تلعب مراكز التفكير أدوارا حيوية في الإشعاع الديبلوماسي للدول بمساهماتها في تعزيز التفاهم والتعاون الدولي، عن طريق دفع عجلة العلم والمعرفة نحو التغيير الإيجابي في العالم، من خلال الأبحاث والدراسات ومد جسور الحوار البناء. وتقدم القراءات والتحليلات التي تنجزها المراكز البحثية دعما للقضايا الديبلوماسية من خلال تقديم المعرفة والخبرة اللازمة لصناع القرار والفاعلين العمومين لمعالجة التحديات الدولية وتعزيز التعاون الدولي. لمناقشة هذه الأدوار ومساهمتها في الدفاع عن القضايا الوطنية، تستضيف فقرة خمسة أسئلة، هذه المرة، الأستاذ الباحث بكلية الحقوق مراكش، الغالي الغيلاني، وهو أيضا رئيس مركز الديبلوماسية الدولي، وخبير ومستشار في مجال الدبلوماسية والاستراتيجية ومستشار سابق بديوان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي. هل لمراكز الدراسات دور في دعم القضايا الدبلوماسية للدول؟ لا شك أنكم على اطلاع بالدور الذي تقوم به مراكز الدراسات الاستراتيجية في الدول الغربية -خصوصا في الولاياتالمتحدةالأمريكية- حيث تبرز الأدوار الاستراتيجية لهاته المراكز في توجيه السياسات الخارجية للدول، ومعرفة التحديات وتقديم الحلول والتوصيات، ووضع خارطة طريق للدول لمواكبة ما يشهده النظام العالمي من مخاض. إن ما نعيشه اليوم بعد الحرب الباردة، وسط تجاذبات وتقاطعات على مستوى القوى الدولية، وظهور فاعلين جدد في العلاقات الدولية، تجاوزت العلاقات الكلاسيكية، إلى علاقات دولية ليس لإدارة العلاقات بين الدول فقط، بل لتدبير الأزمات المتعددة. إن مراكز الدراسات تعمل على توجيه السياسات الخارجية ومساعدة صانع القرار الدبلوماسي والاستراتيجي، والفاعل العمومي لكي يبلور سياسات واستراتيجيات تلائم التحديات الخطيرة والمحدقة، وتكون هذه الاستراتيجيات كما تعلمون على المدى المتوسط والبعيد المدى وليس على المدى القصير. ولأن التحديات العالمية التي نعيشها اليوم، تحديات خطيرة مرتبطة بالاضطرابات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والغذائية والطاقية وغيرها، فإننا حاجتنا اليوم ملحة لما يعرف بالتفكير الجماعي وبالذكاء الجماعي لكوكبة من الأساتذة والخبراء المتخصصين. كيف يمكن أن تساهم مراكز الدراسات في تحقيق الإشعاع الدولي للمغرب؟ بالمملكة المغربية، وفي عهد الملك محمد السادس نصره الله، أطلقت أوراشا كبيرة في المجال السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن المفيد والمهم أيضا أن تقوم مراكز الدراسات بأدوارها لمواكبة هذه الأوراش. إن مراكز الدراسات، وفي إطار ما يسمى بالدبلوماسية الموازية التي يقوم بها على سبيل المثال البرلمان وغيرها من الدبلوماسيات المتعددة الأشكال، يمكن لها المصالح بين المملكة المغربية وغيرها من الدول، عن طريق كوكبة من الأساتذة الجامعيين والخبراء المتخصصين في مجال الدراسات الدبلوماسية والعلاقات الخارجية والاستراتيجية. وفي إطار مواكبة وتثمين المكتسبات الدبلوماسية والتنموية والاقتصادية والاجتماعية للمغرب، تم الإعلان عن ميلاد مركز جديد أطلق عليه اسم "المركز الدبلوماسي الدولي". ويضم المركز الذي اختار القائمين عليه مدينة الداخلة مقرا له، باعتبار جهة الداخلة واد الذهب أضحت تلعب دورا كبير في انفتاح المغرب على عمقه الإفريقي. في قضية الصحراء مثلا.. كيف يمكن لمراكز الدراسات أن تساهم في حلّ هذا النزاع؟ لابد من الإشارة هنا إلى التوجيهات الملكية السامية التي دعت لتعبئة جيل جديد من القوى الوطنية الحية للدفاع عن القضايا العادلة للمملكة المغربية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، باعتبارها قضية وجود وليست قضية حدود. لهذا يجب على القائمين على مراكز الدراسات المتخصصة في هذا الإطار، وعند القيام بأدوارها في الدفاع عن قضية الصحراء، أن يكون الخطاب بلغة القانون الدولي وبلغة الترافع والمصالح وليست لغة المبادئ والعواطف. وهنا لابد أن أشير إلى أن المملكة المغربية وفق الرؤية الاستراتيجية للملك محمد السادس، بلا شك، قد راكمت مكتسبات عديدة على مستوى قضية الانتقال من مرحلة إدارة النزاع حول قضية الصحراء المغربية إلى مرحلة الحسم في مغربية الصحراء من خلال مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. على مراكز الدراسات تقديم دراسات وتوصيات واقتراحات، وأيضا المشاركة وتنظيم ندوات وطنية ودولية لتعبئة الفاعلين، خصوصا ما يتعلق بقضية الصحراء باعتبارها قضية المغاربة جميعا ملكا وحكومة وشعبا، مع التركيز على فئة الشباب وإشراكهم في تسوية هذا النزاع، كما أوصى بذلك مجلس الأمن. إن تعبئة الشباب وتوعيتهم وتزويدهم بآليات الترافع القانوني التي تتماشى والمعايير الدولية والاتفاقيات والقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، من شأنه أن يكوّن خطابا مبنيا على المحاججة، وخطاب مبني على لغة المصالح وليست لغة المبادئ فقط، وخطاب يتفاعل مع ما نشهده من تطورات ومستجدات في هذا الإطار. بشكل عام، ما هي الإكراهات التي تواجه مراكز الدراسات في المغرب؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟ بطبيعة الحال، هناك إكراهات كبيرة تواجه جميع مراكز الدراسات، خاصة تلك المتعلقة بالقدرة التمويلية وتعبئة الموارد، لأن الأمر يتطلب موارد مالية مهمة للقيام بدراسات معززة بإحصائيات ودراسات متعددة الأبعاد. وهناك تحدي آخر مرتبط بتعدد مجال الدراسة والبحث، كلما كان المركز منفتحا على مجالات عديدة كلما صعب الإحاطة بها من الناحية العملية. لذلك، سنعمل نحن في مركز الديبلوماسية الدولي، على التركيز على أحد المفاهيم التي نعتبر أنها في حاجة إلى تأصيل فكري، وهو مفهوم الأمن، في ارتباطه بالأمن المائي الأمن الغذائي الأمن الطاقي الأمن الروحي والأمن الاستراتيجي والدبلوماسي. لذلك، ينبغي تحيين هذه الاستراتيجيات لكي تتماشى مع التحديات التي تواجه النظام العالمي بصفة عامة والمنطقة والمملكة المغربية بصفة خاصة. ما هي رؤيتك لمستقبل مراكز الدراسات في ظل التطور التقني والعصر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي؟ إن ما نعيشه جراء الطفرة التكنولوجية ظهور تقنيات جديدة كالذكاء الصناعي وآثار ذلك سواء الإيجابي أو السلبي على سيادة الدول، وهذا الأم نبهت له هيئة الأممالمتحدة، التي دقت ناقوس الخطر نتيجة خطورة هذه الأنظمة الإلكترونية على حقوق الإنسان وعلى القرار والوجود البشري، وعلى مصداقية المعلومات، وما يمكنه من إذكاء الصراعات والأزمات والمساس بأنظمة الدول، عن طريق ما يعرف بالهجمات السيبرانية وغيرها من المواضيع التي أصبحت مطروحة وتفرض نفسها على أي باحث. هذه التطورات التقنية تتطلب من مراكز البحث التركيز عليها والخروج بمساعدة المشرع من أجل وضع ضوابط قانونية مؤطرة حتى نتحكم في التكنولوجيات، وإلا فإن التكنولوجيا ستتحكم فينا.