يستعد رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل أتال، للقيام بزيارة رسمية للمغرب في يونيو المقبل، بحسب ما كشفت عنه الصحافة الفرنسية، وهي الزيارة التي تأتي بعد خطوات اتخذتها فرنسا لردم هوة قطيعة دبلوماسية استمرت لسنوات مع المملكة المغربية. النظارة المغربية وكان الملك محمد السادس قد أوضح في خطاب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب سنة 2022، أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"، لكن الموقف الفرنسي من القضية الوطنية ظل ملتبسا وغامضا. وفي هذا الصدد قال أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، عبد الفتاح البلعمشي، إن السياسة الخارجية المغربية حددت شروط الشراكات الاستراتيجية للمملكة، كما لمس مؤشرات على سير فرنسا في اتجاه تقديم موقف واضح وصريح يقر بمغربية الصحراء. لكن أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس، عبد النبي صبري تساءل؛ هل استجابت فرنسا لما ورد في الخطاب الملكي واستنتجت بأن تطبيع العلاقات مع المغرب يمر عبر الاعتراف الصريح العلني والواضح بمغربية الصحراء أم أن الأمر يتعلق بوضع فرنسا لعينها على صفقات مونديال 2030؟ وتوترت العلاقات بين المغرب وفرنسا في أواخر 2020، بعدما أعلنت الولاياتالمتحدة اعترافها بمغربية الصحراء، في مقابل تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، ما دفع المغرب إلى الضغط على باريس وباقي حلفائه الغربيين للاعتراف بسيادته على الصحراء. كما ساهمت اتهامات وجهتها جهات إعلامية وسياسية فرنسية للمغرب بالتجسس على مسؤولين رفيعي المستوى بباريس، بينهم الرئيس إيمانويل ماكرون في إطار قضية "برنامج التجسس بيغاسوس"، في توسيع هوة القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، ناهيك عن تقارب باريس مع الجزائر. عين على الصفقات وفي ما يتعلق ب"صدق الصداقات ونجاعة الشراكات"، يقول عبد النبي صبري، في تصريح ل"العمق"، إن الصداقة المغربية الفرنسية متجذرة ولها أصول، و"هذه الأصول مرتبطة بالمصالح الفرنسية على مستوى المغرب والقارة"، معتبرا أن "فرنسا استنتجت بسذاجة إمكانية الاستمرار في اللعب بالمصطلحات التي تحمل أكثر من دلالة". وإذا ظنت فرنسا أن سياسة وضع رجل هنا ورجل هناك ستنفع مع المغرب، لكي تضمن حصة من الصفقات الكبرى في إطار استعداد المغرب لاحتضان مونديال 2030، يقول صبري، فإن المغرب أوضح بأن استمرار باريس في سياستها القديمة لن يجدي نفعا. وتابع أن فرنسا، التي كانت جزءا من مشكل قضية الصحراء، إذا أرادت تطبيع علاقاتها مع المغرب يجب أن "تكون جزءا من الحل وتعترف بعبارت صريحة لا تقبل الدلالة الظنية والتأويلات المختلفة بمغربية الصحراء"، وهذا يجعل العلاقات منفتحة على آفاق أوسع وأرحب. وأشار إلى السياسة التي نهجها المغرب مع كل من ألمانيا وإسبانيا، بحيث "فهمت مدريد الرسالة جيدا وعادت إلى جادة الصواب، إذ تؤكد يوما بعد يوما على متانة وقوة علاقاتها مع المغرب واستقرارها. وفي أواخر العام الماضي تصاعدت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا إثر تشديد باريس لشروط منح التأشيرات للمغاربة بدعوى رفض المملكة إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها، وهو الإجراء الذي استنكرته الرباط واعتبرته "غير مبرر". وعلى الرغم من إعلان فرنسا لرفع جميع القيود على منح التأشيرات للمواطنين المغاربة، إلا أن العلاقات بينها وبين المغرب ظلت متوترة واستمرت القطيعة الدبلوماسية بينهما، نظرا لغموض والتباس الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية. مؤشرات دالة بدوره أكد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، عبد الفتاح البلعمشي، في تصريح لجريدة "العمق"، أن السياسة الخارجية المغربية حددت شروط شراكاته الاستراتيجية، مشيرا إلى وجود مؤشرات تدل على أن فرنسا تسير في اتجاه الإقرار الصريح بمغربية الصحراء استجابة لهذه الشروط. وقبل شهور شرعت فرنسا في تليين خطابها تجاه المغرب، وذلك عبر بعض مسؤوليها، من قبيل سفيرها بالرباط كريستوف لوكورتييه، الذي أكد، خلال ندوة في فبراير الماضي، أن بناء مستقبل مشترك بين بلاده والمغرب، مرتبط بشكل أساسي بتوضيح فرنسا لموقفها بشأن قضية الصحراء المغربية. بالإضافة إلى تعبير وزير الخارجية الفرنسي عن انخراط بلاده في استئناف الاتصالات مع المغرب وتأكيده على الأهمية الحيوية للعلاقات بين البلدين، وهو ما اعتبره البلعمشي مؤشرا على رغبة باريس في تجاوز مرحلة الجفاء والتوتر في العلاقات بينها وبين المملكة واسترجاع مكانتها لدى المغرب. كما ظهرت أصوات داخل المشهد السياسي الفرنسي تدعو إلى ضرورة إقرار باريس صراحة بمغربية الصحراء، يقول البلعمشي، خصوصا أن 14 دولة أوروبية عدلت من موقفها بهذا الخصوص، وشدد على أنه "لم يعد بالإمكان بالنسبة للمغرب الاستمرار في التعاون مع فرنسا بدون تحقيق هذا الشرط". وتابع أن زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للمغرب المرتقبة في يونيو المقبل، التي تحدثت عنها الصحافة الفرنسية، مؤشر على استعداد فرنسا للإقرار بمغربية الصحراء، خصوصا أن المملكة لم تبعث مسؤولين في زيارات لباريس، وهو ما يؤشر على تمسك الرباط بشروطها لعودة العلاقات.