مع بزوغ خيوط الفجر، بدأت شمس الصباح تنثر دفء أشعتها على الطرقات المفعمة بالحياة من جديد. صوت الأطفال يملأ الأرجاء، حقائبهم المدرسية تلمع تحت وهج الشمس، وأحلامهم الصغيرة تتراقص في الهواء. إنه صباح اليوم الأول من المدرسة، لحظة مليئة بالتوقعات والتوترات، بالفرح والخوف، بالأمل والغموض.. كثيرة هي المظاهر التي نلاحظها مع كل بداية دخول مدرسي خصوصا ما يتعلق منها بالأطفال حديثي الالتحاق بالمدرسة، حيث تعتبر تجربة جديدة تتداخل في تكوينها عوامل متعددة: نفسية، اجتماعية واقتصادية أيضا.. كلها تشكل مرحلة جديدة يعيشها الطفل بكل تفاصيلها، فهي بمثابة انتقال من عالم مليء بالأمان واللعب والمرح ومحيط أسري محدد، إلى عالم جديد له قواعد وقوانين لا بد من الالتزام بها وبه أقران جدد سيتفاعل معهم الطفل لأول مرة بمعنى أنهم غرباء بالنسبة له .. هذا الانتقال مهما بدا هينا وسهلا إلا أن به من الصعوبة خصوصا على المستوى النفسي ما قد لا يفهمه بعض الأسر، فالأطفال يجدون أنفسهم أمام تحديات جديدة لم يعتادوا عليها من قبل، تتطلب منهم مجهودًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا، وقد تتسبب في صعوبات ومشاكل نفسية إن لم يتم الانتباه لها. هنا نتحدث عن ضرورة الالتفات إلى الدور الكبير الذي تلعبه المدرسة عامة والدعم الأسري خاصة، في تخفيف حدة التحديات والضغوط والنتائج التي يمكن أن تترتب عنها، من أجل تأقلم الطفل بشكل إيجابي مع هذه التجربة الجديدة. فالأسرة باعتبارها مصدر الأمان، يكمن دورها في تهييئ الطفل نفسيا وتحفيزه على التعلم واكتساب مهارات جديدة وغيرها من الأمور التي تساعد في التخفيف من شعور الخوف من المجهول عند الطفل. أما المدرسة فلها أيضا من المسؤولية الحيز الكبير، حيث يكمن دورها في خلق وتعزيز الشعور بالانتماء منذ اللحظة الأولى للطفل داخل أسوار المؤسسة، وذلك من خلال توفير بيئة متوازنة وداعمة تشجع الطفل على التعبير عن نفسه بحرية. يمكن أن تشمل هذه البيئة عدة أنشطة تساعد الأطفال على التعارف والتواصل مع بعضهم البعض، مما يخلق أجواء من الألفة والطمأنينة بينهم. كما ينبغي التأكيد أن دور المعلم لا يقتصر هنا على التعليم الأكاديمي فقط، بل يتضمن أيضًا توجيه الطفل اجتماعيًا ونفسيًا، والتدخل عند ملاحظة أي علامات عدم تكيف أو القلق لدى الأطفال. عموما، فإن اليوم الأول في المدرسة ليس مجرد بداية لعام دراسي جديد، بل يمكننا اعتباره بوابة يعبر من خلالها الطفل إلى عالم جديد مليء بالفرص والتحديات وأيضا العقبات. هذه اللحظة تحمل في طياتها الكثير من المشاعر المتضاربة، فرح وتوقعات، توتر وخوف. والسر في نجاح العبور خلال هذه المرحلة الانتقالية يكمن أولا في دعم الأسرة ثم في احتضان المدرسة، حيث يتم توجيه الطفل بخطوات واثقة نحو التأقلم مع هذا العالم الجديد. بلمسات الحنان من الوالدين وبتوجيهات الأطر التعليمية، يمكن للطفل أن يحول حالة القلق والتردد إلى حالة الثقة والحماس، ويكون بذلك مستعدًا لمواجهة المستقبل بأمل وطموح. إن هذه الرحلة، رغم صعوبتها هي اللبنة الأولى التي يؤسس بها الطفل شخصيته وينسج أحلامه، لتصبح المدرسة ليس فقط مكانًا للتعلم فحسب، بل فضاءً ينمو فيه ويطور قدراته الأكاديمية والشخصية أيضا.