أكد عدد من الباحثين بالجامعة المغربية على أن مبادرة مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب للأمم المتحدة لا يتعارض مع مبدأ تقرير المصير. وأكد الباحثون، خلال أشغال المنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد بدولة النبال ما بين 16 و 19 فبراير 2024، أن تبني الحكم الذاتي يستوجب عرضه على الاستفتاء بالأقاليم الجنوبية بالإضافة إلى القيام بتعديل دستوري، مما يجعله اختيارا ديمقراطيا يجمع بين السيادة الوطنية وتفويت بعض الاختصاصات لجهة الحكم الذاتي. وفي هذا الصدد أكد أستاذ القانون العام بكلية الحقوق المحمدية، عمر الشرقاوي، بأن أي محاولة لإقامة تعارض بين الحكم الذاتي وتقرير المصير "هو نوع من المغالطات، فتقرير المصير هو أن تمنح الدول الساكنة الحق في تطورها على المستوى الاقتصادي والتنموي والإداري، وللحفاظ أيضا على خصوصية المنطقة الثقافية والاجتماعية، وهو الأمر الموجود ضمن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب للأمم المتحدة منذ 2007". وأضاف الشرقاوي أن أي صيغة لتدبير النزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية لن يتم خارج الوحدة والسيادة الوطنية كما تعمل به التجارب الدستورية المقارنة. من جهته أبرز مدير مختبر القانون العام وحقوق الانسان، بكلية الحقوق المحمدية، سعيد خمري، عددا من نقاط التشابه بين مقترح المغرب للحكم الذاتي لجهة الصحراء وتجربة إسبانيا في نظام الحكم الذاتي للمناطق المستقلة، وأوضح المتدخل أن نظام الحكم الذاتي في كلتا الحالتين يعترف بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما هو منصوص عليها في المعايير الدولية لحقوق الانسان وفي دستوري البلدين. من جانبه قدم أستاذ القانون الاجتماعي بكلية الحقوق المحمدية، محمد طارق قراءة في تجربة 9 سنوات من النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، والذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2015، حيث استعرض بالبحث والتفصيل سياق وفلسفة النموذج التنموي، وقدم الخطة التنفيذية لإنجازه، وأشار إلى الميزانية المخصصة لتنزيله التي تناهز 8 ملايير دولار أمريكي. كما قدم الحصيلة الاجتماعية والاقتصادية للنموذج خلال 9 سنوات، واعتبر أن المؤشرات والأرقام "تتحدث عن فعلية تمتع ساكنة الجهات الثلاثة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، كما خلص المتدخل إلى أن النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، "تجربة تستحق التعميم حيث تنطلق من فلسفة حقوق الإنسان وتسعى إلى ضمان فعلية الحق في التنمية، وهي خطوة في طريق إقرار الحكم الذاتي، رغم الإكراهات المرتبطة بجائحة كوفيد 19 وما رافقها من تأثير عالمي على مؤشرات التنمية". فيما تطرق أستاذ القانون العام والعلوم الإدارية بكلية الحقوق المحمدية، محمد الداودي، للحقوق الاجتماعية في مبادرة الحكم الذاتي من خلال عرضه لدراسة مقارنة بين الحقوق الاجتماعية كما جاءت في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتشريع المغربي، حيث تبين من خلالها أن التشريع المغربي يتلائم والتشريع الدولي في هذا المجال. وانتقل الأستاذ الجامعي لقراءة لمضمون مبادرة الحكم الذاتي ومختلف المحاور الأساسية المكونة له، حيث خلص في تحليله إلى كون مبادرة المغرب للحكم الذاتي من خلال الاختصاصات المخولة لإدارة الحكم الذاتي "ستشكل قيمة مضافة لتجويد التنزيل الجيد للحقوق الاجتماعية لسكان الأقاليم الجنوبية للمملكة". من جانبه أكد أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية، المهدي منشيد، أن مضامين مشروع الحكم الذاتي "حمالة للعديد من الرسائل لمن يهمهم الأمر، وأولى هذه الرسائل هي أن مضمون الحكم الذاتي والنفس الديمقراطي الذي تحمله مقتضياته، سيكون بدون شك في حالة تنزيله حصانة ودعامة قوية لمسلسل الإصلاحات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي دشنها المغرب منذ عقدين من الزمن ورافعة مهمة للديمقراطية الترابية ببلادنا". الرسالة الثانية التي يحملها المشروع، حسب منشيد، فهي موجهة لمحيطنا الإقليمي حيث يعتبر مشروع الحكم الذاتي نموذجا يحتذى به وفي نفس الوقت هو جواب ديمقراطي على أزمة أريد لها أن تطول في الزمن. وذكر المتحدث بخلاصات مؤتمر طنجة للحركات التحررية المغاربية لسنة 1958 التي "أكدت آنذاك على أن وحدة دول وشعوب المغرب العربي تمر عبر النمط الفيدرالي الذي هو أكثر ملاءمة لواقع المغرب الكبير، وبالتالي فإن هذه الخلاصة لازالت لها راهنيتها وأهميتها وتنسجم تماما مع مشروع الحكم الذاتي في بعده الوحدوي والديمقراطي، خصوصا في ظل عالم يتحول بسرعة كبيرة ولايعترف إلا بالتكتلات القوية سياسيا واقتصاديا وعسكريا. يشار إلى أن هذه الندوة عرفت مشاركة خبراء من الهند والنيبال وتونس وبعض الدول الأوروبية.