ما أجمل الكتابة عندما يحس المرء بانه يريد ان يكتب شيئا، خصوصا عندما يكون الخزان المعرفي في قمة التأهب و في حركات باطنية يائسة على حالها، اليأس... نعم اليأس فما أجمل أن يصاب المرئ بخيبة أمل و يجد نفسه في ضيافة بهجة اليأس، و خاصة أنه نصف الحياة كما يقول ستندال، لأننا بدون يأس لا يمكننا الإستمرار في الحياة، لاسيما و ان الإهتمام المستمر بالمستقبل يتجه نحو هذا القدر الحزين، أي نحو هذه التجربة المتقلبة و التي تقوده نحو الإقامة في مملكة اليأس، لكن هل بإمكان الإنسان أن يبتعد عن الياس بمجرد ابتعاده عن إغراء الحب و التفكير في المستقبل؟ . من أجمل الحكايات التي حفظها لنا تاريخ الحب، نجد حكاية تلك الراهبة البرتغالية ماريا الكوفاردو و التي تكتب إلى عشيقها و هي في قمة اليأس، تخاطبه قائلة: " إنني أشكرك من أعماق قلبي على اليأس الذي دفعتني إليه، فأودعك و ألتمس منك ان تحبني و ان تزيد آلامي يوما بعد يوم، لعل هذه الرغبة في تطهير النفس و الشغف إلى يقظة الروح لا تتم إلا من خلال الحب العميق و المهدد بالزمن المتغير." فكلما كان الحب عميقا و مقدسا، إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل كلما كان بوابة مفتوحة على اليأس، لكن التساؤل العميق الذي يتبادر إلى ذهني الآن و انا أتربع على عرش مملكة اليأس هو هل من الضروري إهداء أعظم ملكة و أنبل عاطفة إلى الآخر المغاير لنا على الرغم من عدم معرفته بقيمة هذه العاطفة؟ أم أن هذا هو الرهان على الإقتراب من نار اليأس؟. إن الحب الحقيقي غالبا ما يتحول إلى شعلة متوهبة من النور و النار، و خاصة و أن النار تحرق كل ما تلامسه، و لكنها أيضا تضيئ كل ما حولها. و الحقيقة ان الإنسان المبدع لم يتأكد من شيء غير قدسية عواطف القلب و حقيقة الخيال الرائعة الجميلة بكلماتها الهادئة أمام نعيم الوجود المنهار أمام عجلة الزمان، لأن الحياة مهما طالت و مهما تميزت بالبهجة و السرور و السعادة فإنها تظل دائما قصيرة و مجرد نقطة عبور بين دار الدنيا و دار الآخرة، بين اليأس و السعادة،أما الإنسان العامي " غير المبدع "فإنه مرغم على العيش في كهف الجسد و نادرا ما يلامس توهج القلب، بيد أن العقل يموت و يخفت نوره بعدم الاستعمال. هكذا يصبح الآخر الغريب عنا يسكن وجودنا الأنطلوجي و يجعل حياتنا النفسية في حالة نوم و سهاد دائمين. بقلم الأستاذ : محمد الغرباوي Gharbaoui2010gmail.com