تكاد تجمع أغلب القراءات السياسية الراهنة على وجود أزمة سياسية بين فرنسا والمغرب، و هي الأزمة التي انتقلت من مرحلة السكوت و عدم الإفصاح إلى الطفو على السطح رويدا رويدا. فمن جهتها، لا زالت فرنسا تتمسك بعدم التنازل عن قرار تقليص التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة. فهل يمكن أن تتحول هذه التشنجات الصامتة إلى أزمة حقيقية معلنة أم أنها مجرد أزمة عابرة؟ رسالة24 ربطت الاتصال بعبد النبي صبري أستاذ العلاقات الدولية للحديث حول هذا الموضوع. يرى الأستاذ عبد النبي صبري أن فهم ما يجري يتعلق بضرورة العودة إلى جذور العلاقات المغربية الفرنسية. و يوضح في هذا الصدد، أنها جذور استعمارية بالأساس كرستها الحماية الفرنسية. ففرنسا اليوم تعتبر أن مستعمراتها السابقة لا يجب عليها الخروج عن دائرة رسمت لها، و المغرب عندها مثل باقي المستعمرات الفرنسية السابقة يحب أن تستمر تحت وطأة التبعية، و هو المنطق الذي يوجه معنى الصداقة و الشراكة التي تجمع البلدين. فالشراكة لا ترتبط بمبدأ رابح رابح، و الاستثمارات لا ترتبط بتقاسم الأرباح والمنافع وبتقاسم المخاطر إن هي وجدت، وبتقاسم المسؤوليات بل ينبغي أن تصب في مصلحة فرنسا فقط. ويتابع صبري، قائلا: إن فرنسا كما عهدناها دائما تصدح بكون المغرب شريكها الأول، و أنها متصدر الاستثمار بالمغرب و بدون منازع. لكن، في الباطن هي المستغل الأول للمغرب، و تستفيد من صفقات ريعية بطرق غير مستحقة، و من مجموعة من الامتيازات في كافة المجالات كالسياحة و الصناعة … و كل ذلك مرده إلى من يدينون بالولاء لها، و هم أولئك الذين تكونوا ودرسوا في فرنسا ويدافعون عن الثقافة الفرنسية في الداخل. و هو الأمر الذي أصبح استمراره يثير الكثير من علامات الاستفهام. ففرنسا تريد أن تظل لاعبا رئيسيا في الساحة المغربية ولا تريد دخول لاعبين أخرين معها في المنافسة، هي بذلك لا تدرك قدر التحولات التي يعرفها المغرب، و الذي يبحث عن شركاء جدد خارج الشركاء التقليديين. و يشير صبري إلى أن السياسات الخارجية عموما تقوم على مبادئ… فإذا كانت السياسة الخارجية الأمريكية تقوم على مبدأ القوة، و بكافة تجلياتها، و إذا كانت الدبلوماسية الألمانية تقوم على مبدإ الفعالية، فإن الدبلوماسية الفرنسية تقوم على "التأقلم". فهي تتأقلم مع الأوضاع كما هي حتى تضمن مصالحها وهي دولة تعمل بسياسة "فرق تسد" لتسود و تغلق الأبواب على من يريد أن ينافسها في الميدان. و لا ينكر صبري أن فرنسا هي مستثمر أول، و أن المغاربة تعاملوا بكرم مع الفرنسيين. لكن، لا ينبغي الظن بأن هذا الوضع يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية… فالخطاب الملكي في ذكرى ثورة الملك والشعب كان واضحا وصريحا عندما قال "إن النظارة التي ينظر بها المغرب إلى الخارج هي قضية الوحدة الترابية"، فالمطلوب إذن من الشركاء التقليديين إبداء مواقف واضحة و التموقع بشكل صريح لا يقبل التأويل والدلالات الظنية، فلا مجال اليوم للعب بالمصطلحات بل بالاعتراف بشكل واضح صريح بمغربية الصحراء، و الذي أصبح يشكل معيارا لا محيد عنه للعلاقات الثنائية الإيجابية مع أي بلد في العالم، و يعتبر صبري أن هناك دول فهمت الرسالة مثل ألمانيا،إسبانيا، و قبلهم أمريكا و بلجيكا ودولا كثيرة. إلا أن فرنسا اختارت مجموعة من الأساليب منذ سنوات، و تحديدا قبل أقل من عشر سنوات وهي: أولا التنصل من الالتزام. ثانيا، غياب الاستقلالية. ثالثا، المساومة. فلقد كانت هناك اتفاقات مع فرنسا من أجل بناء محطات نووية من أجل استخدامات سلمية. لكن، فرنسا تساوم، وتزداد مساومتها عندما لا تجد من يقاوم. وعندما تجد مقاومة تتحول من المساومة إلى التنصل من الالتزام كل هذا من أجل نزع حق الدول في الاستقلال بقرارها الخارجي . ويرى صبري أن هذا الأسلوب لاحظناه منذ أن قام المغرب بتنويع شراكاته مع أمريكا و الصين و اليابان و روسيا والتي تحولت مع هذه الدول إلى شركات استراتيجية، فبدأت فرنسا تلعب على الحل الاستراتيجي، فما وقع مؤخرا، و خاصة تقليص التأشيرات منذ السنة الماضية، يعتبر قرارا سياسيا ولا علاقة له بالقرار السيادي فقد وضعت تونسوالجزائر والمغرب بمنطق التبعية في نفس الخانة وهي دول كانت مستعمرة، ولاحظنا هذه السنة كيف تعاملت مع كل من الجزائروتونس لعلها تحصل على منافع ومنافذ أكثر من المملكة المغربية، و الحصول على موطئ قدم إلى الصفقات، لأنها تدرك بأنها إذا تقدمت بشكل علني أمام منافسين أخرين في القطارات وفي المطارات و أوراش البنيات التحتية التي يستشرفها المغرب، فإنها لن تحصل على شيء. وأكد أستاذ العلاقات الدولية على أن الفرنسيين وجب عليهم أن يفهموا الرسالة المغربية بشكل واضح وهي الاعتراف بقضية الصحراء، و يبدو أن الفرنسيين مترددون، وهم سبب هذه المشاكل، و يرغبون في إطالة أمد النزاع، و يعتبرون أن الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا رهين بهذا النزاع المفتعل، خاصة وأن نفور أفريقيا أصبح يلوح في الأفق من فرنسا ومن سياساتها العدائية، و الشواهد في غرابة أطوار سياساتها كثيرة من قبيل إدانة الشركة الفرنسية "لافارج" التي اعترفت بتمويل جماعات إرهابية كداعش في سوريا بأكثر من 170 مليار دولار، إضافة إلى أنها وراء مجموعة من الانقلابات في إفريقيا و افتعال العديد من المشاكل. ويردف صبري قائلا: إذا كان الفرنسيون يتمتعون بهامش ضئيل من الحياء السياسي والجيو استراتيجي لاعترفوا بمغربية الصحراء، و لترتب عن ذلك بناء علاقات ثنائية جيدة شأنها شأن الدول التي اعترفت، فهي تريد أن تلعب على حبل عدم الاعتراف وتريد في الآن نفسه أن تحصل على المنافع وهذان شيئان لا يجتمعان. ولفت المتحدث الانتباه إلى مسألة شرطية مهمة، فإذا استمرت فرنسا في هذه الخطة المحبوكة، فهي تبعثر أوراقها، و ستحصد نتائج وخيمة لا من حيث الاستمرار في تبني اللغة الفرنسية، و لا من حيث الاستثمار و تحصيل الأرباح من قطاع الخدمات. ويخلص صبري في الأخير إلى أنه رغم تاريخية العلاقات المغربية الفرنسية و التي تبدو في الظاهر جيدة إلا أنها علاقات ستخضع للمد والجزر تبعا لتوازن المنافع بين البلدين، و تبعا لمدى سيادة منطق رابح رابح، و الملك المغربي كان حاسما و واضحا في هذا الشأن، و حدد معادلة العلاقة الجيدة مع المغرب ببساطة، فمن يعترف بمغربية الصحراء تصبح العلاقات في أرقى تجلياتها ومن زرع الريح يحصد العاصفة و لا مجال للمنزلة بين المنزلتين.