حمل خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى التاسعة والستون لثورة الملك والشعب، عددًا من الرسائل المباشرة لحكام فرنسا. وتنبع أهمية هذا الخطاب، من كونه المحدد الأساس، للسياسة الخارجية المغربية، خاصة ما تعلق منها ب "قضية الصحراء". الخطاب الذي يأتي أيضا، قبيل ساعات قليلة، عن الزيارة التي تقود الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الى الجزائر، رسمَ من خلاله الملك، الركائز الرئيسية لتوجهات المغرب وطموحاته المستقبلية، في علاقته ب "شركائه التقليدين"، في اشارة واضحة الى فرنسا، التي أضحت مدعوة أكثر من أي وقت مضى باعتبارها "حليفا تقليديا" و "شريكا استراتجيا" للمملكة المغربية، الى تبني مواقف أكثر جرأة، لا أقلها "اعترافا صريح وواضحا بسيادة المغرب على صحرائه". الأكيد أن باريس أيدت دائما، "المبادرة المغربية بمنح الحكم الذاتي للصحراء"، بل إن دبلوماسيتها، وخاصة في عهدي كل من الرئيسين الفرنسيين السابقين "نيكولا ساركوزي" و"فرنسوا هولاند"، قادت حملات واسعة على أكثر من مستوى، للدفاع عن هاته المبادرة كحل واقعي للنزاع المفتعل. لكن هذا الدعم، لم يرق الى مستوى "الاعتراف الواضح بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية". ومنذ مجيء "ماكرون"، ظل دائما يتأرجح في إطار " دعم حل سياسي في اطار الأممالمتحدة" تارة، أو "دعم مجهودات المبعوث الأممي" تارة أخرى، دون أن تعقب ذلك مبادرات على أرض الواقع. ومما لا شك فيه، أن الدعوة الملكية الى "حكام فرنسا" ، تستمد واقعيتها، من المعطيات السياسية الجديدة الناتجة عن نقطة التحول الأمريكية الكبرى والموقف الإسباني الأخير والإجماع العربي، وتوالي اعترافات الدول الافريقية بمغربية الصحراء وافتتاحها لقنصليات في كل من الداخلة والعيون، وبالتالي فإن فرنسا بما تمتلكه من مصالح في المغرب، وما تحظى به من معاملة اقتصادية تفضيلية، تكون أوْلى بتبني مواقف مشابهة. ومن خلال تأكيد الملك على أن "ملف الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب للعالم و المعيار الواضح و البسيط الذي يقيس به الشراكات والصداقات"، يؤكد أن الممملكة المغربية اليوم لم تعد مستعدة لقبول المواقف الغامضة أو التسامح مع "سياسة امساك العصا من الوسط". وتبعا لذلك، فإن عدم الاعتراف الكامل بسيادة المغرب على صحرائه يعتبر بمثابة "لعب على الحبلين". ليبقى السؤال الذي يتوجب الاجابة عليه : ما الذي قد يمنع الدبلوماسية الفرنسية من الاعتراف الصريح والمباشر بمغربية الصحراء؟ لعل أول ما يمكن اثارته ضمن هذا الإطار، هو العلاقة المعقدة التي تربط باريسبالجزائر، وتخوف قصر الاليزي، من أن يتسبب اعترافه صراحة بمغربية الصحراء، في توتر علاقته بقصر المرادية، مع ما قد ينجم عن ذلك من تضرر لمصالحه الاقتصادية. والواقع أن كل هاته المبررات، تظل مجرد هواجس تفتقد الى المنطق، بل وتتناقض وتتعارض مع الرؤية الفرنسية للسلام والازدهار في منطقة شمال افريقيا، لاسيما في ظل الدور الخطير الذي تلعبه جبهة بوليساريو في تقويض الأمن، في منطقة الساحل والصحراء من خلال دعمها للجماعات الارهابية.