حقيقة إذا ما تمعنا في حالنا قد نجد أنفسنا أصحاب هفوات وأخطاء ولكن بدرجات متفاوتة، لأن العصمة منها لا تكون متوفرة الا في الاشخاص ذوي الطبيعة الخاصة، وهذا راجع ربما لكثرة صبرهم وشكرهم وحمدهم وثقتهم بالله والقدر خيره وشره وفي انفسهم، أو ربما كذلك لمكونات وطبيعة خلقنا وصراع حياتنا وعدم فهمنا لبعضنا البعض وقدراتنا وضبابية احلامنا وضعف مقدرتها على مواجهة صراعتها للحروب الحياتية، لأننا في الحقيقة بشر قد نتأرجح مرة فوق ومرة تحت، فالهفوات والاخطاء التي نتعمد ارتكابها في بعض الأحيان قد تجعل الفرد منا يكرمكم الله أقل من الحيوان وقد يصبح بالعمل الجاد والاعتراف بالأخر وشكر الله على كل ما يصيبه من أزمات والصعاب، أعلى درجات من بعض المكرمين، كظفر وتبشير بعض صحابة الرسول بالجنة بعدما كانوا على كفر وشرك شديد قبل معانقتهم الاسلام. فبطبيعة الحال قد لا نجد انسانا على وجه الكرة الأرضية راض عن نفسه، لأن الحياة والطبيعة البشرية منذ القدم وهي مسرح للتناقضات، ظلمةٌ ونور، نجاح وفشل، يأس وأمل، وهذا ما يجعل البعض منا وخصوصا ممن غاب عنهم قانون الحياة الإيجابية يقعون فريسةً لليأس والتذمر وتقبل القدر ورفض الوقوف ومواجهة ومخاصمة الأمل وعدم الشكر على ما أصابه لأنه يمكن أن يصيبه اكثر من ذلك ، لهذا قد تجد في قلوبهم غشاوةٌ سوداء، يفضلون الانعزال وقد يصل الأمر بهم إلى الهلاك والاستسلام، مما يضطر بعضهم للإصابة بالعديد من المتلازمات النفسية التي ما فتئت تنتشر وبشكل كبير في وقتنا الحالي والتي يتسم بعضها بالغرابة الشديدة و من بين هذه المتلازمات: 1- المتلازمة المازوشية: وهي نوع من الاضطراب النفسي الذي يستخدم فيه الشخص الأوهام والخيالات والسلوكيات التي تنطوي على أفعال مهينة ومؤذية بحيث تحقق له إثارة وتحرش جسدي ولفظي، وقد تشمل هذه السلوكيات الإهانات اللفظية والإذلال والضرب والإكراه والإساءة. 2- كما يمكن أن يصاب الفرد منا كذلك وما أكثرهم في مجتمعاتنا دون اظهار ملامحها وادراكها بمتلازمة ستوكهولم ( Stockholm syndrome) وهذا هو الأخطر، لأن هذه الظاهرة النفسية هي التي تصيب الفرد منا وتجعله يتعاطف و يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من أشكال العنف والذل ويظهر له الولاء والحب خوفا من مواجهته ربما، وقد جاء إسم هذه المتلازمة من قبل نيلس بيجرو NILS BEJEROT وهو طبيب النفس وعالم في الجريمة في ستوكهولم، حيث استخدم هذا المصطلح لشرح ردة الفعل غير المتوقعة للرهائن من عملية سطو فاشلة على بنك (Sveriges Kreditbank) في ستوكهولم بالسويد سنة 1973، والتي تم من خلالها احتجاز أربعة موظفين كرهائن في قبو البنك لمدة ستة أيام. وخلال هذه الفترة نشأت رابطة تبدو متناقضة بين الخاطفين والرهائن، فعلى الرغم من احتجازهم ضد إرادتهم في وضع يهدد حياتهم وسلامتهم وتعرضهم للإيذاء والعنف اللفظي معنويا وملموسا كان، فإن هؤلاء الأفراد رغم كل ذلك أقاموا علاقات إيجابية مع خاطفيهم حتى أنهم ساعدوهم في دفع أتعاب محاميهم بعد القبض عليهم. على الرغم من معرفتهم وادراكهم بخطورة وبشاعة جرمهم، وهناك امثلة كثيرة في حياتنا اليومية على أصحاب هذه المتلازمة في مجتمعاتنا وحتى في نطاق عملنا والتي يمكن ان نستثني منها فقط، المضطر والخاضع للظروف الخارجة عن ارادته والمتمسك بمبادئه العليا وكرامته والرافض لها ولولائها المطلق. أما البعض الآخر والمتحرر من جميع المتلازمات النفسية السيئة فقد نجده واقفا كالسد المنيع في وجه اليأس وهذه المتلازمات الخطيرة والوليدة على حياتنا واضعًا نصب عينيه أنه "لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة" معتبرا بأن الحياة هي درب شائك فيه الكثير من المطبات يجب تذليل صعابها ومواجهتها بكل حزم وفطنة ورباطة جأش، وإرادةٍ قويةٍ وبعزيمةٍ صلبة، فهو يعرف أن حياته قائمةٌ على العمل الجاد والمثابرة والصراحة والحب والتفاهم والاحترام والتفاؤل، وأن مقاومة اليأس لا تتم إلا بالأمل والطموح والشكر على جميع الأحوال وعدم القنوط من رحمة وقدر الله مصداقا لقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام " قالَ وَمَنْ يَقنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ إلا الضَّالونَ "س الحجر56. وقال عز وجل على لسان يعقوبَ عليه السلام " إِنَّهُ لا يَيْأسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " س يوسف 87، فمَن الذي نجّا نبيَّه موسى ومن معه بعدما أدركه فرعون وجنده؟ إنه الله ومَن الذي نجّا نبيَّه إبراهيم بعدما ألقِيَ في نار مشتعلة؟ إنه الله ومَن الذي نجّى نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم بعدما أحاط به الأعداء وهو في غار ثور؟ إنه الله. فلنحسن الظن بالله ورجاء رحمته وشكره ولنصبر ولنتق في قدرنا وقدراتنا لكي لا نمنح لشياطين الجن وما اكثرهم من الانس خصوصا في وقتنا الحالي فرصة تحقيق ظنهم فينا من خلال تسلطهم علينا ودعوة زعيمهم الشيطان لرب العباد " ولا تجد اكثرهم شاكرين " س الأعراف 17 فاختم مقالي بدعوة مفادها اللهم اجعل لكل فرد من همه فرَجاً، ومن كل ضيقٍ مخرَجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمة وآمن روعتنا واحفظنا من بين ايدينا ومن خلفنا، وعن يميننا وعن شمالنا، ومن فوقنا، واجعلنا من الشاكرين الصابرين. الاثنين 22/04/2024م