إن الهدف الأساسي للدبلوماسية هو الدفاع عن المصلحة الوطنية، لكن لابد من التنبيه إلى أن هذه المصلحة ليست قارة، إذ منها ما هو ثابت و منها ما هو متحول، وتجدر الإشارة إلى أن التعامل الدبلوماسي يتم في إطار عالم تتداخل فيه مصالح بلدان المعمور و بالتالي فهنالك ضرورة حتمية لأخذ المصالح المتنوعة بعين الاعتبار، وهي قضايا قد تكون متداخلة أحيانا و متنافية أحيانا أخرى، وبالتالي فتدبيرها يتطلب تعبئة مستمرة و ابتكار أساليب جديدة1، فقد حافظت السياسة الخارجية المغربية على الأولويات نفسها بحيث تأخذ قضية الصحراء حيزا كبيرا يهيمن على مختلف الملفات ، و بفعل أولوية ملف الصحراء في سياسته الخارجية عانى المغرب في تطوير علاقاته الإقليمية و البينية حيث لم يستطع تجاوز تبعات خطأ انسحابه من منظمة الاتحاد الإفريقي مما فتح الباب أمام "خصومه" للتمتع بالعمل من خلال تكتل قاري حرم منه، رغم البدائل الإقليمية التي حاول من خلالها تعويض هذا الغياب و تعزيز العلاقات الثنائية مع بعض الدول الإفريقية و التي لا يمكن أن تجيب في كل الأحول عن سياسة الكرسي الفارغ الذي تبناه في الاتحاد الإفريقي 2 ، فقضية الصحراء تعتبر من بين المعضلات المصيرية التي يواجهها المغرب منذ حصوله على الاستقلال وخاصة خلال الربع الأخير من القرن المنصرم3 فالبوليساريو قد راهن منذ سنوات على صياغة و رسم إستراتيجية جديدة للدفاع عن موقفه في نزاع الصحراء، والمتمثل بالطرح الانفصالي المغلف بمبدأ "تقرير المصير" في مواجهة المغرب وسط المنتظم الدولي ،هذا الرهان جعله نسبيا يحقق بعض المكتسبات، من ضمنها دفع المنتظم الدولي إلى التفكير جديا في إنهاء هذا النزاع ،و التعامل معه كملف حقوقي بالأساس، فعدم نجاح المقاربات التي اعتمدتها الأممالمتحدة بين أطراف النزاع ، سيؤدي لا محالة الى بلورة تصور جديد للحل من خلال مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة مجلس الأمن بالبحث عن مقاربة جديدة، وقد تكون نحو الانتقال من الفصل السادس لميثاق الأممالمتحدة الذي ينص على البحث عن حل في إطار توافقي نحو الفصل السابع ،وهي بداية التفكير في مقترح جديد، يجري الحديث عنه مسبقا يرمي إلى المزج بين الحكم الذاتي و تقرير المصير. وهذا الانتقال إلى الفصل السابع سيكون مرنا وتدريجيا، بحكم أن نزاع الصحراء لا يشكل خطرا محدقا على استقرار منطقة شمال إفريقيا 4 و هو ما يفسر انتقال ملك المغرب مرفوقا بمستشاريه الى العاصمة الروسية موسكو للبحث عن دعم لا يتوافق و التوجه الجديد للأمم المتحدة5. انطلاقا مما أشرنا إليه حول الدبلوماسية المغربية بشقيها الرسمي و الموازي في التعاطي مع ملف الصحراء، و مواطن الخلل في هذا التعاطي،من الواجب التساؤل عن كيفية تجاوز الخلل ذاك، على اعتبار أن ملف الصحراء ظل و لوقت ليس بالهين حكرا على المؤسسة الملكية ،ومن أولى أولويات السياسة الخارجية المغربية . فإلى أي مدى تم تكييف ملف الصحراء مع اكراهات الواقع الدولي؟ و هل اقتصار الفعل الدبلوماسي على مبادرات الملك كاف لإيجاد حل لهذا الملف ؟ و هل بالإمكان الحديث في ظل هذا المعطى، عن دور فعال للدبلوماسية الموازية قادر على خدمة هذه القضية ؟ وهل يمكن الحديث عن تجاوز الدبلوماسية المغربية لأخطائها في تدبير هذا الملف؟ كلها أسئلة سنحاول الإجابة عنها من خلال الوقوف على مكامن خلل الدبلوماسية المغربية بشقيها الرسمي و الموازي، و المساهمة في بلورة تصور بديل للتعاطي مع هذا الملف بالاعتماد على مجموعة من الكتابات التي تناولت الموضوع . أولا: تأثير ملف الصحراء على خطب الملك تتأسس الخطب الملكية على بعدين و مرتكزين أساسيين لحل نزاع الصحراء وواجهتين تتمثلان في: واجهة فعالية تدبير الشأن المحلي و دمقرطته و التوجه إلى المنتظم الدولي بمبادرة الحكم الذاتي، فالخطب الملكية كبنية لها قواعدها الشكلية و الموضوعية كما تعتبر حديثا عن فكر و قيم و خطط و تفسيرات و مفاهيم ومن يصدرها هو الملك أمير المؤمنين,رئيس الدولة، الحكم الأسمى، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية, وبالتالي فكل كلمة ينطق بها الملك و هو يمارس صلاحياته الدينية ،السيادية، الضمانية و التحكيمية و حتى التي تنضوي في الحالة المدنية له على كلام جدي و مرجعي يجب التقاطه و الاسترشاد به، فأهمية الخطاب تبقى رهينة بظرفيته ، بمضمونه ، بأسلوبه ، بانفعاليته ، ببعده الايجابي و بغائيته6 . وعلى هذا الأساس سنتطرق في الفقرة الأولى للخطب الملكية لسنة 2013 على اعتبارها سنة استثنائية بالنسبة لملف الصحراء المغربية وربطها بالتغيرات التي حصلت على مستوى هرم الإدارة الأمريكية. أ : الخطاب الافتتاحي للبرلمان لسنة 2013 اعترف الملك محمد السادس في خطابه الافتتاحي للبرلمان المغربي في دورته التشريعية الجديدة مساء الجمعة 11 أكتوبر 2013 بالوضع الصعب الذي يجتازه ملف الصحراء المغربية و طالب نواب البرلمان وفاعلين آخرين مثل الإعلام و الأحزاب و المجالس المنتخبة بالتحرك و عدم انتظار المبادرات الملكية5 ومن أبرز العناصر التحذيرية الواردة في الخطاب الملكي يمكن تلخيصها في تحديات صعبة للغاية يواجهها ملف الصحراء دوليا، فقد استطاع المغرب تجاوز بعضها بينما البعض الآخر يستمر قائما, وذلك في إشارة منه إلى محاولة واشنطن تكليف قوات "المينورسو" مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وأشار إلى ما وصفه بالاختلالات في التعامل مع قضيتنا المصيرية الأولى رغم التحركات الجادة التي يقوم بها بعض البرلمانيين إلا أنها تظل غير كافية ، ويبقى جوهر الخطاب بشأن مستقبل الصحراء قوله "إن الوضع صعب و الأمور لم تحسم بعد و مناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف ،مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة"8 ومن بين التطورات الأساسية و الرئيسية نذكر التغيرات في الإدارة الأمريكية و التي تعتبر عنصرا مقلقا للمغرب و لمصالحه في ملف الصحراء دوليا و يتجلى في التغيرات التي شهدتها مراكز صنع القرار ابتداء من سنة 2012 في الولاياتالمتحدة و التي حملت معها إستراتيجية جديدة لواشنطن تجاه العالم و التي تجلت من خلالها برودة في العلاقة المغربية الأمريكية وأخيرا التعيينات في الإدارة الأمريكية في مناصب حساسة للغاية و غير ودية للمغرب، فخلال سنة 2012 أعلن الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" عن تغيير استراتيجي و تاريخي في سياسة بلاده المستقبلية مؤكدا أن المستقبل سيتمحور و اخذ في التبلور في المحيط الهادي بين ضفتي الولاياتالمتحدة و آسيا وبهذا يفقد المحيط الأطلسي قيمته الإستراتيجية و فقدان هذه الأهمية يجعله يفقد مدافعين سياسيين عنه و علاوة على البرودة التي تميزت منذ وصول "باراك اوباما" إلى رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية و علاوة على هذه البرودة فقد تقدمت واشنطن إلى مجلس الأمن بمقترح مراقبة قوات "المينورسو" لحقوق الإنسان في منطقة الصحراء خلال مناقشة قرار أبريل 2013 حول الصحراء و رغم فشل المقترح الأمريكي إلا أنه يبقى منعطفا تاريخيا في برودة العلاقات الأمريكية المغربية و فقدانها الطابع الاستراتيجي 9 وهو ما يفسر و يزكي الخلل في تسيير ملف الصحراء و الذي يكمن في فشل المغرب في استيعاب التطورات الدولية و عدم استيعابه للأجندة الجديدة للولايات المتحدةالأمريكية دون إدراكه لعمق الخطط الإستراتيجية الجديدةلواشنطن بحيث لا يمثل المغرب شيئا في هذا التطور ولا حاجة لواشنطن لها به، وتزامن هذا المنعطف مع فقدان المغرب لناطق باسم مصالحه في الإدارة الأمريكية بعد ذهاب "هيلاري كلينتون " ووصول مسؤولين مثل "سوزان رايس" مستشارة الأمن القومي و "سامانثا باور" السفيرة لدى مجلس الأمن اللتان تتعاطفان مع جبهة "البوليساريو" و لا تتسامحان مع خروقات حقوق الإنسان 10 كلها عوامل تعزى إلى أن الدبلوماسية المغربية تسبح ضد التيار ومازالت رهينة الاستئثار الملكي على الرغم من التعديلات الأخيرة التي حملها دستور 2011 و الحدث الأخير المرتبط بتطورات قضية الصحراء يقيم الحجة و البرهان ,حيث أبان عن واقع الدبلوماسية المغربية غير الفعالة و غير الممأسسة بمعية أن جل الفاعلين ظلوا في حالة من العجز أمام متغيرات الموقف الأمريكي ،فالملك يظهر بمظهر الفاعل الدبلوماسي الرئيسي بينما الفواعل الدولية الأخرى في حالة من الانتظارية و التبعية حتى على مستوى التعبير الدبلوماسي, وعلى الرغم من الانتصار الذي حققته دبلوماسية الملك من خلال استثمار العلاقات الشخصية إلا أن الأمر يدعو إلى إقامة مراجعات كثيرة في بنية و نسق هذه الدبلوماسية خصوصا في شقها المتعلق بملف الصحراء الذي يستوجب تعبئة كل الجهود و القدرات و تشكيل جبهة وطنية تجمع جل الفاعلين حتى تكتسب الدبلوماسية المغربية قوة التأثير و الإقناع، "فالدبلوماسية الأحادية الرأس" وعلى الرغم من مما قد تملكه من أدوات و إمكانيات إلا أنها لن تصمد كثيرا في عالم تغلب عليه لغة المصالح و التعبئة الدبلوماسية المضادة 11 ،فالوطنية بدون تفكير و تخطيط استراتيجي و الولاءات للأشخاص قبل الوطن و التركيز على التعبئة الداخلية بدل الخارجية لن تحافظ على الصحراء ضمن المغرب الموحد بل ستساهم في ضياعها، فشخصنة الفعل الدبلوماسي في الملك خصوصا فيما هو مرتبط بقضية الصحراء يتعارض مع متطلبات الدبلوماسية الحديثة إذ من غير الممكن اجترار نفس الأخطاء في العمل الدبلوماسي و تكرارها بنفس المنحى و السياقات و بمنطق الاستئثار المطلق من طرف الملك خصوصا مع اشتداد التنافسية الدبلوماسية حول قضية الصحراء ،فالراهن يستوجب التوسع من دائرة التشاركية و فتح منافذ و قنوات دبلوماسية متنوعة و متشبعة فثقل ووزن العلاقات الشخصية للملك قد تخدم قضية الصحراء لكن بشكل ظرفي و مؤقت،فالضرورة تقتضي تقوية هذه الدبلوماسية بقنوات أخرى متنوعة و متعددة المنافذ من قبيل الدبلوماسية الموازية كما أن الوضع و التحدي الجديدين لقضية الصحراء يفرض مأسسة الدبلوماسية ونزعها فتيل الشخصنة و التوسيع من دائرة متخذي القرار الدبلوماسي. 12 ب : الدبلوماسية المغربية وطبيعة التحالفات الدولية يقوم العمل الدبلوماسي على الدفاع عن معتقدات الدولة أمام التحديات التي يواجهها من المعتقدات الأخرى كإحدى أهداف السياسة الخارجية، خاصة إذا كانت ستترك أثرا على النظام السياسي للدولة و على قيم ووحدة المجتمع، وبالرجوع إلى قضية الوحدة الترابية و المراحل التي قطعتها كأحد المحددات في رسم التوجه للعمل الدبلوماسي المغربي كلها عوامل دفعت الدبلوماسية المغربية إلى إعادة النظر في تقوية علاقاتها الثنائية و المتعددة الأطراف وذلك من خلال المنظور المغربي و توظيفه عبر أسس إستراتيجية على مستوى الأهداف و الوسائل في ظل دبلوماسية مندمجة توازي بين الأداء السياسي و الاقتصادي وحتى الثقافي 13 ، فلقد ظل الفعل الدبلوماسي المغربي في تعاطيه مع قضية الصحراء يستند إلى تركيبة مشكلة من المثالية و العواطف و التوسل و الاستعطاف بعيدا عن الواقعية و لغة المصالح المؤطرة لمنظومة العلاقات الدولية، فالعلاقة بين الدول تنطق بلغة المصالح و المواقف تبنى على أساس مصلحي قاهر ولا ترتكن للترضيات المجانية , واتجاهات المواقف تغيرها بوصلة المصالح فبحسب بسمارك فان"العوامل العاطفية توشك أن تكون معدومة الأثر في حلبة السياسة كما هي في ميدان التجارة" ،فلغة المصالح هي الموجه للسلوك الخارجي و الدبلوماسي الأمريكيين وليس لغة المبادئ و التعبير عن الموقف،قيم بمنهاج التحصيل المصلحي ، والحسابات الجيوستراتيجية و السياسية حاضرة بقوة، بمعنى أن المصالح الإستراتيجية و السياسية و الاقتصادية و التجارية تلعب دور المحرك و الدافع للسلوك الدبلوماسي الأمريكي بدرجة أولى، فإستراتيجية العهد الجديد في المجال الدبلوماسي أصبحت ترتكز على حماية المصالح الحيوية للمغرب من جهة وجعل الدبلوماسية وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة بسائر تمظهراتها و بالتالي فلم يكن غريبا أن يتم التركيز على التعاون الاقتصادي و السياسات الاندماجية المتعددة الاتجاهات، ويمكن القول أن وزارة الخارجية لم تتمكن من تحقيق التفعيل المطلوب لهذه الاستراتيجية، إذ ظل الأداء الدبلوماسي مبعثرا و موسميا و ذا صبغة ظرفية ,وكان يظهر للكثيرين وكأن الدبلوماسية المغربية تكتفي بالحفاظ على الوضع القائم و المواقف الدفاعية بل و تمارس أحيانا سياسة الكرسي الفارغ, وهي قد تتفادى الهجوم لكنها في نفس الوقت انفعالية إذ قد تتخذ قرارات دون احتساب مضاعفاتها المستقبلية، وبالتأكيد فان هذا الخلل في الأداء كان يحتم على المؤسسة الملكية بين حين وآخر أن تتدخل بقوة لإعادة الأمور إلى نصابها أو تفادي انزلاقات خطيرة قد تمس بالمصالح العليا للبلاد، لذلك فقد أدركت الدبلوماسية المغربية أن طبيعة التحالفات تغيرت بعد نهاية الحرب الباردة و المصالح الحيوية أصبحت هي المؤطر الأساسي لسلوك الدول الكبرى وهكذا وعلى الرغم من تطوير العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال اعتبار المغرب شريكا استراتيجيا خارج الحلف الأطلسي و توقيع اتفاقية التبادل الحر و دخولها حيز التنفيذ و الشروع في لقاءات التعاون الاستراتيجي فان المغرب ما فتئ ينوع شراكته منفتحا على الفاعلين الجدد مثل روسيا و الصين أو على البلدان الصاعدة في أسيا و أمريكا اللاتينية14،وهو الشئ الذي يؤكده العتاب الدبلوماسي و النقد الموجه في خطاب الملك لموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من الصحراء من خلال تأكيده على برودة العلاقات الحالية بين واشنطن و الرباط,فالانحياز الأمريكي إلى موقف الجزائر و "البوليساريو" يمكن قراءته من خلال جملة من المحددات المرتبطة أساسا بالمصالح الأمريكية بدرجة قصوى حيث هي المحدد الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية ، والتي تتشكل بشكل رئيسي من الشراكة الاقتصادية القوية بين صناع القرار الرسمي الجزائري و خاصة منهم الجنرالات و المؤسسات العسكرية الأمريكية ففي الوقت الراهن تبقى نسب التسلح الجزائرية جد مرتفعة خلال السنتين الأخيرتين من السلاح الأمريكي و الأول إفريقيا و الثالث شرق أوسطيا لذلك لا يمكن استبعاد حجم تأثير الشركات الأمريكية العملاقة و المؤثرة في السياسة الأمريكية الداخلية و الخارجية و التي لها ارتباط وثيق بتغير و انحياز الموقف الأمريكي بخصوص الصحراء ، إضافة إلى العلاقات الوطيدة التي بدأت تنسج بين الرئيس الجزائري و صناع القرار لدى "منظمة ايباك الدولية" التي تؤثر في السياسة الدولية و الخارجية الأمريكية و الطفرة البترولية التي تعرفها الجزائر و الدور المحوري الذي تقوم به في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل و الصحراء،مما يفسر التغير في المواقف الأمريكية و الأوربية لفائدة الجزائر و "البوليساريو"15 كما أن الولاياتالمتحدة باعتبارها فاعلا رئيسيا في العلاقات الدولية و مع إعادة انتخاب الديمقراطيين وبروز قيادة جديدة في كتابة الدولة في الخارجية و المعروفة بتعاطفها مع مركز روبرت كينيدي و سعيا من الولاياتالمتحدةالأمريكية للحفاظ على قدرتها في المبادرة التقطت التقارير وطرحت توضيحها بضرورة توسيع صلاحيات "المينورسو" كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ذات المعالم المتعددة وخاصة فرنسا و اسبانيا و بريطانيا التقطت توصيات برلمان عموم إفريقيا التي تطالب الاتحاد الإفريقي بالعمل على توسيع صلاحيات "المينورسو" لتشمل ضمان احترام حقوق الإنسان في الصحراء و الملاحظ أن الولاياتالمتحدة وان بشكل منفرد أسست لموقفها بمرجعية المجتمع المدني الدولي,حتى لا يظهر أن موقفها مبني على إبعاد المغرب للمبعوث الشخصي للأمم المتحدة إلى الصحراء "كريستوفر روس" من مهامه أو أن مبادرتها تروم رد الاعتبار لفشل "مخطط بيكر" المبعوث الأسبق للمنطقة16،وربطا بما ذكرناه سابقا من تطور للأحداث في بعدها الدولي و التي لا تصب في مصلحة المغرب يلاحظ أن الخطب الملكية في عهد الملك محمد السادس أخذت أبعادا متطورة و متسارعة في حمولاتها السياسية المتجددة لدرجة لم تستطع النخب السياسية و الحزبية مجاراتها بل في أحيان كثيرة تبدو هذه الأخيرة و كأنها تختلف عنها ،فالخطب لملكية الأخيرة و انسجاما مع التطورات الدولية التي كانت مبادرة توسيع صلاحيات "المينورسو" من بينها من الأمور الأساسية و الهامة التي جعلت الدبلوماسية الرسمية المشخصة في الملك تعيد التفكير و النظر في عدة أمور و إعادة ترتيب الأولويات بالنسبة لها و تغير نبرة الخطاب، فمنذ سنة 2013 إلى حدود سنة 2015 حبلت الخطابات الملكية بالعديد من الرسائل النافذة و العميقة بعضها موجه للداخل، والبعض الآخر موجه للمحيط الإقليمي و الدولي و هو ما تجسد في خطاب الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة17 والذي أكد على أن لكل بلد مساره الخاص حسب تطوره التاريخي و رصيده الحضاري و ما يتوفر عليه من طاقات بشرية و حضرية و خصوصيات سياسية 18 ، و بذلك فخطب الملك أضحت تستأثر باهتمام بالغ نظرا للتغير الملحوظ في نبرة الخطاب و كذا التحليل الذي تتميز به من خلال طرحها لحلول واقعية لقضية الصحراء، إضافة إلى ضرورة تنويع الفاعلين على المستوى الدولي و العمل على تقوية الدبلوماسية الموازية. ثانيا : نحو دبلوماسية قوية وحديثة يعتبر موضوع الوحدة الترابية للمغرب من المواضيع التي تكتسي حساسية بالغة في الدبلوماسية المغربية ، كما أنه يحتل مركزا محوريا في العملية السياسية الرسمية، وتعد من ثوابت الأمة المغربية حسب النسق المؤسساتي و الدستوري, إلا أنها لا تشكل انشغالا هاما في الفكر السياسي المغربي، وهذا شيء طبيعي على اعتبار أن تناولها أو استحضارها مناسبتيا, وخارجا عن دائرة النقاش العمومي في كل أبعاده حتى أصبحت من الطابوهات و الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها، لقد أصبحت قضية الصحراء لدى الرأي العام و نخبة مرتبطة بالملك و محيطه تدبيريا و سياسيا سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقات الخارجية ويبدو أن الدبلوماسية الموازية هي خارج التأثير أو الوجود الفعلي أو القدرة على الاقتراح ودليلنا ما وقع قبيل و بعد المصادقة على قرار مجلس الأمن في 25 أبريل 2013 19، فعلى المستوى العملي، أثبتت الدبلوماسية الموازية في العالم نجاعتها في معالجة الملفات الكبيرة لاسيما على المستوى الدولي، بل إن المجتمع المدني و الجماعات الضاغطة و الرأي العام بكل أشكاله استطاع أن يصبح رقما مهما في المعادلة الدولية, وأن يصبح مناصرا لملفات بعينها جعلت اعتي الدول تتراجع و تفشل في تمرير أجندتها, لقد أثبتت التجربة أن الانتصارات الدبلوماسية الكبيرة التي تم تحقيقها بمعية دول كثيرة كانت ثمرة شراكة قوية بين الدبلوماسية الرسمية و الموازية بكل تلاوينها "البرلمانية, الاقتصادية ' الثقافية , الحزبية , الجمعوية و الإعلامية..." فلا مناص من فتح نقاش عمومي وطني حول هذه القضايا الهامة , كما أن تفعيل المؤسسات الوطنية الرسمية منها و الموازية وضرورة بلورة خطة عمل واضحة و تنسيق مجالات التحرك بين الرسمي و الموازي ، ومحاولة البحث عن شركاء دوليين جدد و إخراج الملف من بين أيدي الأطراف الدولية الكلاسيكية و امتلاك سيناريوهات و خطط عمل بديلة رهينة بالتحولات السياسية التي تفرزها الانتخابات في هذه الدول و استحضار الوضع الأمني المقلق في جنوب الصحراء و ما يعنيه من فوضى و انتشار لرقعة الإرهاب في هذه المنطقة سيكون لا محالة مدخلا لإعطاء نفس جديد للملف20 ,كما أن واقع حال العقل الدبلوماسي المغربي في مقاربته و تعاطيه مع قضية الصحراء خصوصا بالارتباط مع التطور و المخاض العسير الذي عرفته نتيجة الموقف الأمريكي الأخير، يؤشر على أن هناك ثغرات توسم منطق اشتغاله و عمله انطلاقا من منطق التفكير الدبلوماسي21 كما أن الدور المحوري لوزارة الخارجية المغربية و الذي يمكن انجازه على المدى القصير و المتوسط و أساسا مع الدول التي لها أهمية قصوى لدى المغرب و ذلك من خلال وضع استراتيجية سياسية و اقتصادية تقوم على أهداف و أولويات ذات بعد اجتماعي يعود بالنفع على المغرب و القطع مع ما كان يسمى بالدبلوماسية الكلاسيكية التي تقتصر على حضور الحفلات و اللقاءات البروتوكولية و المجاملاتية كما أن الخطابات الأخيرة للملك كما سبقت الإشارة إلى ذلك فقد شكلت منعطفا هاما في قراءة الدبلوماسية البرلمانية و الدبلوماسية الموازية المتمثلة في تحرك الأحزاب و منظمات المجتمع المدني التي وجه لها نقدا صريحا و قاسيا22 ، ولعل ما يلاحظ عموما بخصوص موقع و مكانة الأحزاب في النظام السياسي المغربي هو وضعية الضعف و القصور الذي تعانيه في صياغة الاستراتيجيات التنموية الكفيلة للنهوض بالواقع الاجتماعي المغربي، إذ أنه خارج التصورات الملكية تغيب البرامج السياسية الحقيقية القابلة للأجرأة و التطبيق لدى معظم الأحزاب السياسية مع وجود استثناءات قليلة ، وبذلك يبقى دور الفاعل الحزبي الوطني سواء كان في الحكومة أو خارجها مقتصرا على تنفيذ التصورات الملكية في الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية23 ، فالدبلوماسية المغربية مازالت تفتقد إلى البعد الاستراتيجي القائم على التخطيط على المدى المتوسط و البعيد ، وغير مسايرة و غير مدركة لمختلف المتغيرات الجيوستراتيجية، فطالما رسمت بأنها دبلوماسية تقبع في الانتظارية و الاتكالية و يعوزها حس الدبلوماسية الهجومية مما يخلق لها صعوبات كثيرة في تثبيت مفعولها و فعاليتها على مستوى المنتظم الدولي24. اذن فالمسالة متعلقة أساسا بقصور حول التصورات و عدم إشراك مختلف التوجهات في المساهمة بمجموعة من التصورات من شأنها أن تساهم في بلورة رؤية علمية تعتمد على تقريب و إشراك الجميع في ملفات مثل هذا النوع ،فالعلاقات الدولية هي أساسا تعتمد على المدرسة الواقعية في البناء و التحليل معتمدة بالدرجة الأولى على الأساس المصلحي لذا يجب على الدبلوماسية المغربية أن تكون واعية تمام الوعي بإشكالات الواقع الدولي و ما أضحى يعرفه من تعقيدات و تناقضات فمشاركة الجميع و طرح البدائل العلمية من شأنها أن تبعد المغرب من متاهات هو في منأى عنها أما منطق الاحتكار و "دبلوماسية الرأس الواحد" و التبعية في التصورات من شأنه أن يعيد نفس تبعات أخطاء الدبلوماسية المغربية، لذا و بناء على ما تم ذكره من ضرورة ملحة لبناء دبلوماسية قوية تعكس قوة و توجهات الدولة فالسبيل لبناء فعال و متين لن يرقى الا بالاستناد على التوصيات التالية: أ : من فتح نقاش عمومي وطني حول قضايا هامة مثل قضية الصحراء و اشراك مختلف التوجهات الحزبية و الجمعوية و عدم الاقتصار على الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي نظرا لعدم اجتهادها في بلورة تصور معين و اعتمادها فقط على التصورات الملكية في هذا الشأن ب : محاولة البحث عن شركاء دوليين جدد و إخراج الملف من بين أيدي الأطراف الدولية الكلاسيكية فالعالم اليوم أصبح يعرف تعددا للقوى و بذلك فالاعتماد على الحلفاء الكلاسيكيين أضحى متجاوزا ج : العمل على تقوية البحث العلمي وسط الجامعات و التنسيق مع الشعب التي لها علاقة بالدبلوماسية من خلال الإشراف و التكوين و التأطير وتفعيل شراكات متنوعة و متعددة تروم تجديد الهياكل و الأطر من داخل وزارة الخارجية و مختلف روافدها بالاعتماد على خريجي الجامعات المغربية ذوو التكوين العالي في المجال الدبلوماسي. باحث في الشأن الدولي و الدبلوماسي المراجع: عدد القراء : 872 | قراء اليوم : 1