إعادة انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    جمعية الصحافة الرياضية تستعد لاستقبال مؤتمر الاتحاد الدولي    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    انطلاق انتخابات تشريعية في ألمانيا تحت ضغط اليمين المتطرف وترامب    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    هل الحداثة ملك لأحد؟    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    توقيف ثلاثة أشخاص بشبهة نشر محتويات عنيفة    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مؤتمر دولي مغربي لنموذج محاكاة الأمم المتحدة    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    الميلودي موخاريق يقود الاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمكين الاقتصادي للمرأة بالمغرب بين المكتسبات والتحديات
نشر في العمق المغربي يوم 02 - 05 - 2024

يعتبر التَّمكين الاقتصادي للمرأة عملية يمكن لها بموجبها زيادة فرص تدخلها في أوجه الحياة الاجتماعية عامة والأنشطة الاقتصادية خاصة؛ وهذا التدخل يكون بالشكل الذي يساعدها على الانتقال من موقع اقتصادي هش إلى موقع يجعلها أكثر فاعلية في النشاط الاقتصادي ما أمكن لتكون في مستقلة بالدرجة الأولى. وبالنسبة للتجربة المغربية يعتبر تمكين المرأة بمفهومه العام من الاختيارات والتوجهات الاستراتيجية التي لا رجعة فيها باشرها المغرب بفضل التوجيهات الملكية السامية التي خَصَّت المرأة بعناية خاصة بدءا بالحضور الأساسي لها في المسار الإصلاحي ومساهمتها في المسار التنموي الذي تعرفه المملكة. وانطلاقا من هذا الطموح الملكي شرعت الدولة في رحلة إصلاحية غير مسبوقة لتمكين المرأة ودعم مشاركتها في التنمية المستدامة، وذلك من خلال مقاربة شمولية ومتكاملة.
هذا، ويزداد مطمح التمكين الاقتصادي للمرأة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التمكين لا يؤثر على التنمية الاقتصادية فحسب؛ بل يمتدُّ إلى التنمية في بعدها الشامل بدءا من الوسط الذي تعيش فيه المرأة وصولا للدولة التي تنتمي إليها، سيما وأن قضية المساواة بين الجنسين لم تعد مجرد حق أساسي أو ترف فكري، بل أصبحت ضرورة اقتصادية، وهو ما يفسر الاهتمام الذي لاقته قضايا تمكين المرأة من قبل مختلف الفاعلين السياسيين باختلاف مواقعهم السياسية واتجاهاتهم الإيديولوجية.
أقر المغرب بشكل مبكر مساواة المرأة مع الرجل، منذ أول دستور لمغرب ما بعد الاستقلال عام 1962، وضمن لها ممارسة حقها في التصويت والترشيح في الانتخابات التشريعية 1963، وإن كانت الممارسة العملية أثبتت أن هذه المساواة تم اختزالها في حق التصويت، بحيث لم تتمكن المرأة في من ولوج البرلمان إلا سنة 1993 بداية التواجد الفعلي بنائبتين عن حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في شخص بديعة الصقلي "الولاية التشريعية 1993 –1997" والاستقلال في شخص لطيفة بناني سميريس "الولاية التشريعية 1993 –1997".
ومع تولي الملك محمد السادس الحُكم، ونتيجة لأجواء الانفتاح الديمقراطي وقبيل الانتخابات التشريعية ل 2002 تبنى المغرب نمط الاقتراع باللائحة في أفق الرفع من تمثيلية المرأة داخل المؤسسات الدستورية المنتخبة، واعتمد أسلوب "الكوطا" بتخصيص ثلاثين مقعدا للنساء في إطار اللائحة الوطنية من أصل 325 مقعدا، ومنذ ذلك الحين كثر الحديث عن التمكين السياسي للمرأة وظلت الدعوة إلى ترسيخه وتعزيزه حاضرة بقوة في خطابات التنظيمات السياسية والحقوقية التي تطالب بتعزيز حقوق النصف الصامت من المجتمع باعتباره أقل حظا في الاستحقاقات الانتخابية، فضلا عن التحول الذي عرفته وضعية الأسرة والمرأة ودورهما وبداية تَشَكُّل أُنمُوذَج يبتعد شيئا فشيئا عن الأُنمُوذَج الأبوي وما رافق ذلك من حيوية للمجتمع المدني عبر ظهور العديد من الجمعيات المهتمة بقضايا النساء.
وهذه الرغبة التي أطرتها دوما التوجيهات الملكية السامية الرامية لتمكين المرأة سياسيا رافقتها أيضا رغبة وطموح من نفس الحجم وبنفس العزيمة والإرادة من أجل تمكين المرأة على المستوى الاقتصادي؛ وهو ما توج باتخاذ مجموعة من المبادرات والتدابير في شكل سياسات عمومية أحيانا أو في شكل برامج وسياسات قطاعية أحيانا أخرى الغاية منها في نهاية المطاف هو تحسين النشاط والدور الاقتصادي للمرأة. وللإحاطة بهذا الموضوع ارتأينا معالجته وفق محورين على النحو الآتي:
أولا: المكتسبات = المنجزات
1. النموذج التنموي الجديد ورهان التمكين الاقتصادي للمرأة
حدد النموذج التنموي، ضمن اختياراته الاستراتيجية، تمكين النساء من الاستقلالية وضمان المساواة بين الجنسين، حيث يسعى النموذج التنموي الجديد إلى توسيع مشاركة النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وقد حددت مؤشرات نتائج النموذج التنموي الجديد الرفع من نسبة النساء النشيطات التي كانت محددة في 22 % وفق آخر إحصائيات في سنة 2019 إلى 45 % كهدف استراتيجي لسنة 2035 قصد تطوير الاقتصاد الوطني وتحويله إلى اقتصاد يتميز بتعدد الأنشطة وبالتنافسية بإدماج الساكنة النشيطة في سوق الشغل خصوصا النساء عبر إزالة الحواجز التي تحد من مشاركتهن في الأنشطة الاقتصادية، سيما من خلال تعزيز الحماية الاجتماعية للنساء وتطوير الخدمات والبنيات التحتية التي تمكنهن من المشاركة الاقتصادية؛ وضمان المساواة في الأجور والإنصاف في الولوج إلى فرص الشغل في القطاع العمومي، واتخاذ تدابير لتحقيق محاصصة في عضوية المجالس الإدارية للمقاولات والتنظيمات النقابية، مع تخصيص تحفيزات ضريبية لفائدة المشغلين المحترمين لمبدأ المناصفة بين الجنسين.
2.التدابير التي أتى بها البرنامج الحكومي 2021–2026
حدد البرنامج الحكومي 2021-2026 من بين الالتزامات العشر للحكومة خلال الفترة 2021-2026، رفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 % عوض 20 % حاليا. وهكذا، تم إطلاق مجموعة من البرامج والسياسات القطاعية نخص منها بالذكر: برنامج جسر للتمكين والريادة لتسهيل التمكين الاقتصادي للمرأة، بشراكة بين السلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والأسرة والجهات على المستوى الترابي بهدف تعزيز الإدماج الاقتصادي للنساء ومواكبتهن في بلورة مشاريعهن الفردية أو الجماعية، عبر مجموعة من الإجراءات تروم رفع نسبة التمكين الاقتصادي للنساء في وضعية صعبة والنساء في وضعية هشاشة عبر:
1. تقوية فرص عمل النساء؛
2. تطوير المقاولة وثقافة المقاولة لدى النساء؛
3. مواكبتهن وتعزيز قدراتهن التدبيرية والتسويقية في تسيير المشاريع؛
4. تحسين خبراتهن ومهاراتهن في مجال المقاولة.
وفي نفس السياق، تم تبني الإطار الاستراتيجي للمساواة والمناصفة في أفق 2030 وخطته الحكومية الثالثة للمساواة 2023-2026 التي قامت ببلورتها الحكومة في إطار مقاربة تشاركية مع جميع مكونات المجتمع والتي تعتمد ثلاثة محاور:
1. التمكين والريادة؛
2. الحماية والرفاه؛
3. الحقوق والقيم.
هذا وفي نفس الإطار، يهدف البرنامج المومأ إليه أعلاه اتخاذ تدابير تقوية قدرات النساء في مجال التسيير المقاولاتي والتسويق الالكتروني وتشجيع التنظيمات المهنية النسوية الفلاحية، بدءا بتكوين العديد من النساء بهدف تعزيز ولوجهن لعالم الاقتصاد والتشغيل الذاتي من خلال تأسيس التعاونيات الفلاحية النسائية.
وفي نفس السياق، تم إحداث اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في يونيو 2022 التي من مهامها اقتراح التدابير اللازمة لتمكين المرأة في المجال الاقتصادي والسياسي، خاصة تلك التي تروم الرفع من نسبة نشاط النساء في المجالين الاجتماعي والاقتصادي؛ وهو تدبير يهدف إلى مأسسة تمكين النساء، بالشكل الذي يساهم في تسريع المساواة الفعلية بين الرجال والنساء هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى يهدف إلى تعزيز مكانة المرأة في المجتمع بتيسير سبل مشاركتها الفعالة والفعلية في النمو الاقتصادي والنهوض بحقوق النساء. وذلك بموجب المرسوم رقم 2.22.194 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7101 – 20 ذو القعدة 1443 (20 يونيو 2022). أما على مستوى ممارسة المهن الحرة تمت تقوية ولوج المرأة لممارسة خطة العدالة سعيا لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، حيث تمكنت نسبة كبيرة من النساء من ممارسة مهنة العدول، خاصة وأن هذه المهنة ظلت لمدة طويلة حكرا على الرجال وهي مهنة لها ارتباط بنشاط اقتصادي.
3.التدابير القانونية والتشريعية
لأجرأة الاختيارات الرامية للتمكين الاقتصادي للمرأة تم اتخاذ العديد من التدابير القانونية الموازية سعيا لتكريس الرغبة الملحة الرامية لتشجيع التواجد الفعلي للمرأة في مراكز القرار الاقتصادي. وفي هذا الإطار، نص القانون رقم 19.20 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7006 بتاريخ (22 يوليوز 2021)، -بتغيير القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة- في مادته 39 على تخصيص حصص للنساء في مجالس إدارة الشركات بما يضمن تمثيلية متوازنة بين الرجال والنساء.
وفي نفس الإطار، نص القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7007 بتاريخ (26 يوليوز 2021)، في مادته 27 على ضرورة مراعاة مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور، عند تعيين أعضاء الجهاز التداولي للمؤسسات والمقاولات العمومية. ومن جانبه أقر القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، كما تم تعديله وتتميمه، في المادة 17 منه بأحقية المرأة المتزوجة في ممارسة الأنشطة التجارية دون أن يتوقف ذلك على إذن زوجها، بل أكثر من ذلك فقد اعتبرت المدونة المذكورة سابقا بأن كل اتفاق أو عقد مخالف لمقتضيات المادة 17 منها، يعتبر لاغيا بقوة القانون، هذا فضلا عن حماية وصيانة حقوق الزوجة وأبنائها القاصرين بمناسبة خضوع زوجها المدين لمسطرة الإنقاذ أو التسوية أو التصفية القضائية، بموجب المادة 710 من ذات المدونة...
أما على مستوى ملكية المرأة القروية لأراضي الجموع، بذلت المملكة المغربية جهودا استثنائية من أجل تمكين المرأة من أراضي الجموع وكذا استفادتها من كل ما يدخل ضمن ممتلكات الجماعات السلالية على قدم المساواة دون تمييز أو إقصاء وفق ما نص عليه القانون المنظم للوصاية الإدارية على الجماعات السلالية رقم62.17 المنشور بالرسمية عدد 6807 بتاريخ (26 أغسطس 2019)، ومرسومه التطبيقي 2.19.973 بتاريخ 9 يناير 2020 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6849 بتاريخ (20 يناير 2020)، إذ بتبني هذا القانون تم التدشين لمرحلة جديدة قوامها سمو القانون على الأعراف والتقاليد التي كانت تحكم الانتفاع من أراضي الجموع، حيث نص هذا القانون في مادتيه 6 و16 بشكل صريح على المساواة بين الرجل والمرأة كأعضاء من الجماعة السلالية لهما نفس الحق في الاستفادة من ممتلكاتها، وبذلك تم وضع حد للأعراف التي كانت تحرم على النساء الانتفاع من هذه الأراضي، فهذا القانون مكن من تحقيق المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات المتعلقة بالجماعات السلالية، حيث صرح المشرع في هذا النص أنهم، بحكم انتمائهما للجماعة السلالية، متساويان.
يمكن القول، أن هذه الترسانة القانونية التي تم تبنيها من المشرع المغربي تعتبر تجسيدا فعليا لالتزام المملكة باحترام مقتضيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، والتي انضم إليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993، وصادق على بروتوكولها الاختياري لسنة 1999، فضلا عن احترام دستور 2011 الذي نص في تصديره على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة، وكذا فصله 19 الذي متع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية أو فصله 164 الذي أحدث بموجبه الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز.
ثانيا: التحديات المرتبطة بالتمكين الاقتصادي للمرأة في التجربة المغربية
بالرغم من كل هذه البرامج والسياسات العمومية وكذا التدابير القانونية الموازية والتي تسعى أو تهدف للتمكين الاقتصادي للمرأة، تبقى المرأة المغربية مبعدة عن المشاركة في الحقلين السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللذان ظلا مجالين يحتكرهما أو يسيطر عليهما الرجال لوحدهم وتم إبعاد المرأة لعدة اعتبارات سياسية وثقافية وتاريخية وتقليدانية...، بحيث ما زالت المرأة تعاني من عدم المساواة الفعلية بينها وبين الرجال في الواقع، إذ تظل هناك عدة مجالات تتعثر فيها الجهود المبذولة، خاصة ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية ...، فضلا عن عجز النُّظم التشريعية القائمة على ضمان التواجد الفعلي للمرأة في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة المنتخبة وكذا عجز القوانين على تغيير واقع النساء للأفضل ومحاربة التمييز المبني على الجنس... وعليه؛ فإن أية محاولة للتفكير في سُبل التمكين الاقتصادي للمرأة ينبغي أن لا تقتصر على الأبعاد القانونية، بل يجب أن تنصب الجهود على تغيير الأبعاد الثقافية والتمثلات المجتمعية بخصوص أدوار المرأة.
وهذه التمثلات أو النظرة السلبية لوظيفة المرأة، جعلت كل الإجراءات والتدابير المتخذة لفائدتها اقتصاديا وسياسيا كضربة عصا في الماء، ذلك أن نشاطها الاقتصادي لا زال محتشما، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤل بخصوص قدرة القانون على تغيير المجتمع وتغيير التمثلات السلبية، لن نخشى المبالغة إذا جنحنا للقول بأن القانون وحده لا يكفي لتغيير المجتمع إن جاز لنا استعارة هذا التعبير من الباحث الفرنسي ميشيل كروزييه وكتابه الموسوم بعنوان:"لا يمكن تغيير المجتمع بمرسوم"، لأنه بحسب التقارير الرسمية فالنساء أكثر تأثرا بالهشاشة من الرجال ثم أن عددا قليلا منهن من يحصل على معاش ومعظمهن من المسنات وإما مطلقات أو أرامل تعشن في غالب الأحيان في عزلة ويعتمدن بشكل مباشر على مساعدة وإعانة الأهل والأقارب وعلى عائدات الأشغال المنزلية والإعانات المتأتية من العلاقات العائلية وعلاقات الجوار وما يتم الحصول عليه من عملية التسول،كذلك من المعوقات الإضافية نجد الانعكاسات السلبية لمعضلة الهدر المدرسي على النشاط الاقتصادي، إذ كيف للنساء اللواتي يعانين من الأمية أن ينخرطن في العمل الاقتصادي؟، وهذا من الصعوبات التي تقف أمام النساء بمثابة عائق إضافي.
أما في مجال الشغل، فنجد بأن نسبة كبيرة من النساء بلغن سن الشغل ولا يساهمن في الأنشطة الاقتصادية ولا يتوفرن على دخل خاص مرتبط بدور اقتصادي، كما أن الحضور الاقتصادي للنساء يظل فقط في القطاعات والوحدات الإنتاجية التي تعرف تشغيلا هشا وظروف عمل صعبة جدا، (قطاع الفلاحة والعمل المنزلي والاقتصاد غير المهيكل عامة)، وهذا المعطى سبق وأشارت إليه لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمناسبة فحصها للتقرير الدوري الرابع للمغرب في أكتوبر سنة 2015، حيث نبهت الدولة المغربية للإكراهات التي تمس حقوق المرأة اقتصاديا، وطالبت الحكومة باعتماد قانون لمكافحة التمييز يمنع جميع أشكال وصور التمييز، المباشر منه وغير المباشر، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في حق التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ومن بين التحديات الاقتصادية التي تحد من التمكين الاقتصادي للمرأة، نجد أن إقبالها على ممارسة الأنشطة الموازية يبقى دون المستوى المطلوب، فعدد النساء اللواتي يشرفن على تسيير التعاونيات والجمعيات ذات الطابع الاقتصادي يبقى ضعيف، كما أن النساء الأجيرات نادرا ما تمَكَّنَّ من تأسيس نقابة أو الانضمام إليها دون مساعدة رجال متخصصين بما في ذلك المقاولات التي يشكلن أغلبية داخلها.
على سبيل الختم:
ختاما، وبالرغم من كافة التدابير والاجراءات التشريعية التي لا يمكن لأحد أن ينكر أهميتها، فإنه يمكن القول بأن تحقيق فِعلية التمكين الاقتصادي وحتى السياسي تقتضي إعطاء وإيلاء المؤشرات والأبعاد غير القانونية الأهمية التي تستحقها، وخاصة تلك المتعلقة بالصورة النمطية للمرأة في المِخيال والتمثلات الجمعية، لأن معالجة هذه القضية تستحيل أن تتم بعيدا عن قضايا المجتمع باعتبارها مشكلة مجتمع يعيش تحت وطأة التخلف والأمية، مما جعل المرأة تعاني لفترات طويلة من الإقصاء والتهميش أحيانا بسبب الأفكار التي تنهل من التقاليد التي تستمد مرجعتيها من البنية الاجتماعية للمجتمع العربي القائم على النظام الأبوي كمعطى متجذر في ثقافتنا العربية يؤطر كل القيم والرموز والتمثلات السياسية والثقافية تجاه الأنا والآخر والذي يتمحور حول دور الأب سواء في الأسرة أو في النسق القيمي والثقافي بشكل عام، وما نتج عنه من مأسسة للهيمنة الذكورية في الأسرة وتوسيعها على النساء بصفة خاصة مما ساهم في إبعاد العنصر النسوي عن كافة مناحي الحياة الإدارية والسياسية على حد سواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.