مع بداية شهر شتنبر، تجد وزارة الصحة والحماية الاجتماعية نفسها أمام مفترق طرق بعد فترة مضطربة من الإضرابات والاحتجاجات التي هزت القطاع قبل أسابيع. الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع بعض النقابات يوم 23 يوليوز 2024، بعد سلسلة من المفاوضات المااطونية، يثير العديد من التساؤلات حول مستقبله ومدى قدرته على تهدئة الأوضاع في قطاع يعتبر من بين الأكثر حساسية في المغرب. مطلب الحفاظ على صفة الموظف العمومي: نقطة خلافية حاسمة الاتفاق الأخير جاء بعد فترة من التوتر الذي تصاعد إلى احتجاجات واسعة النطاق، حيث تمحورت مطالب الشغيلة الصحية حول تحسين ظروف العمل، زيادة الأجور والتعويضات، والتعامل مع النقص المزمن في التجهيزات والموارد البشرية. ورغم أن الاتفاق تضمن بعض التحسينات مثل الرفع من قيمة بعض التعويضات وتقديم وعود بتطوير البنية التحتية الصحية، إلا أن العديد من الفاعلين في القطاع يعتبرونه حلاً جزئياً لمعضلة أعمق. ومن بين المطالب الأساسية التي تثار في أوساط الشغيلة الصحية هو مطلب الحفاظ على صفة "الموظف العمومي"، والذي يعتبر من الركائز التي تشعر العاملين بالاستقرار المهني والأمني. في هذا السياق، يبقى الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الوزارة غير واضح بشكل كافٍ في الإجابة عن هذا المطلب الجوهري. فبينما تحدثت بنود الاتفاق عن الحفاظ على مركزية الاجور ،إلا أن المسألة المتعلقة بوضعية الموظف العمومي لم تُحسم بشكل صريح حيث تم اخراج مهنيي الصحة عن طريق مسار تشريعي توج بالقانون 21-39 فيما يتحدث الاتفاق عن مراسيم ستعيد لهم الصفة المسلوبة ، وهذا مما يعمق الشكوك والمخاوف لدى الشغيلة الصحية حول مستقبلهم المهني في ظل التغييرات المتوقعة والمنافسة الشرسة للمصحات الخاصة . استمرار الجامعة الوطنية للصحة والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام في رفض الاتفاق رغم التوصل إلى هذا الاتفاق، فبعض النقابات عبرت عن عدم رضاها الكامل بالاتفاق، معتبرة أنه لم يلبِّ كافة المطالب الجوهرية، ولم يقدم رؤية شاملة للإصلاح. هذا الوضع يعكس تبايناً في المواقف بين الفاعلين، حيث تبقى مجموعة من الملفات العالقة دون حلول واضحة، مما يزيد من احتمالية استمرار التوتر في الدخول الاجتماعي. فالجامعة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، والتي تعتبر أكبر نقابة في القطاع الصحي، تواصل رفضها لهذا الاتفاق، معتبرة أنه لا يرقى إلى مستوى تطلعات الشغيلة الصحية بمختلف أصنافها. تشاركها في هذا الموقف النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، التي عبرت عن عدم رضاها عن ما تم التوصل إليه، مشددة على أن الاتفاق لم يتضمن حلولاً جذرية لمشاكل الأطباء وأوضاعهم المهنية. رفض هاتين النقابتين الرئيسيتين للاتفاق يعكس عمق الانقسام داخل الجسم النقابي في القطاع الصحي، ويزيد من احتمالية استمرار التوترات والاحتجاجات في الدخول الاجتماعي المقبل، خاصة أن هاتين النقابتين تمتلكان قوة تأثير كبيرة على مستوى التنظيم والتمثيل النقابي. تأثير الإضرابات على الخدمة الصحية: تداعيات وأضرار لا شك أن مسلسل الإضرابات والاحتجاجات الذي شهده القطاع الصحي قبل شهر غشت كانت له تأثيرات سلبية على مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين. حيث سجلت بعض المستشفيات والمراكز الصحية تراجعاً ملحوظاً في تقديم الخدمات، وزيادة في معاناة المرضى الذين يجدون أنفسهم أمام تأجيل أو تأخير في العلاجات. ومع الاتفاق الأخير، تتطلع الوزارة إلى تحسين الوضع وإعادة الاستقرار للقطاع. ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة، خصوصاً إذا ما استمرت بعض النقابات في الاحتجاج والمطالبة بحلول أعمق وشاملة للمشاكل التي تؤرق الشغيلة الصحية. في ظل هذه الظروف، يبدو أن الدخول الاجتماعي لشهر شتنبر يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الاتفاق المبرم بين الوزارة وبعض النقابات على تحقيق الاستقرار المنشود في القطاع. فبينما تأمل الوزارة في أن يشكل هذا الاتفاق بداية صفحة جديدة تعيد الهدوء إلى القطاع، تظل هناك شكوك حيال استدامة هذا الهدوء، خصوصاً في ظل استمرار المطالب غير المحققة والشعور بعدم الرضا بين جزء كبير من الشغيلة الصحية.