المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    ولي العهد يستقبل الرئيس الصيني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمكين الاقتصادي للمرأة بالمغرب بين المكتسبات والتحديات
نشر في العمق المغربي يوم 02 - 05 - 2024

يعتبر التَّمكين الاقتصادي للمرأة عملية يمكن لها بموجبها زيادة فرص تدخلها في أوجه الحياة الاجتماعية عامة والأنشطة الاقتصادية خاصة؛ وهذا التدخل يكون بالشكل الذي يساعدها على الانتقال من موقع اقتصادي هش إلى موقع يجعلها أكثر فاعلية في النشاط الاقتصادي ما أمكن لتكون في مستقلة بالدرجة الأولى. وبالنسبة للتجربة المغربية يعتبر تمكين المرأة بمفهومه العام من الاختيارات والتوجهات الاستراتيجية التي لا رجعة فيها باشرها المغرب بفضل التوجيهات الملكية السامية التي خَصَّت المرأة بعناية خاصة بدءا بالحضور الأساسي لها في المسار الإصلاحي ومساهمتها في المسار التنموي الذي تعرفه المملكة. وانطلاقا من هذا الطموح الملكي شرعت الدولة في رحلة إصلاحية غير مسبوقة لتمكين المرأة ودعم مشاركتها في التنمية المستدامة، وذلك من خلال مقاربة شمولية ومتكاملة.
هذا، ويزداد مطمح التمكين الاقتصادي للمرأة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التمكين لا يؤثر على التنمية الاقتصادية فحسب؛ بل يمتدُّ إلى التنمية في بعدها الشامل بدءا من الوسط الذي تعيش فيه المرأة وصولا للدولة التي تنتمي إليها، سيما وأن قضية المساواة بين الجنسين لم تعد مجرد حق أساسي أو ترف فكري، بل أصبحت ضرورة اقتصادية، وهو ما يفسر الاهتمام الذي لاقته قضايا تمكين المرأة من قبل مختلف الفاعلين السياسيين باختلاف مواقعهم السياسية واتجاهاتهم الإيديولوجية.
أقر المغرب بشكل مبكر مساواة المرأة مع الرجل، منذ أول دستور لمغرب ما بعد الاستقلال عام 1962، وضمن لها ممارسة حقها في التصويت والترشيح في الانتخابات التشريعية 1963، وإن كانت الممارسة العملية أثبتت أن هذه المساواة تم اختزالها في حق التصويت، بحيث لم تتمكن المرأة في من ولوج البرلمان إلا سنة 1993 بداية التواجد الفعلي بنائبتين عن حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في شخص بديعة الصقلي "الولاية التشريعية 1993 –1997" والاستقلال في شخص لطيفة بناني سميريس "الولاية التشريعية 1993 –1997".
ومع تولي الملك محمد السادس الحُكم، ونتيجة لأجواء الانفتاح الديمقراطي وقبيل الانتخابات التشريعية ل 2002 تبنى المغرب نمط الاقتراع باللائحة في أفق الرفع من تمثيلية المرأة داخل المؤسسات الدستورية المنتخبة، واعتمد أسلوب "الكوطا" بتخصيص ثلاثين مقعدا للنساء في إطار اللائحة الوطنية من أصل 325 مقعدا، ومنذ ذلك الحين كثر الحديث عن التمكين السياسي للمرأة وظلت الدعوة إلى ترسيخه وتعزيزه حاضرة بقوة في خطابات التنظيمات السياسية والحقوقية التي تطالب بتعزيز حقوق النصف الصامت من المجتمع باعتباره أقل حظا في الاستحقاقات الانتخابية، فضلا عن التحول الذي عرفته وضعية الأسرة والمرأة ودورهما وبداية تَشَكُّل أُنمُوذَج يبتعد شيئا فشيئا عن الأُنمُوذَج الأبوي وما رافق ذلك من حيوية للمجتمع المدني عبر ظهور العديد من الجمعيات المهتمة بقضايا النساء.
وهذه الرغبة التي أطرتها دوما التوجيهات الملكية السامية الرامية لتمكين المرأة سياسيا رافقتها أيضا رغبة وطموح من نفس الحجم وبنفس العزيمة والإرادة من أجل تمكين المرأة على المستوى الاقتصادي؛ وهو ما توج باتخاذ مجموعة من المبادرات والتدابير في شكل سياسات عمومية أحيانا أو في شكل برامج وسياسات قطاعية أحيانا أخرى الغاية منها في نهاية المطاف هو تحسين النشاط والدور الاقتصادي للمرأة. وللإحاطة بهذا الموضوع ارتأينا معالجته وفق محورين على النحو الآتي:
أولا: المكتسبات = المنجزات
1. النموذج التنموي الجديد ورهان التمكين الاقتصادي للمرأة
حدد النموذج التنموي، ضمن اختياراته الاستراتيجية، تمكين النساء من الاستقلالية وضمان المساواة بين الجنسين، حيث يسعى النموذج التنموي الجديد إلى توسيع مشاركة النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وقد حددت مؤشرات نتائج النموذج التنموي الجديد الرفع من نسبة النساء النشيطات التي كانت محددة في 22 % وفق آخر إحصائيات في سنة 2019 إلى 45 % كهدف استراتيجي لسنة 2035 قصد تطوير الاقتصاد الوطني وتحويله إلى اقتصاد يتميز بتعدد الأنشطة وبالتنافسية بإدماج الساكنة النشيطة في سوق الشغل خصوصا النساء عبر إزالة الحواجز التي تحد من مشاركتهن في الأنشطة الاقتصادية، سيما من خلال تعزيز الحماية الاجتماعية للنساء وتطوير الخدمات والبنيات التحتية التي تمكنهن من المشاركة الاقتصادية؛ وضمان المساواة في الأجور والإنصاف في الولوج إلى فرص الشغل في القطاع العمومي، واتخاذ تدابير لتحقيق محاصصة في عضوية المجالس الإدارية للمقاولات والتنظيمات النقابية، مع تخصيص تحفيزات ضريبية لفائدة المشغلين المحترمين لمبدأ المناصفة بين الجنسين.
2.التدابير التي أتى بها البرنامج الحكومي 2021–2026
حدد البرنامج الحكومي 2021-2026 من بين الالتزامات العشر للحكومة خلال الفترة 2021-2026، رفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 % عوض 20 % حاليا. وهكذا، تم إطلاق مجموعة من البرامج والسياسات القطاعية نخص منها بالذكر: برنامج جسر للتمكين والريادة لتسهيل التمكين الاقتصادي للمرأة، بشراكة بين السلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والأسرة والجهات على المستوى الترابي بهدف تعزيز الإدماج الاقتصادي للنساء ومواكبتهن في بلورة مشاريعهن الفردية أو الجماعية، عبر مجموعة من الإجراءات تروم رفع نسبة التمكين الاقتصادي للنساء في وضعية صعبة والنساء في وضعية هشاشة عبر:
1. تقوية فرص عمل النساء؛
2. تطوير المقاولة وثقافة المقاولة لدى النساء؛
3. مواكبتهن وتعزيز قدراتهن التدبيرية والتسويقية في تسيير المشاريع؛
4. تحسين خبراتهن ومهاراتهن في مجال المقاولة.
وفي نفس السياق، تم تبني الإطار الاستراتيجي للمساواة والمناصفة في أفق 2030 وخطته الحكومية الثالثة للمساواة 2023-2026 التي قامت ببلورتها الحكومة في إطار مقاربة تشاركية مع جميع مكونات المجتمع والتي تعتمد ثلاثة محاور:
1. التمكين والريادة؛
2. الحماية والرفاه؛
3. الحقوق والقيم.
هذا وفي نفس الإطار، يهدف البرنامج المومأ إليه أعلاه اتخاذ تدابير تقوية قدرات النساء في مجال التسيير المقاولاتي والتسويق الالكتروني وتشجيع التنظيمات المهنية النسوية الفلاحية، بدءا بتكوين العديد من النساء بهدف تعزيز ولوجهن لعالم الاقتصاد والتشغيل الذاتي من خلال تأسيس التعاونيات الفلاحية النسائية.
وفي نفس السياق، تم إحداث اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في يونيو 2022 التي من مهامها اقتراح التدابير اللازمة لتمكين المرأة في المجال الاقتصادي والسياسي، خاصة تلك التي تروم الرفع من نسبة نشاط النساء في المجالين الاجتماعي والاقتصادي؛ وهو تدبير يهدف إلى مأسسة تمكين النساء، بالشكل الذي يساهم في تسريع المساواة الفعلية بين الرجال والنساء هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى يهدف إلى تعزيز مكانة المرأة في المجتمع بتيسير سبل مشاركتها الفعالة والفعلية في النمو الاقتصادي والنهوض بحقوق النساء. وذلك بموجب المرسوم رقم 2.22.194 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7101 – 20 ذو القعدة 1443 (20 يونيو 2022). أما على مستوى ممارسة المهن الحرة تمت تقوية ولوج المرأة لممارسة خطة العدالة سعيا لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، حيث تمكنت نسبة كبيرة من النساء من ممارسة مهنة العدول، خاصة وأن هذه المهنة ظلت لمدة طويلة حكرا على الرجال وهي مهنة لها ارتباط بنشاط اقتصادي.
3.التدابير القانونية والتشريعية
لأجرأة الاختيارات الرامية للتمكين الاقتصادي للمرأة تم اتخاذ العديد من التدابير القانونية الموازية سعيا لتكريس الرغبة الملحة الرامية لتشجيع التواجد الفعلي للمرأة في مراكز القرار الاقتصادي. وفي هذا الإطار، نص القانون رقم 19.20 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7006 بتاريخ (22 يوليوز 2021)، -بتغيير القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة- في مادته 39 على تخصيص حصص للنساء في مجالس إدارة الشركات بما يضمن تمثيلية متوازنة بين الرجال والنساء.
وفي نفس الإطار، نص القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7007 بتاريخ (26 يوليوز 2021)، في مادته 27 على ضرورة مراعاة مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور، عند تعيين أعضاء الجهاز التداولي للمؤسسات والمقاولات العمومية. ومن جانبه أقر القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، كما تم تعديله وتتميمه، في المادة 17 منه بأحقية المرأة المتزوجة في ممارسة الأنشطة التجارية دون أن يتوقف ذلك على إذن زوجها، بل أكثر من ذلك فقد اعتبرت المدونة المذكورة سابقا بأن كل اتفاق أو عقد مخالف لمقتضيات المادة 17 منها، يعتبر لاغيا بقوة القانون، هذا فضلا عن حماية وصيانة حقوق الزوجة وأبنائها القاصرين بمناسبة خضوع زوجها المدين لمسطرة الإنقاذ أو التسوية أو التصفية القضائية، بموجب المادة 710 من ذات المدونة...
أما على مستوى ملكية المرأة القروية لأراضي الجموع، بذلت المملكة المغربية جهودا استثنائية من أجل تمكين المرأة من أراضي الجموع وكذا استفادتها من كل ما يدخل ضمن ممتلكات الجماعات السلالية على قدم المساواة دون تمييز أو إقصاء وفق ما نص عليه القانون المنظم للوصاية الإدارية على الجماعات السلالية رقم62.17 المنشور بالرسمية عدد 6807 بتاريخ (26 أغسطس 2019)، ومرسومه التطبيقي 2.19.973 بتاريخ 9 يناير 2020 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6849 بتاريخ (20 يناير 2020)، إذ بتبني هذا القانون تم التدشين لمرحلة جديدة قوامها سمو القانون على الأعراف والتقاليد التي كانت تحكم الانتفاع من أراضي الجموع، حيث نص هذا القانون في مادتيه 6 و16 بشكل صريح على المساواة بين الرجل والمرأة كأعضاء من الجماعة السلالية لهما نفس الحق في الاستفادة من ممتلكاتها، وبذلك تم وضع حد للأعراف التي كانت تحرم على النساء الانتفاع من هذه الأراضي، فهذا القانون مكن من تحقيق المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات المتعلقة بالجماعات السلالية، حيث صرح المشرع في هذا النص أنهم، بحكم انتمائهما للجماعة السلالية، متساويان.
يمكن القول، أن هذه الترسانة القانونية التي تم تبنيها من المشرع المغربي تعتبر تجسيدا فعليا لالتزام المملكة باحترام مقتضيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، والتي انضم إليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993، وصادق على بروتوكولها الاختياري لسنة 1999، فضلا عن احترام دستور 2011 الذي نص في تصديره على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة، وكذا فصله 19 الذي متع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية أو فصله 164 الذي أحدث بموجبه الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز.
ثانيا: التحديات المرتبطة بالتمكين الاقتصادي للمرأة في التجربة المغربية
بالرغم من كل هذه البرامج والسياسات العمومية وكذا التدابير القانونية الموازية والتي تسعى أو تهدف للتمكين الاقتصادي للمرأة، تبقى المرأة المغربية مبعدة عن المشاركة في الحقلين السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللذان ظلا مجالين يحتكرهما أو يسيطر عليهما الرجال لوحدهم وتم إبعاد المرأة لعدة اعتبارات سياسية وثقافية وتاريخية وتقليدانية...، بحيث ما زالت المرأة تعاني من عدم المساواة الفعلية بينها وبين الرجال في الواقع، إذ تظل هناك عدة مجالات تتعثر فيها الجهود المبذولة، خاصة ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية ...، فضلا عن عجز النُّظم التشريعية القائمة على ضمان التواجد الفعلي للمرأة في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة المنتخبة وكذا عجز القوانين على تغيير واقع النساء للأفضل ومحاربة التمييز المبني على الجنس... وعليه؛ فإن أية محاولة للتفكير في سُبل التمكين الاقتصادي للمرأة ينبغي أن لا تقتصر على الأبعاد القانونية، بل يجب أن تنصب الجهود على تغيير الأبعاد الثقافية والتمثلات المجتمعية بخصوص أدوار المرأة.
وهذه التمثلات أو النظرة السلبية لوظيفة المرأة، جعلت كل الإجراءات والتدابير المتخذة لفائدتها اقتصاديا وسياسيا كضربة عصا في الماء، ذلك أن نشاطها الاقتصادي لا زال محتشما، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤل بخصوص قدرة القانون على تغيير المجتمع وتغيير التمثلات السلبية، لن نخشى المبالغة إذا جنحنا للقول بأن القانون وحده لا يكفي لتغيير المجتمع إن جاز لنا استعارة هذا التعبير من الباحث الفرنسي ميشيل كروزييه وكتابه الموسوم بعنوان:"لا يمكن تغيير المجتمع بمرسوم"، لأنه بحسب التقارير الرسمية فالنساء أكثر تأثرا بالهشاشة من الرجال ثم أن عددا قليلا منهن من يحصل على معاش ومعظمهن من المسنات وإما مطلقات أو أرامل تعشن في غالب الأحيان في عزلة ويعتمدن بشكل مباشر على مساعدة وإعانة الأهل والأقارب وعلى عائدات الأشغال المنزلية والإعانات المتأتية من العلاقات العائلية وعلاقات الجوار وما يتم الحصول عليه من عملية التسول،كذلك من المعوقات الإضافية نجد الانعكاسات السلبية لمعضلة الهدر المدرسي على النشاط الاقتصادي، إذ كيف للنساء اللواتي يعانين من الأمية أن ينخرطن في العمل الاقتصادي؟، وهذا من الصعوبات التي تقف أمام النساء بمثابة عائق إضافي.
أما في مجال الشغل، فنجد بأن نسبة كبيرة من النساء بلغن سن الشغل ولا يساهمن في الأنشطة الاقتصادية ولا يتوفرن على دخل خاص مرتبط بدور اقتصادي، كما أن الحضور الاقتصادي للنساء يظل فقط في القطاعات والوحدات الإنتاجية التي تعرف تشغيلا هشا وظروف عمل صعبة جدا، (قطاع الفلاحة والعمل المنزلي والاقتصاد غير المهيكل عامة)، وهذا المعطى سبق وأشارت إليه لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمناسبة فحصها للتقرير الدوري الرابع للمغرب في أكتوبر سنة 2015، حيث نبهت الدولة المغربية للإكراهات التي تمس حقوق المرأة اقتصاديا، وطالبت الحكومة باعتماد قانون لمكافحة التمييز يمنع جميع أشكال وصور التمييز، المباشر منه وغير المباشر، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في حق التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ومن بين التحديات الاقتصادية التي تحد من التمكين الاقتصادي للمرأة، نجد أن إقبالها على ممارسة الأنشطة الموازية يبقى دون المستوى المطلوب، فعدد النساء اللواتي يشرفن على تسيير التعاونيات والجمعيات ذات الطابع الاقتصادي يبقى ضعيف، كما أن النساء الأجيرات نادرا ما تمَكَّنَّ من تأسيس نقابة أو الانضمام إليها دون مساعدة رجال متخصصين بما في ذلك المقاولات التي يشكلن أغلبية داخلها.
على سبيل الختم:
ختاما، وبالرغم من كافة التدابير والاجراءات التشريعية التي لا يمكن لأحد أن ينكر أهميتها، فإنه يمكن القول بأن تحقيق فِعلية التمكين الاقتصادي وحتى السياسي تقتضي إعطاء وإيلاء المؤشرات والأبعاد غير القانونية الأهمية التي تستحقها، وخاصة تلك المتعلقة بالصورة النمطية للمرأة في المِخيال والتمثلات الجمعية، لأن معالجة هذه القضية تستحيل أن تتم بعيدا عن قضايا المجتمع باعتبارها مشكلة مجتمع يعيش تحت وطأة التخلف والأمية، مما جعل المرأة تعاني لفترات طويلة من الإقصاء والتهميش أحيانا بسبب الأفكار التي تنهل من التقاليد التي تستمد مرجعتيها من البنية الاجتماعية للمجتمع العربي القائم على النظام الأبوي كمعطى متجذر في ثقافتنا العربية يؤطر كل القيم والرموز والتمثلات السياسية والثقافية تجاه الأنا والآخر والذي يتمحور حول دور الأب سواء في الأسرة أو في النسق القيمي والثقافي بشكل عام، وما نتج عنه من مأسسة للهيمنة الذكورية في الأسرة وتوسيعها على النساء بصفة خاصة مما ساهم في إبعاد العنصر النسوي عن كافة مناحي الحياة الإدارية والسياسية على حد سواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.