إذ كان من موضوع يحظى باهتمام جمعي في النقاش السياسي والمجتمعي المغربي فلا شك أن يكون المشروع الملكي السامي المتعلق بالحماية الاجتماعية الشاملة، ولا غرر أن نجاح منظومة الحماية الاجتماعية لا يمر إلا عبر نظام اقتصادي متنوع يلعب فيه الاستثمار قطب الراحة في تدوير عجلة الاقتصاد، يضمن الاستدامة المالية لإنجاح المشاريع الاجتماعية بل ويتعداها إلى تحقيق تنمية شاملة مندمجة تستقيم والسياسات العمومية في إطار التكاملية والإلتقائية التي ما فتئت الحكومة تأكدها في كل برامجها. فالاستثمار هو ضالة الحكومة في تعبئة الموارد المالية الكفيلة بتغطية نفقاتها الاجتماعية في ظل النقاش الواسع حول ممكنات الاستدامة المالية، ويمكن استشفاء أهمية هذا الورش من خلال كلمة السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان بمجلس النواب يوم 10 يونيو 2024 حيث اعتبر النهوض بالاستثمار مدخل أساسي لمواصلة الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني، وهذه الأهمية تطرح ملاحظتين أولا الأهداف المنتظرة من هذا الإصلاح وثانيا المداخل الأساسية لتحقيق اصلاح شامل لمنظومة الاستثمار. ولأول مرة نرى الحكومة تتعطى مع موضوع الاستثمار بنفس الطموح التي تتعاطى به مع المشاريع الاستراتيجية الكبرى للملكة، ورغم الإكراهات في تدبير الأزمات المتعلقة بالنفقات (الدعم الاجتماعي، نتائج الحوار الاجتماعي..) إلا أن الحكومة واصلت الحفاظ على الاستثمار العمومي، على عكس السنوات الماضية التي كانت فيه الحكومات تلجئ إلى إلغاء الاستثمار العمومي للحفاظ على الموازنة العامة، لذلك أن ما يميز هذه الحكومة هو خطواتها الجريئة في الإصلاح الشامل لكل القطاعات وتدبير المخاطر بكل جرأة وابتكار. وبث الروح في ميثاق الاستثمار بالقانون 03.22 الجديد كان أول عربون للحكومة في نية الانخراط الجدي في تنزيل الإصلاح الأمثل للاستثمار في إطار تنفيذ التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، كما ورد في خطابه السامي بتاريخ 14 أكتوبر2022، حيث قال جلالته" ننتظر أن يعطي الميثاق الوطني للاستثمار، دفعة ملموسة، على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية". إن الفلسفة الجديدة للاستثمار نابعة من رؤية عميقة يتجاوز فيها البعد المالي إلى أبعاد متعددة، تخرج النص القانوني من طابعه التنظيمي الجامد إلى لعب أدوار تنموية شاملة، و هكذا من أهم أهداف الاستثمار خلق فرص للشغل جديدة عبر تشجيع المقاولة الوطنية و تطوير آليات الإنتاج المحلي و كذلك عبر جلب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة أن الميثاق الجديد يهدف الى تقلص الفوارق المجالية عبر تفعيل أدوار الجهوية المتقدمة بمنطق استثماري، و إعادة انتشار التركيز الاستثماري لتحقيق ما يمكن أن نسميه "الجهوية المالية" عبر تخليص الإلتقائية بين كل الفاعلين و المتدخلين والشراكات بين القطاع العام والخاص لإيجاد أرضية ملائمة للتحسين مناخ الأعمال حسب كل جهة، و باحترام الخصوصية المجالية و الترابية كمنطلق لإعادة انتشار الاستثمار. ولا شك أن الاستثمار العمومي لوحده لا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة، لذلك تعمل الحكومة حسب تصريح السيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة على دعم الاستثمار الخاص حيث ينصب المجهود الحكومي على تحقيق التوازن بين العام والخاص، في أفق بلوغ الاستثمار الخاص نصف مجموع الاستثمارات سنة 2026 على أن يصل إلى التلثين سنة 2030. إن مواكبة الإصلاح الطموح للنهوض بالاستثمار و تحسين مناخ الأعمال في سبيل تسريع الإقلاع الاقتصادي كما يراه جلالة الملك حفظه الله، لابد أن تواكبه إصلاحات هيكلية تُسهم في تسريع وثيرة الإنجاز، وهكذا سارعت الحكومة إلى إعادة إصلاح المنظومة الجبائية و تطوير منظومة الصفقات العمومية كما ينكب جهدها إلى تحديث التشريعات في اصلاح القطاعات المؤسساتية و المقولات العمومية و الخاصة، وخاصة اصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، حيث تم الشروع في مناقشة القانون رقم 22.24 بتغيير وتتميم القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة الجديدة. إن الإصلاح منظومة الاستثمار الوطني مشروع استراتيجي محفز ببعد تنافسي دولي، سيحقق نهضة تنموية شاملة يلعب فيها القطاع الخاص أدوار الريادة الى جانب القطاع العام لتحقيق التنمية المستدامة.