الإمارات.. الحكم بالإعدام على ثلاثة أشخاص في قضية قتل مواطن إسرائيلي مولدوفي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    خطيب العيد بتازة يوصي بالأرحام    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    تعزيزات أمنية مكثفة في بليونش تروم منع التسلل نحو سبتة المحتلة    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أسود تفترس حارسا في حديقة حيوانات بالجزائر    مارين لوبان تواجه السجن ومنع الترشح بعد إدانتها باختلاس أموال عامة    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    التسويف والتماطل يدفع مبرزي التربية الوطنية للإضراب والاحتجاج في أبريل المقبل    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في 28,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الرابع من سنة 2024    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    إيقاف خط جوي مع طنجة يُثير غضب ساكنة ورزازات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    منع مارين لوبن من الترشح 5 سنوات    مصدرو المواشي الإسبان يشتكون من انخفاض الصادرات إلى المغرب    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    طنجة.. شاب ينجو من الموت بعد سقوطه من الطابق الثالث ليلة العيد    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمكين الاقتصادي للمرأة بالمغرب بين المكتسبات والتحديات
نشر في العمق المغربي يوم 02 - 05 - 2024

يعتبر التَّمكين الاقتصادي للمرأة عملية يمكن لها بموجبها زيادة فرص تدخلها في أوجه الحياة الاجتماعية عامة والأنشطة الاقتصادية خاصة؛ وهذا التدخل يكون بالشكل الذي يساعدها على الانتقال من موقع اقتصادي هش إلى موقع يجعلها أكثر فاعلية في النشاط الاقتصادي ما أمكن لتكون في مستقلة بالدرجة الأولى. وبالنسبة للتجربة المغربية يعتبر تمكين المرأة بمفهومه العام من الاختيارات والتوجهات الاستراتيجية التي لا رجعة فيها باشرها المغرب بفضل التوجيهات الملكية السامية التي خَصَّت المرأة بعناية خاصة بدءا بالحضور الأساسي لها في المسار الإصلاحي ومساهمتها في المسار التنموي الذي تعرفه المملكة. وانطلاقا من هذا الطموح الملكي شرعت الدولة في رحلة إصلاحية غير مسبوقة لتمكين المرأة ودعم مشاركتها في التنمية المستدامة، وذلك من خلال مقاربة شمولية ومتكاملة.
هذا، ويزداد مطمح التمكين الاقتصادي للمرأة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التمكين لا يؤثر على التنمية الاقتصادية فحسب؛ بل يمتدُّ إلى التنمية في بعدها الشامل بدءا من الوسط الذي تعيش فيه المرأة وصولا للدولة التي تنتمي إليها، سيما وأن قضية المساواة بين الجنسين لم تعد مجرد حق أساسي أو ترف فكري، بل أصبحت ضرورة اقتصادية، وهو ما يفسر الاهتمام الذي لاقته قضايا تمكين المرأة من قبل مختلف الفاعلين السياسيين باختلاف مواقعهم السياسية واتجاهاتهم الإيديولوجية.
أقر المغرب بشكل مبكر مساواة المرأة مع الرجل، منذ أول دستور لمغرب ما بعد الاستقلال عام 1962، وضمن لها ممارسة حقها في التصويت والترشيح في الانتخابات التشريعية 1963، وإن كانت الممارسة العملية أثبتت أن هذه المساواة تم اختزالها في حق التصويت، بحيث لم تتمكن المرأة في من ولوج البرلمان إلا سنة 1993 بداية التواجد الفعلي بنائبتين عن حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في شخص بديعة الصقلي "الولاية التشريعية 1993 –1997" والاستقلال في شخص لطيفة بناني سميريس "الولاية التشريعية 1993 –1997".
ومع تولي الملك محمد السادس الحُكم، ونتيجة لأجواء الانفتاح الديمقراطي وقبيل الانتخابات التشريعية ل 2002 تبنى المغرب نمط الاقتراع باللائحة في أفق الرفع من تمثيلية المرأة داخل المؤسسات الدستورية المنتخبة، واعتمد أسلوب "الكوطا" بتخصيص ثلاثين مقعدا للنساء في إطار اللائحة الوطنية من أصل 325 مقعدا، ومنذ ذلك الحين كثر الحديث عن التمكين السياسي للمرأة وظلت الدعوة إلى ترسيخه وتعزيزه حاضرة بقوة في خطابات التنظيمات السياسية والحقوقية التي تطالب بتعزيز حقوق النصف الصامت من المجتمع باعتباره أقل حظا في الاستحقاقات الانتخابية، فضلا عن التحول الذي عرفته وضعية الأسرة والمرأة ودورهما وبداية تَشَكُّل أُنمُوذَج يبتعد شيئا فشيئا عن الأُنمُوذَج الأبوي وما رافق ذلك من حيوية للمجتمع المدني عبر ظهور العديد من الجمعيات المهتمة بقضايا النساء.
وهذه الرغبة التي أطرتها دوما التوجيهات الملكية السامية الرامية لتمكين المرأة سياسيا رافقتها أيضا رغبة وطموح من نفس الحجم وبنفس العزيمة والإرادة من أجل تمكين المرأة على المستوى الاقتصادي؛ وهو ما توج باتخاذ مجموعة من المبادرات والتدابير في شكل سياسات عمومية أحيانا أو في شكل برامج وسياسات قطاعية أحيانا أخرى الغاية منها في نهاية المطاف هو تحسين النشاط والدور الاقتصادي للمرأة. وللإحاطة بهذا الموضوع ارتأينا معالجته وفق محورين على النحو الآتي:
أولا: المكتسبات = المنجزات
1. النموذج التنموي الجديد ورهان التمكين الاقتصادي للمرأة
حدد النموذج التنموي، ضمن اختياراته الاستراتيجية، تمكين النساء من الاستقلالية وضمان المساواة بين الجنسين، حيث يسعى النموذج التنموي الجديد إلى توسيع مشاركة النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وقد حددت مؤشرات نتائج النموذج التنموي الجديد الرفع من نسبة النساء النشيطات التي كانت محددة في 22 % وفق آخر إحصائيات في سنة 2019 إلى 45 % كهدف استراتيجي لسنة 2035 قصد تطوير الاقتصاد الوطني وتحويله إلى اقتصاد يتميز بتعدد الأنشطة وبالتنافسية بإدماج الساكنة النشيطة في سوق الشغل خصوصا النساء عبر إزالة الحواجز التي تحد من مشاركتهن في الأنشطة الاقتصادية، سيما من خلال تعزيز الحماية الاجتماعية للنساء وتطوير الخدمات والبنيات التحتية التي تمكنهن من المشاركة الاقتصادية؛ وضمان المساواة في الأجور والإنصاف في الولوج إلى فرص الشغل في القطاع العمومي، واتخاذ تدابير لتحقيق محاصصة في عضوية المجالس الإدارية للمقاولات والتنظيمات النقابية، مع تخصيص تحفيزات ضريبية لفائدة المشغلين المحترمين لمبدأ المناصفة بين الجنسين.
2.التدابير التي أتى بها البرنامج الحكومي 2021–2026
حدد البرنامج الحكومي 2021-2026 من بين الالتزامات العشر للحكومة خلال الفترة 2021-2026، رفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 % عوض 20 % حاليا. وهكذا، تم إطلاق مجموعة من البرامج والسياسات القطاعية نخص منها بالذكر: برنامج جسر للتمكين والريادة لتسهيل التمكين الاقتصادي للمرأة، بشراكة بين السلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والأسرة والجهات على المستوى الترابي بهدف تعزيز الإدماج الاقتصادي للنساء ومواكبتهن في بلورة مشاريعهن الفردية أو الجماعية، عبر مجموعة من الإجراءات تروم رفع نسبة التمكين الاقتصادي للنساء في وضعية صعبة والنساء في وضعية هشاشة عبر:
1. تقوية فرص عمل النساء؛
2. تطوير المقاولة وثقافة المقاولة لدى النساء؛
3. مواكبتهن وتعزيز قدراتهن التدبيرية والتسويقية في تسيير المشاريع؛
4. تحسين خبراتهن ومهاراتهن في مجال المقاولة.
وفي نفس السياق، تم تبني الإطار الاستراتيجي للمساواة والمناصفة في أفق 2030 وخطته الحكومية الثالثة للمساواة 2023-2026 التي قامت ببلورتها الحكومة في إطار مقاربة تشاركية مع جميع مكونات المجتمع والتي تعتمد ثلاثة محاور:
1. التمكين والريادة؛
2. الحماية والرفاه؛
3. الحقوق والقيم.
هذا وفي نفس الإطار، يهدف البرنامج المومأ إليه أعلاه اتخاذ تدابير تقوية قدرات النساء في مجال التسيير المقاولاتي والتسويق الالكتروني وتشجيع التنظيمات المهنية النسوية الفلاحية، بدءا بتكوين العديد من النساء بهدف تعزيز ولوجهن لعالم الاقتصاد والتشغيل الذاتي من خلال تأسيس التعاونيات الفلاحية النسائية.
وفي نفس السياق، تم إحداث اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في يونيو 2022 التي من مهامها اقتراح التدابير اللازمة لتمكين المرأة في المجال الاقتصادي والسياسي، خاصة تلك التي تروم الرفع من نسبة نشاط النساء في المجالين الاجتماعي والاقتصادي؛ وهو تدبير يهدف إلى مأسسة تمكين النساء، بالشكل الذي يساهم في تسريع المساواة الفعلية بين الرجال والنساء هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى يهدف إلى تعزيز مكانة المرأة في المجتمع بتيسير سبل مشاركتها الفعالة والفعلية في النمو الاقتصادي والنهوض بحقوق النساء. وذلك بموجب المرسوم رقم 2.22.194 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7101 – 20 ذو القعدة 1443 (20 يونيو 2022). أما على مستوى ممارسة المهن الحرة تمت تقوية ولوج المرأة لممارسة خطة العدالة سعيا لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، حيث تمكنت نسبة كبيرة من النساء من ممارسة مهنة العدول، خاصة وأن هذه المهنة ظلت لمدة طويلة حكرا على الرجال وهي مهنة لها ارتباط بنشاط اقتصادي.
3.التدابير القانونية والتشريعية
لأجرأة الاختيارات الرامية للتمكين الاقتصادي للمرأة تم اتخاذ العديد من التدابير القانونية الموازية سعيا لتكريس الرغبة الملحة الرامية لتشجيع التواجد الفعلي للمرأة في مراكز القرار الاقتصادي. وفي هذا الإطار، نص القانون رقم 19.20 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7006 بتاريخ (22 يوليوز 2021)، -بتغيير القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة- في مادته 39 على تخصيص حصص للنساء في مجالس إدارة الشركات بما يضمن تمثيلية متوازنة بين الرجال والنساء.
وفي نفس الإطار، نص القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7007 بتاريخ (26 يوليوز 2021)، في مادته 27 على ضرورة مراعاة مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور، عند تعيين أعضاء الجهاز التداولي للمؤسسات والمقاولات العمومية. ومن جانبه أقر القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، كما تم تعديله وتتميمه، في المادة 17 منه بأحقية المرأة المتزوجة في ممارسة الأنشطة التجارية دون أن يتوقف ذلك على إذن زوجها، بل أكثر من ذلك فقد اعتبرت المدونة المذكورة سابقا بأن كل اتفاق أو عقد مخالف لمقتضيات المادة 17 منها، يعتبر لاغيا بقوة القانون، هذا فضلا عن حماية وصيانة حقوق الزوجة وأبنائها القاصرين بمناسبة خضوع زوجها المدين لمسطرة الإنقاذ أو التسوية أو التصفية القضائية، بموجب المادة 710 من ذات المدونة...
أما على مستوى ملكية المرأة القروية لأراضي الجموع، بذلت المملكة المغربية جهودا استثنائية من أجل تمكين المرأة من أراضي الجموع وكذا استفادتها من كل ما يدخل ضمن ممتلكات الجماعات السلالية على قدم المساواة دون تمييز أو إقصاء وفق ما نص عليه القانون المنظم للوصاية الإدارية على الجماعات السلالية رقم62.17 المنشور بالرسمية عدد 6807 بتاريخ (26 أغسطس 2019)، ومرسومه التطبيقي 2.19.973 بتاريخ 9 يناير 2020 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6849 بتاريخ (20 يناير 2020)، إذ بتبني هذا القانون تم التدشين لمرحلة جديدة قوامها سمو القانون على الأعراف والتقاليد التي كانت تحكم الانتفاع من أراضي الجموع، حيث نص هذا القانون في مادتيه 6 و16 بشكل صريح على المساواة بين الرجل والمرأة كأعضاء من الجماعة السلالية لهما نفس الحق في الاستفادة من ممتلكاتها، وبذلك تم وضع حد للأعراف التي كانت تحرم على النساء الانتفاع من هذه الأراضي، فهذا القانون مكن من تحقيق المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات المتعلقة بالجماعات السلالية، حيث صرح المشرع في هذا النص أنهم، بحكم انتمائهما للجماعة السلالية، متساويان.
يمكن القول، أن هذه الترسانة القانونية التي تم تبنيها من المشرع المغربي تعتبر تجسيدا فعليا لالتزام المملكة باحترام مقتضيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، والتي انضم إليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993، وصادق على بروتوكولها الاختياري لسنة 1999، فضلا عن احترام دستور 2011 الذي نص في تصديره على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة، وكذا فصله 19 الذي متع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية أو فصله 164 الذي أحدث بموجبه الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز.
ثانيا: التحديات المرتبطة بالتمكين الاقتصادي للمرأة في التجربة المغربية
بالرغم من كل هذه البرامج والسياسات العمومية وكذا التدابير القانونية الموازية والتي تسعى أو تهدف للتمكين الاقتصادي للمرأة، تبقى المرأة المغربية مبعدة عن المشاركة في الحقلين السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللذان ظلا مجالين يحتكرهما أو يسيطر عليهما الرجال لوحدهم وتم إبعاد المرأة لعدة اعتبارات سياسية وثقافية وتاريخية وتقليدانية...، بحيث ما زالت المرأة تعاني من عدم المساواة الفعلية بينها وبين الرجال في الواقع، إذ تظل هناك عدة مجالات تتعثر فيها الجهود المبذولة، خاصة ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية ...، فضلا عن عجز النُّظم التشريعية القائمة على ضمان التواجد الفعلي للمرأة في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة المنتخبة وكذا عجز القوانين على تغيير واقع النساء للأفضل ومحاربة التمييز المبني على الجنس... وعليه؛ فإن أية محاولة للتفكير في سُبل التمكين الاقتصادي للمرأة ينبغي أن لا تقتصر على الأبعاد القانونية، بل يجب أن تنصب الجهود على تغيير الأبعاد الثقافية والتمثلات المجتمعية بخصوص أدوار المرأة.
وهذه التمثلات أو النظرة السلبية لوظيفة المرأة، جعلت كل الإجراءات والتدابير المتخذة لفائدتها اقتصاديا وسياسيا كضربة عصا في الماء، ذلك أن نشاطها الاقتصادي لا زال محتشما، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤل بخصوص قدرة القانون على تغيير المجتمع وتغيير التمثلات السلبية، لن نخشى المبالغة إذا جنحنا للقول بأن القانون وحده لا يكفي لتغيير المجتمع إن جاز لنا استعارة هذا التعبير من الباحث الفرنسي ميشيل كروزييه وكتابه الموسوم بعنوان:"لا يمكن تغيير المجتمع بمرسوم"، لأنه بحسب التقارير الرسمية فالنساء أكثر تأثرا بالهشاشة من الرجال ثم أن عددا قليلا منهن من يحصل على معاش ومعظمهن من المسنات وإما مطلقات أو أرامل تعشن في غالب الأحيان في عزلة ويعتمدن بشكل مباشر على مساعدة وإعانة الأهل والأقارب وعلى عائدات الأشغال المنزلية والإعانات المتأتية من العلاقات العائلية وعلاقات الجوار وما يتم الحصول عليه من عملية التسول،كذلك من المعوقات الإضافية نجد الانعكاسات السلبية لمعضلة الهدر المدرسي على النشاط الاقتصادي، إذ كيف للنساء اللواتي يعانين من الأمية أن ينخرطن في العمل الاقتصادي؟، وهذا من الصعوبات التي تقف أمام النساء بمثابة عائق إضافي.
أما في مجال الشغل، فنجد بأن نسبة كبيرة من النساء بلغن سن الشغل ولا يساهمن في الأنشطة الاقتصادية ولا يتوفرن على دخل خاص مرتبط بدور اقتصادي، كما أن الحضور الاقتصادي للنساء يظل فقط في القطاعات والوحدات الإنتاجية التي تعرف تشغيلا هشا وظروف عمل صعبة جدا، (قطاع الفلاحة والعمل المنزلي والاقتصاد غير المهيكل عامة)، وهذا المعطى سبق وأشارت إليه لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمناسبة فحصها للتقرير الدوري الرابع للمغرب في أكتوبر سنة 2015، حيث نبهت الدولة المغربية للإكراهات التي تمس حقوق المرأة اقتصاديا، وطالبت الحكومة باعتماد قانون لمكافحة التمييز يمنع جميع أشكال وصور التمييز، المباشر منه وغير المباشر، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في حق التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ومن بين التحديات الاقتصادية التي تحد من التمكين الاقتصادي للمرأة، نجد أن إقبالها على ممارسة الأنشطة الموازية يبقى دون المستوى المطلوب، فعدد النساء اللواتي يشرفن على تسيير التعاونيات والجمعيات ذات الطابع الاقتصادي يبقى ضعيف، كما أن النساء الأجيرات نادرا ما تمَكَّنَّ من تأسيس نقابة أو الانضمام إليها دون مساعدة رجال متخصصين بما في ذلك المقاولات التي يشكلن أغلبية داخلها.
على سبيل الختم:
ختاما، وبالرغم من كافة التدابير والاجراءات التشريعية التي لا يمكن لأحد أن ينكر أهميتها، فإنه يمكن القول بأن تحقيق فِعلية التمكين الاقتصادي وحتى السياسي تقتضي إعطاء وإيلاء المؤشرات والأبعاد غير القانونية الأهمية التي تستحقها، وخاصة تلك المتعلقة بالصورة النمطية للمرأة في المِخيال والتمثلات الجمعية، لأن معالجة هذه القضية تستحيل أن تتم بعيدا عن قضايا المجتمع باعتبارها مشكلة مجتمع يعيش تحت وطأة التخلف والأمية، مما جعل المرأة تعاني لفترات طويلة من الإقصاء والتهميش أحيانا بسبب الأفكار التي تنهل من التقاليد التي تستمد مرجعتيها من البنية الاجتماعية للمجتمع العربي القائم على النظام الأبوي كمعطى متجذر في ثقافتنا العربية يؤطر كل القيم والرموز والتمثلات السياسية والثقافية تجاه الأنا والآخر والذي يتمحور حول دور الأب سواء في الأسرة أو في النسق القيمي والثقافي بشكل عام، وما نتج عنه من مأسسة للهيمنة الذكورية في الأسرة وتوسيعها على النساء بصفة خاصة مما ساهم في إبعاد العنصر النسوي عن كافة مناحي الحياة الإدارية والسياسية على حد سواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.