هو الرجل الذي رفض حلاوة مضاجعة السلطة ، ورضي بالإرتماء في حضن الوطن السرمدي ، حتى يكون شاهدا على زواج الوصل بين الأحفاد والأجداد .... اسمه محمد بوستة ، رغم أن دفاتير التاريخ تخبرنا أن مناقب الرجل تجاوزت رقم اسمه بكثير ... في مطلع التسعينيات شهد المغرب أنبل موقعة ، بين المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه ، وبين المعاني السامقة للمتخرجين من بطن الحركة الوطنية الثرية بالمبادىء والحكم والعبر ،،،، حيث قدح رأس الحسن الثاني ببداية عهد المهادنة بينه وبين المعارضة الوطنية ، فاقترح على امحمد بوستة تكوين حكومة توافقية تؤسس لتناوب ديموقراطي مبكر ، لكن امحمد بوستة رفض العرض لأنه على حد قوله لايقبل بوجود شخص اسمه إدريس البصري كوزير للداخلية في حكومته ، فالأمر لايستقيم في نظر الرجل إذا كانت النية تنحو منحى الانتقال من السلطوية إلى وطن ديموقراطي يسع الجميع ،،،، فكانت المحصلة حادثة سير مؤلمة بين الملك وامحمد بوستة ،،،، الحسن الثاني لم يتقبل صدمة " فيتو " بوستة عندما أخبره ادريس البصري بالأمر ،،،، فقال مقولته الشهيرة " ارتعدت حتى سقط مابيدي " ... توفي الحسن الثاني رحمه الله ولم يحضر للمشهدية الخالدة بين امحمد بوستة ومدونة الأسرة ، لكنه كان يعلم أنه ترك لإبنه رجالا صادقين ، لايعرف الغدر لقلوبهم سبيلا ... ولما اشتد وطيس ذلك التطاحن المجتمعي الذي كان ينذر باحتمال وقوع مجزرة في حق الوطن ، تهدد استقراره وسلمه الاجتماعي ، بعدما خرج الجمعان ، في مظاهرة مليونية في الرباط تطالب بعدم المساس باسلامية المدونة ، وأخرى أقل منها تطالب بسيادة العلمانية في مضمون المدونة ... كان هذا بعدما فشل فقيه فقهاء القانون في المغرب إدريس الضحاك الذي كان يترأس لجنة اصلاح المدونة ، في العثور على فتوة تغتال تلك الفتنة في مهدها ، ليتوجه صاحب الجلالة لرجل الإنقاذ والتوافق، الحكيم الصامت امحمد بوستة حتى يكون بديلا لادريس الضحاك ، لكنه هاته المرة قبل بنداء وطنه وملكه على مضض خوفا على عافية الوطن ، ونجح في تجنيب المملكة شر أي مكروه قد يطال الأسرة المغربية ، التي هي قلب المجتمع ، ليتأكد الجميع أن الوطن بخير مدام هناك رجال من طينة امحمد بوستة ، وأن المملكة واحة استقرار أبدية في عالم متوتر ... امحمد بوستة المحامي الذي تخرج على أيديه أكبر رجال القانون في المغرب ، سبق له أن تقلد منصب وزارة الخارجية مرتين ، كما تسلم المشعل من علال الفاسي ليكون أمينا عاما على حزب الاستقلال لمدة 20 سنة ، ورغم ركونه لخلوته الاختيارية ، بقي الرجل ناصحا أمينا للملك ولحزبه ولكل مايجعل هذا الوطن حرا سعيدا .... – امحمد بوستة الذي لايتعب .... يستغرق وقتاً كافياً في التأمل. يتمعن بالسؤال جيداً قبل أن يجيب بلهجته المراكشية المعروفة بالمغرب. لم يسجل عليه يوماً أنه أخطأ في التعبير، أو في التقدير. كثيرون باتوا يلقبونه بحكيم السياسة في المغرب، أو "الحكيم الصامت" لما عُرف عنه من حكمة وتريث. إنه امحمد بوستة، الزعيم السياسي المغربي الذي ولد في مدينة مراكش سنة 1925. استطاع أن يحظى بسمعة سياسية ناصعة خلال مساره السياسي والحزبي، سواء حين كان وزيراً للخارجية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أو حين أصبح الأمين العام لحزب الاستقلال العريق. وكما بلغ الزعيم في الاتحاد الاشتراكي، عبد الرحمن اليوسفي، مكانةً محترمةً، وتميز خصوصاً خلال تجربة "حكومة التناوب" في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بين 1998 و2002، راكم بوستة رأسمالاً اجتماعياً من التقدير السياسي يشهد له به خصومه قبل أصدقائه. وواجه بوستة، الذي درس القانون والفلسفة في جامعة السوربون الفرنسية، قبل أن يعمل محامياً، وزير الداخلية القوي الراحل إدريس البصري، أيام الملك الحسن الثاني، بكثير من الحزم والصرامة. ولم يُعْرف عنه يوماً أنه خضع لأوامر البصري السلطوية التي كان الكثير من السياسيين والأحزاب يخنعون لها من أجل التقرب من السلطة. ومواجهة "الحكيم الصامت" للبصري وصلت إلى أوجها حين رفض طلب الملك الحسن الثاني بتشكيل حكومة لإنقاذ المغرب من "السكتة القلبية"، وعزا رفضه إلى "إفساد وزارة الداخلية للحياة السياسية وتزويرها للانتخابات". يذكر أن البصري توفي في 27 أغسطس/آب 2007، بمنفاه الاختياري في باريس، بعدما تم إبعاده من طرف الملك محمد السادس، وذلك خلال مرحلة توتر العلاقة بين الحكومة والمعارضة. وعلى الرغم من أن الصمت هو السمة التي تغلب على بوستة، إلا أن هذا الزعيم السياسي، الذي ينطلق من خلفية قانونية متينة، لم يكن يلتزم الصمت عندما يشعر بأن الخطر يدهم الديمقراطية التي يحاول المغرب الانتقال إليها. ولم يكن يتردد في انتقاد تحول وزارة الداخلية في عهد البصري إلى "غول سياسي لا يبقي ولا يذر". وعمل بوستة وزيراً للوظيفة العمومية عام 1961، ووزيراً للخارجية بعد ذلك، قبل أن يقدم استقالته من منصبه سنة 1963، ليعود إلى منصبه في الفترة التي تراوحت بين 1977 و1983. وعين بعد 17 عاماً رئيساً للجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة. وهو المنصب الذي ظهرت فيه "حكمته السياسية" بعدما قام بالتوفيق بين تيارين متنافرين تماماً، تيار إسلامي محافظ وآخر حداثي. وظهرت حكمة بوستة، الذي يُحسب له أنه كسر هيمنة ذوي الأصول الفاسية (نسبة إلى مدينة فاس المغربية) على حزب الاستقلال، بعدما خلف زعيم الحزب ومؤسسه، الراحل علال الفاسي. فهو نجح بأن ينسج "خيطاً أبيض" بين قيادة الحزب الحالية وتيار سمى نفسه "بلا هوادة"، وطالب بعدها برحيل الأمين العام للحزب، حميد شباط. واستطاع بوستة نزع فتيل الصراع داخل حزب الاستقلال، الذي انسحب من التشكيلة الأولى لحكومة عبد الإله بن كيران (رئيس مجلس الوزراء المغربي منذ عام 2011)، ليصطف في خندق المعارضة، ثم عاد إلى "التودد" للحكومة بصيغتها الحالية. ودفع بوستة الغاضبين والمحتجين إلى "المصالحة" مع قيادة الحزب. ودعا الجميع إلى تناسي الماضي والانكباب على المستقبل، لا سيما في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016. ولخص بوستة المصالحة التي أرساها داخل حزب الاستقلال بقوله إن "التوجه نحو المستقبل يستوجب التخلي عن اللغة التي تعمق الجراح". وأضاف أن أحداً غير معصوم من الأخطاء بمن فيهم هو، لما كان الأمين العام للحزب، ولكنه صبر على الشتائم التي وجهت إليه من طرف بعض الناقمين، ليصل بسفينة الحزب والبلاد إلى بر الأمان ... – عندما اقتنع بوستة بضرورة كتابة مذكراته ... «خلال سنة 1960 دخلنا مرحلة أخرى، إذ تمت إقالة حكومة عبد الله إبراهيم يوم 21 ماي، وفي الواحد والثلاثين منه نظمت أول انتخابات بلدية بالمغرب المستقل، وقد تقدمت بملف ترشيحي لهذه الانتخابات بمدينة مراكش. كانت انتخابات مثالية من حيث أجواء النزاهة والمصداقية التي طبعتها، ولم تتدخل الإدارة فيها بصفة مطلقة. كما لم يشبها أي تزوير. خسر مرشحو حزب الاستقلال في مدن كثيرة وكبيرة، مثل الدارالبيضاء وآسفي والرباط. وكان الصراع في هذه الانتخابات محتدما ومقتصرا على كتلتين سياسيتين هما حزب الاستقلال والحركة الجديدة التي انفصلت عنه».. كانت هذه أجواء وصول امحمد بوستة إلى المجلس البلدي لمدينة مراكش سنة 1960. أما عن صراعه مع إدريس البصري فقد اعترف بوستة أن حربه مع وزير الداخلية كانت بسبب تزوير الانتخابات حتى أنه رفض تشكيل حكومة كلفه الملك الراحل الحسن الثاني بتشكيلها، واعتذر بسبب وجود إدريس البصري في وزارة الداخلية كشرط على تشكيلها. ووقتها صدر البلاغ الشهير حيث ربط كل الذين سمعوه بين كلمة «المقدسات» التي وردت فيه وفهموا جميعا أن المقصود بها هو إدريس البصري. بوستة: قررت الدولة مسبقا أن أفوز بانتخابات 1993 يحكي امحمد بوستة أن الملك الراحل الحسن الثاني استدعاه في آخر أيام شهر دجنبر مباشرة بعد تدخل له في البرلمان للرد على عرض كان قد ألقاه الوزير الأول، وطلب منه شخصيا أن يشكل حكومة. يقول بوستة في هذه المذكرات إن الكثيرين لاموه على عدم قبول العرض الملكي لتشكيل الحكومة. وقد رد عليهم بوستة بالقول إنه تعلم من الملك الراحل الحسن الثاني أن السياسة مثل الفلاحة، للحصول على نتيجة جيدة يجب احترام دورة الفصول. وهي إشارة إلى أن بوستة كان مقتنعا في رأيه الشخصي أنه لا يجب أن يحرق المراحل، خصوصا أن الذين لاموه أخبروه أنه كان يتعين عليه قبول العرض أولا ثم سن الإصلاحات في ما بعدُ. ثم جاءت الأزمة الشهيرة بين امحمد بوستة وإدريس البصري، والتي ألفت عنها روايات كثيرة. ويرفع بوستة اللبس في هذه المذكرات بالقول: «بعد اللقاء مع الملك، والذي أخبرته فيه أنني اعتذرت عن تحمل مسؤولية الوزارة الأولى وتشكيل الحكومة، اتصل بي أحمد رضا اكديرة، مستشار الملك، بحضور محمد اليازغي ومحمد بن سعيد آيت إيدر، وأخبرني ب: «أن الملك قرر وقف المشاورات ولهذه الأسباب فإن بلاغا رسميا سيصدر في الساعات المقبلة، سأقرؤه عليكم الآن قبل إذاعته ونشره رسميا». يقول بوستة إن سبب الرفض كان فرض إدريس البصري نفسه في وزارة الداخلية. وهكذا فقد بدأ رضا اكديرة، مستشار الملك الراحل الحسن الثاني، في قراءة نص البلاغ الذي أصدره الديوان الملكي في الموضوع. ويحكي بوستة: «جاء في البلاغ أن الموقف الذي عبرنا عنه بشأن العرض الملكي يعد مساسا بالمقدسات. وعندما نطق أحمد رضا اكديرة بكلمة «Sacre» –لأن البلاغ كان مكتوبا باللغة الفرنسية- قاطعته قائلا: «ماذا تعني بكلمة «مقدسات»؟! المقدسات التي نعرف هي الله والدين والوطن، واحترامنا للنظام الملكي، وفي نظرنا لم يتم المساس بالنظام الملكي في وقت من الأوقات، أم تريدون أن تجعلوا من إدريس البصري جزءا من مقدسات البلاد؟ فهذا أمر لا يقبله ذو عقل سليم». لكنه ظل متشبثا بفكرته وأذيع البلاغ ونشر بتلك الصيغة، وقد اتضح جليا أنهم ندموا في ما بعد على صيغة هذا البلاغ وتبين لهم، كذلك، أن موقفنا كان هو الصواب. لكن رغم كل ذلك ورغم عدم مشاركتنا في الحكومة، واصلنا عملنا السياسي داخل الحزب وداخل البرلمان. أما في ما يخص الانتخابات. فقد حكى بوستة: «في انتخابات يونيو 1993 مثلا، قررت وزارة الداخلية، مسبقا، أن أفوز في هذه الانتخابات، ومسألة الفوز كانت محسومة لدي، فقد كنت على يقين تام بأن الناخبين بمراكش التي أمثلها سيجددون الثقة في شخصي المتواضع. وكما حدث سابقا في جميع الاستحقاقات، باشرت حملتي الانتخابية وكان يؤازرني فيها ثلاثة من الإخوان الاستقلاليين. وكانت تمر في ظروف عادية، إلى أن جاء أحد أعوان السلطة (مقدم) فسلم لكل واحد من هؤلاء الإخوان، وهم حاد لزرق وفاخر أبو الهدى وثابت، حوالي 300 بطاقة انتخابية تمثل أصواتا لصالحي. تسلم الأخوان الأول والثاني تلك البطاقات. أما ثابت فرفض تسلمها مخافة أن يغضبني الأمر، وجاء حاد لزرق وفاخر أبو الهدى فسلماني البطاقات وقالا لي: «هذه وزارة الداخلية تدعمك بواسطة أعوانها». وكان لنا مساء ذلك اليوم لقاء مع الجماهير، في إطار الحملة الانتخابية بإحدى القاعات السينمائية بحى القصبة بمراكش. صعدت إلى المنصة من أجل إلقاء خطابي التواصلي، وانتهزت هذه الفرصة لأرمي بتلك البطاقات الانتخابية في فضاء القاعة أمام اندهاش الجمهور الحاضر. وقلت: «هذه بطاقات تريد وزارة الداخلية أن تدعمني بها لكي أفوز في الانتخابات، انظروا إلى هذه المهزلة... والآن، أنتم الوحيدون الذين تملكون كلمة الفصل في أن أمثلكم أم لا؟». امحمد بوستة الثاني من جهة اليسار خلال اجتماعات تشكيل حكومة بإشراف الملك الراحل الحسن الثاني مع قيادات الأحزاب الوطنية منتصف التسعينيات المساري أقنع بوستة بكتابة المذكرات لم يكن يخفى على أحد، بمن فيهم وزراء الخارجية العرب خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات، أن الزعيم الاستقلالي امحمد بوستة، كان بمثابة علبة سوداء للملك الراحل الحسن الثاني. ورغم أنه لم يكن دائما في قلب الحكومات، بل كان في صف المعارضة أحيانا رغم قربه من القصر، إلا أنه كان دائم الحضور إلى جانب الملك الراحل الحسن الثاني، خصوصا خلال القمم العربية واللقاءات مع زعماء دول إسلامية وأجانب. يروي الصحافي محمد الضو السراج، في حديث مع «الأخبار»، أنه كان يسعى خلف امحمد بوستة خلال السنوات الأخيرة من حياته عندما توارى عن الأضواء، وبحكم المعرفة المسبقة بينهما، حاول السراج أن يقنع امحمد بوستة لكي يسجل معه مذكراته بالصوت والصورة، لكن الأمين العام السابق لحزب الاستقلال بعد وفاة زعيمه التاريخي علال الفاسي، كان يعتذر بلباقة في كل مناسبة. وهنا فكر محمد الضو السراج في طريقة لإقناع بوستة ببداية التسجيل، ولجأ إلى وساطة الوزير السابق محمد العربي المساري الذي كانت علاقته بامحمد بوستة وطيدة جدا. بحضور المساري، قال بوستة لمحمد السراج بلهجة مراكشية لا تُخطئها الأذن إنه سوف يسجل معه المذكرات كما يريد لكن شريطة أن يحولها إلى كتاب مطبوع. وهكذا كانت وصية بوستة ضمنية وكأنه يوصي أن يصدر كتاب مذكراته، وهو ما حدث فعلا بعد وفاته. وكان المساري شاهدا على الوعد الذي قدمه السراج لمحمد بوستة، والذي كان بمثابة شرط أساسي لانخراطه في عملية التوثيق لمسار حياته الحافل بالأحداث الوقائع. اشتغل محمد الضو السراج مع امحمد بوستة، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، على ساعات طويلة من التسجيل امتدت لأشهر، تطرق فيها لمحطات مهمة من حياته خلال مرحلة شبابه وبداية التحاقه بالعمل الوطني، ثم انضمامه إلى حزب الاستقلال ووصوله بسرعة إلى الصف الأول، حيث ذهب مع وفد حزب الاستقلال إلى محادثات «إكس ليبان» التاريخية، وعاش تفاصيلها عن قرب، كما مر بمحطات كثيرة بعد الاستقلال وكان الملك الراحل محمد الخامس يعرفه بحكم نشاطه الدائم وحضوره مع قادة الحزب في جل اللقاءات التي جمعتهم بالملك الراحل خصوصا بعد المنفى. وهكذا أصبح امحمد بوستة من كبار السياسيين المغاربة في مرحلة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كان يرافق علال الفاسي في أغلب مهامه الدبلوماسية التي كلفه بها الملك الراحل الحسن الثاني، وكان معه في آخر مهمة له ببوخارست، لكي يتم الإجماع على تعيين امحمد بوستة أمينا عاما لحزب الاستقلال سنة 1974 بعد وفاة علال الفاسي. وهكذا عاش بوستة محطات حرجة في مغرب السبعينيات بدءا بالانقلابات ضد الملك الحسن الثاني وصولا إلى التضييق على المعارضة، حيث كان بوستة من مهندسي ما كان يعرف بالكتلة التي تشكلت من الأحزاب الوطنية البارزة. اشتغل الراحل على ملف الصحراء المغربية، حيث كان من بين أكبر العارفين بكواليس الصراع في الصحراء حيث عاش شخصيا أحداثا مهمة في مسار استرجاع الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الإسباني. وقد كانت سنوات السبعينيات بالنسبة إليه، فترة للتركيز على قضية الصحراء في الملتقيات الدولية. عُرف بوستة أيضا بمعارضته الكبيرة لإدريس البصري إذ كان من أشهر المعترضين على تشكيل حكومة سنة 1993 حيث رفض المشاركة فيها باسم حزب الاستقلال بوجود إدريس البصري في وزارة الداخلية. وعندما غادر امحمد بوستة الحياة السياسية كان بيته مزارا لكل من تملكهم الفضول لمعرفة كواليس مراحل مهمة من تاريخ المغرب، ولو أن الراحل كان معروفا بتحفظه الكبير عن الخوض في التفاصيل أمام من لا يعرفهم. وهنا تأتي قوة هذه المذكرات: «امحمد بوستة.. مذكرات في الحياة والسياسة»، إذ أن بوستة باح فيها بأسرار من حياته اختار لها عنوان: «الوطن أولا»، وكأن الخلافات التي قد تثيرها المذكرات ليس فيها مكان للشخصي أمام المصلحة العليا للوطن... محمد بوستة... "الحكيم الصامت" عاش 95 عاما وكان أحد أبرز رجالات السياسة في تاريخ المغرب الحديث محمد بوستة في هذا البورتريه، نتابع حكاية سياسي استثنائي اسمه محمد بوستة... الرجل الذي عايش كل الأحداث السياسية التي عرفها المغرب، منذ عهده بالحماية، وكان فاعلا في عديد منها. الحديث عن محمد بوستة، يشبه محاولة الإمساك بشلال... كلما أمسكت بخيط منه أفلت منك خيط آخر. كيف لا وقد عايش كل الأحداث السياسية التي عرفها المغرب، منذ عهده بالحماية حتى أيامه هذه. بوستة أحد زعماء حزب يصنع صورة باهرة للمغرب سياسيا على المستوى الخارجي، كان بوستة يده اليمنى حينما تقلد وزارة الخارجية في ملفات كثيرة كقضية الصحراء والقضية الفلسطينية. والحاصل أنه، لباعه الديبلوماسي، لقب ب"الحكيم الصامت". في هذا البورتريه، إذن، نستحضر ذكرى سياسي استثنائي، اسمه محمد بوستة. محمد بوستة ولد محمد بوستة في ال11 من غشت 1922[1]، بدرب بوستة في مراكش، لأب اسمه أحمد وأم تدعى فاطمة. ونشأ في جو يغمره العلم. يقول أديب صديق له[2]: "على كثرة أفراد أسرة بوستة، كنت لا تجد فيهم تاجرا، وإنما فلاحا أو حرفيا أو عالما". بدأ بوستة دراسته في المسيد بمراكش، فحفظ القرآن مبكرا ثم أكمل بعد ذلك دراسته الابتدائية والثانوية في ذات المدينة، قبل أن يسافر إلى فرنسا ليدرس بجامعة السربون، تخصص القانون والفلسفة. اقرأ أيضا: المرجعية التاريخية للتنظيمات السياسية المغربية. 3 التنظيمات السياسية بعد الإستقلال (1956-1961) انخرط بوستة في العمل الوطني، وهو لا يزال تلميذا. من أبرز نتائج درايته بالعمل السياسي منذ باكر عمره، أنه كان من بين مؤسسي حزب الاستقلال. كان بوستة من أوائل من كسروا هيمنة السياسيين ذوي الأصول الفاسية على لجنة حزب الاستقلال التنفيذية. غداة وفاة الزعيم التاريخي للحزب، علال الفاسي، عام 1974، أصبح بوستة أمينا عاما للحزب، قبل أن يستقيل عام 1998 ويخلفه فاسي... هو عباس الفاسي. لاحقا، حين عاد إلى المغرب، بعد إتمام دراسته بفرنسا، فتح مكتب محاماة في الدارالبيضاء عام 1950، ثم شارك كمحام في أغلب المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب بعد الاستقلال. أصبح بوستة فيما بعد نقيبا للمحامين، وقد تخرج في مكتبه محامون عدة، أشهرهم، الوزير الأول الأسبق، عباس الفاسي. في أحد حواراته مع جريدة العلم، صرح بأنه كان أول من علم، مع عبد الرحيم بوعبيد، بقرار رجوع الملك محمد الخامس من المنفى. كانا حينذاك بباريس في خلايا حزب الاستقلال للتحضير لمؤتمر "إيكس لبيان". أخبرهما وقتها رئيس الحكومة الفرنسي "إدكارفور"، وقد تذكر هذه اللحظة كأهم لحظات حياته. كان بوستة من أوائل من كسروا هيمنة السياسيين ذوي الأصول الفاسية على لجنة الحزب التنفيذية. غداة وفاة الزعيم التاريخي للحزب، علال الفاسي، عام 1974، أصبح بوستة أمينا عاما لحزب الاستقلال، قبل أن يستقيل عام 1998 ويخلفه فاسي... هو عباس الفاسي. منذ عهد المغرب بالاستقلال، شغل بوستة مناصب مهمة، فقد كان وكيلا للخارجية في حكومة بلافريج، عام 1958، ثم عين وزيرا للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري عام 1961، وبعد ذلك تسلم حقيبة وزارة الخارجية من عام 1977 حتى 1983. حين استقال بوستة من قيادة حزب الاستقلال، عام 1998، لم يتوارَ. ففي عهد الملك محمد السادس، عينه الأخير رئيسا للجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة. هذه المهمة اعتبرها بوستة من أدق التكليفات الرسمية التي خاضها في مشواره السياسي. برز اسم بوستة حينها كوزير للخارجية في المغرب، حين كلف بالتحضير للقمة العربية بفاس عام 1981، بيد أنها لم تعقد وأجلت إلى قمة أخرى بعدها بعام، سميت بقمة فاس الثانية. تمخضت عن هذه القمة قرارات غير مسبوقة أبرزها إقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل. بوستة كوزير للخارجية، قاد أيضا المفاوضات السرية مع الجزائر قصد إيجاد حل لنزاع الصحراء، وقد أسهم في فتح الطريق أمام السياسيين لإجراء المفاوضات عوض العسكريين. مفاوضات كانت قد انتهت بعقد قمة بين الجزائر والمغرب في الحدود بين البلدين. داخليا، عرف عن بوستة صراعه مع إدريس البصري، وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني. حين استدعاه الملك الراحل لتشكيل الحكومة حينما قررت تجربة التناوب عام 1993، رفض بوستة ذلك بسبب ما أسماه "إفساد البصري للحياة السياسية وتزويره للانتخابات". فيما بعد، قاد بوستة، رفقة زعماء الصف الوطني الديمقراطي، مشاورات تشكيل الكتلة الديمقراطية التي أتت يومها لمواجهة أحزاب توصف بالإدارية. ثلاثة أحزاب في الكتلة شاركت لاحقا في حكومة التناوب لعام 1998. (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، التقدم والاشتراكية. مع مساندة نقدية من طرف منظمة العمل الديمقراطي). عرف عن بوستة صراعه مع إدريس البصري، وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني. حين استدعاه الملك الراحل لتشكيل الحكومة حينما قررت تجربة التناوب عام 1993، رفض بوستة ذلك بسبب ما أسماه "إفساد البصري للحياة السياسية وتزويره للانتخابات". حين استقال بوستة من قيادة حزب الاستقلال، عام 1998، لم يتوارَ. ففي عهد الملك محمد السادس، عينه الأخير رئيسا للجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة. هذه المهمة اعتبرها بوستة من أدق التكليفات الرسمية التي خاضها في مشواره السياسي. اقرأ أيضا: علي يعتة... زعيم الشيوعيين المغاربة ثم حين احتفل المغرب بالذكرى الستينية لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، عام 2004، برز بوستة مرة أخرى بموقف دعا فيه الشباب المغربي لاستحضار روح الوثيقة واستكمال تحرير باقي الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني، ووقف جميع أشكال التفاوض مع جبهة البوليساريو. نظير مشواره السياسي، حظي بوستة بتكريمات عديدة، يظل أبرزها توشيحه بوسام العرش من ملك المغرب، عام 2003، وحصوله على وسام "نجمة القدس" من السلطة الفلسطينية، تقديرا لجهوده في نصر القضية الفلسطينية. في ليلة ال17 من فبراير 2017، رحل محمد بوستة عن الحياة، مخلفا وراءه إرثا سياسيا كبيرا، دون اسمه كأحد أبرز سياسيي المغرب في تاريخه الحديث. [1] حمل في أوراقه الرسمية، عام 1925 كتاريخ لميلاده، بينما التاريخ الذي نقدمه أفصح عنه في حوار صحفي. [2] من حوار للراحل لجريدة العلم ... – السيرة الذاتية والمهنية والنضالية لمحمد بوستة : زعيم سياسي ومحام مغربي قاد حزب الاستقلال عشرين سنة، ولقب بالحكيم الصامت، وعُرف بمواجهته الصارمة لإدريس البصري وزير الداخلية أيام الملك الراحل الحسن الثاني، خاصة أيام اشتداد الأزمة بين المعارضة والحكومة. المولد والنشأة ولد محمد بوستة عام 1925 في مدينة مراكش بالمغرب. الدراسة والتكوين درس المرحلة الابتدائية والثانوية في مراكش، وأكمل دراسته الجامعية في جامعة السوربون الفرنسية في تخصص القانون والفلسفة. الوظائف والمسؤوليات فتح عام 1950 مكتبا للمحاماة في الدارالبيضاء، وأصبح في ما بعد نقيبا للمحامين، وتخرج في مكتبه محامون مشهورون، منهم رئيس الوزراء السابق عباس الفاسي. شغل مناصب مختلفة منذ فجر الاستقلال، فعمل وكيلا في الشؤون الخارجية في حكومة أحمد بلفريج عام 1958، ووزيرا للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري عام 1961. كان نقيبا للمحامين، وشغل منصب وزير الخارجية في حكومة أحمد عصمان، لكنه قدم استقالته منها عام 1963 مع علال الفاسي ومحمد الدويري. عاد لوزارة الخارجية في الفترة 1977-1983، وعينه الملك محمد السادس رئيسا للجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة. التجربة السياسية انخرط مبكرا في العمل الوطني وهو تلميذ، وكان من بين المؤسسين لحزب الاستقلال، وأصبح عضو المكتب التنفيذي للحزب عام 1963. بعد وفاة الزعيم التاريخي للحزب علال الفاسي عام 1972، قرر المؤتمر التاسع للحزب إعادة العمل بمنصب الأمانة العامة، وتمَّ انتخاب محمد بوستة بالإجماع أمينا عاما للحزب، وبقي كذلك حتى المؤتمر 13 في فبراير/شباط 1998 ليخلفه عباس الفاسي. برز اسمه للمرة الأولى ضمن التشكيلة الحكومية لأحمد بلفريج عام 1958 كوكيل في الشؤون الخارجية. شارك محاميا في أغلب المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب إبان فترة الصراع بين القصر والمعارضة، وآمن دوما بأن إطفاء الحرائق يسبق البحث عمن أوقدها. جاب أغلب دول العالم لشرح تطورات ملف الصحراء، ولحشد الدعم للقضية التي شغلته، وطرح تأسيس مجلس استشاري موحد بين المغرب والجزائر وتونس لتقوية العلاقات بين هذه البلدان. عرف بمواجهته الصارمة لإدريس البصري وزير الداخلية أيام الملك الراحل الملك الحسن الثاني، خاصة أيام اشتداد الأزمة بين المعارضة والحكومة. استدعاه الملك الراحل الحسن الثاني لمّا حاول فتح الباب لتجربة التناوب، بعد حديثه عن تهديد سكتة قلبية للمغرب، وعرض عليه تشكيل الحكومة لكنه رفض بسبب تدخل إدريس البصري في "إفساد الحياة السياسية وتزوير الانتخابات"، وانتقد تغول وزارة الداخلية وتحولها إلى "أم الوزارات". أسهم في فك هيمنة السياسيين المنحدرين من أصول فاسية على قيادة الحزب (اللجنة التنفيذية)، وأدخل لها لأول مرة شخصيات من مراكش وغيرها ... سعيد سونا – باحث في الفكر المعاصر