أهل الدارالبيضاء كيف تصبح كازا خلال عيد الأضحى بعدما يتركها القادمون من هناك حيث الكثير من القهر والفقر والحاجة وفائض من "الله يعمرها دار"... إنهم طيبون لأنهم صبروا على العيش هناك حيث استبداد الطبيعة حَرا وبردا، وحيث التهميش والهشاشة... فعليهم أن يتداووا في مراكش فما فوقها، ويدرسوا في مراكشوأكادير وما بعدهما ويعملوا في الدارالبيضاء وحيث ما وجد "الدمير"، وينتشر موظفوهم في أرض المغرب الواسعة بحثا عن مدينة تحتويهم لكنها لا تفقدهم طابعهم البدوي ولعله لذلك يستقر الكثير منهم في أقاليم تعيش التهميش أيضا كالحوز شيشاوة وهوامش أكادير... إن هذه الطيبوبة المثالية التي تعفي الدولة من كثير من مسؤولياتها وتسمح للمسؤولين المحليين بتسيير الأمور بمنطق "سلك الله يرحم الوالدين..." وأحيانا بمنطق قبلي لا يخفى... إن هذه الطيبوبة تستحق شكرا من دولتنا الموقرة.. والشكر استثمارات في الصحة والتعليم والسكن والفلاحة والخدمات... تعوض أهل الجنوب الشرقي بعضا مما فقدوا وتسمح لهم بحياة بميزة مقبول على الأقل تقديرا لهذه الوطنية الاستثنائية لهؤلاء المتألمين الذين لا يشتكون، ولا يحسنون البكاء والأنين على "السوشل ميديا".. إنهم كالصحراء وكالجبل وكالنخيل صامتون وفي صدورهم صدى التهميش والبعد والفقر والهشاشة... أما عنوان المقال .. فيعود إلى حوار مع شيخ القصة القصيرة أحمد بوزفور خلال لقاء أدبي استعملت فيه عبارة "المغرب غير النافع" المعروفة، فصوب لي ب"المغرب غير المنتفع". وأعطف على ذلك متسائلا" ألم يحن الأوان بعد لينتفع المغرب غير المنتفع من المغرب؟ والمغرب بخيره وخميره ولله الحمد.