في هذه الحلقة الجديدة من برنامج "إضاءات"، تقدم رجاء ناجي مكاوي، عضو المجلس العلمي الأعلى وسفيرة المغرب بالفاتيكان، قرائتها لحدود اجتهاد المجلس العلمي الأعلى في القضايا المعروضة عليه بخصوص مدونة الأسرة، بعد التوجيه الملكي الأخير. كما تقدم مكاوي على مدى أزيد من 60 دقيقة من عمر البرنامج، نظرتها لمسألة الإرث والولاية والحضانة، ولتركيبة الأسرة المغربية وما لحقها من تحولات، والتحولات القيمية الطارئة على المجتمع المغربي وغياب المثقف العضوي والملتزم بقضايا المجتمع. بالإضافة لقرائتها لوضعية العجز التي تعيشها مختلف الدول والحروب في دول العالم العربي، والحرب على غزة، وملفات أخرى. ونبهت أول مغربية تجلس على كرسي الدروس الحسنية أمام الملك محمد السادس، إلى خطورة ما وصفته ب "التشديد على الرجل" في بعض القضايا المتعلقة بمدونة الأسرة، مبرزة أن هذا الأسلوب هو الذي أفرز مظاهر شاذة في الدول الغربية، حيث تحولت بعض الدول من ديكتاتورية الرجل إلى ديكتاتورية المرأة، داعية إلى إعمال نظرة متوازنة، تراعي حقوق الأسرة، وذلك خلال حلولها ضيفة على "بودكاست إضاءات" الذي تبثه جريدة العمق المغربي. اجتهادات مستبعدة وجوابا على الأسئلة المتعلقة بالمدونة وحدود اجتهاد المجلس، استبعدت مكاوي قضايا التعدد والإرث من مساحة الاجتهاد في الوقت الراهن، وإن أبدت موقفا مؤيدا للاجتهاد في بعض المسائل المتعلقة بالإرث، إلا أنها أشارت إلى أن "الاجتهاد بخصوصها يحتاج إلى دراسة والوقت حاليا غير مهيأ"، موضحة أن الاجتهاد في هذا الموضوع ينبغي أن يتم بعيدا عن "البوليميك". وأضافت في نفس السياق "الكثير من الأشياء على مستوى موضوع الإرث فيها نظر وتحتاج إلى اجتهاد بعيدا عن البوليميك والمزايدات"، موضحة أن عمر بن الخطاب كان يقول في عهده، "عجبا للعمة تورث ولا ترث"، وكان يستغرب، بالإضافة إلى قضايا أخرى تهم إرث الجد، مبرزة أن بعض القواعد تحتاج إلى إعادة نظر. ومن خلال أجوبتها، ناصرت مكاوي حق الأم المطلقة في أن تكون أما لأطفالها وألا تُحرم من أطفالها بمجرد قرارها بناء حياة زوجية جديدة، وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الولاية، حيث اعتبرت عدم تمكين الأم من الولاية على أطفالها بعد الطلاق حيفا لا أساس له. من جهة أخرى، أشارت مكاوي إلى الفصل 41 من الدستور، مبرزة أنه فصل يؤطر مهام الملك بصفته رئيسا للدولة وللقيادة العليا للجيش، وكأمير للمؤمنين، مشيرة إلى أن من صلاحياته حماية الثغور والملة والدين. وقالت إن مدونة الأسرة تضم قواعد قانونية منظمة للأسرة، مؤطرة بالقيم وبمبادئ الدين الإسلامي وقواعد أخرى إجرائية مسطرية، مبرزة أن عمل هيئة الإفتاء بالمجلس العلمي سينصب على تمحيص النقط التي لها صلة بالشريعة الإسلامية، وسيحدد إطارا للقضايا التي يمكن فيها الاجتهاد وتلك التي لا يمكن فيها ذلك. وتابعت مكاوي في ذات السياق، أن "الملك حين قال في سنة 2003 أنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، انطلق من كونه حامي الملة والدين"، مضيفة أن هناك ثوابت في المغرب تعتبر فوق الدستور، ولا يمكن حتى تعديلها، منها الخيار الديموقراطي، الملكية، والمرجعية الإسلامية، وهي من الثوابت التي تواضع عليها المغاربة منذ قرون. وقالت مكاوي إن الأسرة ليست عماد المجتمع وإنما فضاء أساسيا للتربية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبها يُبنى مجتمع سليم، وبالتالي يمكن اعتبارها من الثوابت فوق دستورية، مشيرة إلى أن هناك دولا اختارت جعل الفرد محور الاهتمام وغاية الدولة، فيما اختارت أخرى أن تجعل الأسرة هي محور الاهتمام، ليس تفريطا في الفرد وإنما خدمة له، باعتباره الكائن الوحيد الذي لا يمكنه العيش خارج الأسرة. وجوابا على سؤال حول حدود الاجتهاد التي سيقف عندها المجلس العلمي بخصوص القضايا المطروحة عليه، لاسيما في موضوع الإرث، قالت مكاوي، إن ما يجري في المجتمع ينذر بأمور كارثية، حيث وصلت نسب الطلاق لمئات الآلاف سنويا، ما ينذر بارتفاع نسب أبناء الطلاق، مضيفة أن هذا الوضع يؤثر بشكل أكبر على الفئات الفقيرة والهشة، ويهدد بارتفاع منسوب الجريمة والانحراف. ولفتت المتحدثة إلى أن القانون لوحده لا يكفي، والمعادلات الرياضية حول "حق الرجل وحق المرأة" تدخلنا في نفق لا يخدم الأسرة، مبرزة أن عددا من المشاكل أصلها لا يرجع إلى القوانين وإنما إلى انعدام التواصل بين الزوجين، وضعف التهيئة للزواج والأمومة والأبوة، بالإضافة إلى تغير المشهد الاجتماعي. بمنطق الرياضيات نفقة الرجل ليست عدلا وردا على تصريحات حقوقيين حول اعتبارهم "العدل والمساواة هما الحلال، وانعدام المساواة هو الحرام"، حذرت مما وصفته باستخدام قيمة العدل بمنطق رياضي، مشيرة إلى أنه بهذا المنطق، "يمكن أن نعتبر بعض الواجبات التي يتحملها الرجل غير عادلة، وإذا نظرنا للأمور بشكل مجتزأ، مثلا كون النفقة من واجب الرجل، الزوج أو الأب، ليست عدلا، فكيف للمرأة أن تشتغل وتكسب دخلا، وخلال الطلاق تطالب بتعويض عن المتعة والعدة"، مضيفة "إذا أردنا أن نغير المنظومة ينبغي أن نغيرها مجتمعة، وهذا لا يرضي الكثير من الحركات النسائية، التي تعتبر بعض الواجبات على الرجل حقوقا مكتسبة". وقالت إن عددا من القضايا وقع فيها اجتهاد لكن من داخل الشريعة، مشددة على ضرورة الاحتكام للقواعد التي تضم ما هو قطعي الثبوت والدلالة، والأخرى التي تهم ما هو ظني الثبوت والدلالة، مضيفة "عبر 15 قرنا كانت تُؤول النصوص بحسب الزمن والبيئة والنظام الاجتماعي السائد، بحيث سحبت في فترة معينة المرأة من ساحة الفعل السياسي، والتجاري والاقتصادي، وقبعت في البيت، فكان الناس ينطلقون من هذا الواقع لتأويل النصوص، فخرجت فتاوى تقول إن المرأة لا تغادر بيتها إلا مرتين في العمر، وبالتالي التقاليد والأعراف هي التي أفرزت هذه التأويلات وبحثت في النص عن التأويل". الذهاب إلى تجريم التعدد مقاربة غير سليمة، تقول مكاوي متحدثة عن مطالب حقوقية، موضحة أن كثرة التضييق على الأسرة يؤدي إلى تفجيرها، كما حصل للرجل في الغرب حيث ضيق عليه كثيرا فأوقف الزواج، وخلق خيارات أخرى، و"ما المثلية إلا واحدة من الخيارات التي أدى إليها تشديد القوانين على طرف واحد، والانتقال من ديكتاتورية الرجل إلى ديكتاتورية المرأة"، مدافعة على ضرورة الذهاب في الاتجاه المتوازن. وجوابا على أسئلة متعلقة بالتحولات القيمية التي يعرفها المجتمع المغربي، قالت مكاوي إن تحصين الأسر لأبنائهم مفتقد، بالإضافة إلى ضعفه في المؤسسات التعليمية، والهيئات التي تتدخل في التأطير والتوجيه، وهو ما فتح المجال أمام الهواتف والشاشات الإلكترونية التي أصبحت بيد الجميع، وأضحت المربي في بعض الأحيان. حول عدد من الملفات وما يجري في العالم من حروب، وما يواجه الشعوب في المنطقة العربية، بالإضافة إلى الحرب على غزة وما يجري في فلسطين، قدمت مكاوي أجوبتها في أزيد من 60 دقيقة من النقاش.