كثيرة هي المدن في العالم التي تتوفر على شاطئ يجعلها مقصدا للزوار. وتزداد درجة التردد على شواطئها خلال فترة الصيف. بل نجد الكثير من المصطافين، لا يحلو لهم الصيف إلا في مدينة شاطئية. لكن شاطئ أكادير له طعم خاص، يضاهي لذة الكسكس المغربي، وله نكهة مثل رائحة التوابل التي تضفي على الطجين السوسي لذة سحرية قليل من يعرف سرها. في فصل الصيف، حين يشتد الحر، يكون الذهاب لقضاء اليوم في الشاطئ، كالعطشان الذي يبحث عن "الكراب" لينعم بشربة ماء باردة في جلد أو شكوة الماعز، ممزوجة بنكهة الإناء المصنوع من النحاس. فتكثر تلك الصور التي تعكس ذاك العدد الهائل من المصطافين، يصولون ويجولون في الشاطئ. صور تعكس لوحة البحر وقد اختلطت زرقته بمختلف الرياضات البحرية من السباحة إلى جيتسكي، مرورا بلوحات السورف ومراكب الزوارق الشراعية. ليست مياه البحر وحدها من تدب فيها الحياة في فصل الصيف وتنتعش فيها الروح لتقاوم حر الصيف، بل حتى رمال الشاطئ تأخذ نصيبها من أنفاس الصيف، لتنعم بنسمات الألوان التي تحل مكان اللون الذهبي للرمال. يخفُتُ لون الرمال تاركا مكانه لألوان بلا حدود تعكسها المظلات والكراسي وألبسة الصيف التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من ثنائية الصيف والبحر. كانت هذه لوحة تشكيلية، حاولتُ من خلالها رسم الحلة التي ترتديها شواطئ العالم خلال فترة كل صيف. لكن بعد مرور فترة العطلة، وانقضاء الفصل الذهبي بشمسه ورماله، تعود شواطئ العالم إلى طبيعتها. يهجرها البشر تاركا مكانه لأمواج يتيمة تحرك المياه الراكدة، ورمال في الشاطئ تشتاق لأقدام البشر، لتكسر شعورها بالوحدة والغربة رغم جوارها لمياه البحر، وسماعها ليل نهار صوت الأمواج تموت تحت أقدامها. بعد كل صيف تختفي جموع المصطافين في شواطئ العالم، ليحل مكانها الفراغ، وكأنها أصبحت منازل أطفأت الأنوار وأغلقت الأبواب التي لن تفتح إلا بحلول الصيف القادم. يحدث هذا في شواطئ العالم، إلا شاطئ أكادير، فهو ليس كباقي الشواطئ، لسبب بسيط هو أن أنواره تظل مشتعلة طوال السنة وكأن الصيف ليس أياما معدودات وإنما هو كل أيام السنة. شاطئ أكادير يعرف ميزة خاصة به لا نجدها في باقي الشواطئ. إنها ميزة الطقس الصحو طيلة السنة حيث يمكن لعشاق السباحة ممارسة هوايتهم طيلة أيام السنة بدون انقطاع. وتلك هي الوصفة السحرية التي تجعل شاطئ أكادير ليس كباقي شواطئ العالم. فهو شاطئ مفعم بحيوية الصيف وبمتعة الاصطياف طيلة شهور السنة. كما أنه شاطئ يستهوي زواره مباشرة بعد طلوع الشمس حتى منتصف الليل. فشواطئ العالم تعرف إقبال المصطافين بعد استقرار الشمس في كبد السماء، أما شاطئ أكادير فالجو ملائم ليشرع هواة الرياضة والسباحة في ولوج الشاطئ مباشرة بعد بزوغ أول خيوط الشمس، بل وحتى قبل رحيل الليل ليترك المكان لبهجة الضياء. وفي بداية النهار، تبدأ جحافل المصطافين تصل الشاطئ كواكب متفرقة، كل كوكبة تجد ضالتها في الشاطئ. وبعد الغروب، تتحول أشعة الشمس إلى طقس صحو يُطلق نسماته لتجعل المصطافين، ضحية سجن الشاطئ، وأسرى الكورنيش بمصابيحه الخافتة، التي أخذت مكان أشعة الشمس في تناغم أَخَّاذ، يجعل المصطاف يترك الشاطئ نهارا ليعود إليه ليلا. فشاطئ أكادير هو في حقيقته شواطئ متعددة في مكان واحد ومدينة واحدة. هذا هو الشاطئ المفعم بالحيوية طيلة السنة...وهذا هو الشاطئ الذي يستقبل رواده مباشرة بعد بزوغ أول خيط من الشمس...وهذا هو الشاطئ الذي يستهوي رواده نهارا كما يستهويهم ليلا...وهذه هي حكاية شاطئ مدينة أكادير...ليست الحكاية من وحي الخيال، وإنما هي سرد لواقع الحال وما تراه أعين العشاق. تلك أحاسيس تختلج صدر عاشق لمدينة أكادير.