اعتبرت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب كانت "تجربة فريدة وغير المسبوقة في سياقنا الإقليمي"، مشيرة إلى أنها جسدت إرادة جماعية تهدف إلى إعادة بناء النسيج المجتمعي والسياسي على أسس جديدة. وقالت بوعياش، أمس الجمعة بالرباط: "كلما تعمقنا في تحليل هذه التجربة المغربية بمقوماتها وسياقاتها، التي تجاوزت أصداؤها الحدود الجغرافية والثقافية الوطنية بالتأكيد، إلا وزاد الاقتناع بكونها تمثل نهجا هادئا ورصينا وممارسة فضلى حقيقية". جاء ذلك في كلمتها خلال الاحتفاء بالذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، بحضور أفراد العائلات وذوي حقوق الضحايا، ومستشار الملك، أندري أزولاي، بجانب وزيرة الأسرة والتضامن، ووزير الإدماج الاقتصادي، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، ومدير الشرطة القضائية، وسفراء وممثلي هيئات دولية بالمغرب. وانطلقت فعاليات هذا الاحتفال بافتتاح معرض لصور وفيديوهات خاصة بهيئة الإنصاف والمصالحة ولجنة تتبع تنفيذ توصياتها، أمس الجمعة بمقر المجلس بالرباط. وقالت بوعياش في كلمتها إن ذكرى إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، في يناير 2004، تعتبر محطة بارزة، بل فاصلة، ولبنة ضمن أسس البناء والانتقال الديمقراطي وتوطيد دولة الحق والقانون والمؤسسات. وأضافت: "هي ذكرى مسار تتبع تنفيذ توصيات الهيئة والإصلاحات الجوهرية التي كان هدفها ومنطلقها. مسار لم ينته بدسترة هذه التوصيات ضمن ميثاق وطني للحقوق والحريات، بل أصبح يكفله الدستور المغربي ضمنيا". واعتبرت أن معرض الصور الذي تم افتتاحه، "يعكس أثر وانعكاسات الهيئة، ويأخذنا ومسار تتبع تنفيذ توصياتها، انطلاقا من فكرة التأسيس ورفع توصية الإحداث إلى الملك سنة 2003، مرورا بجلسات الاستماع وأشغال الهيئة، ووصولا إلى استقبال الأسر وتسليم المقررات للضحايا وذوي الحقوق، وتأهيل أماكن حفظ الذاكرة، وأرشفة رصيد العدالة الانتقالية بالمغرب وحفظه". وأشارت إلى أن هذا المعرض "هو لمحة أكيد صغيرة جدا في مسار عرف دينامية مجتمعية يستحضر تراكمات سابقة، ولا سيما تجربة اللجنة المستقلة للتعويض؛ مسار قائم على التقائية فريدة، بل استثنائية وغير مسبوقة في تجارب العدالة الانتقالية". وترى بوعياش أن هذه التجربة جمعت بين "إرادة مجتمع بمختلف فعالياته، وإرادة دولة، تسعى إلى الإنصاف والعدل بأفق استشرافي يربط دوما وباستمرارية، خلال مختلف محطاته، بين الماضي والمستقبل، وبين المصالحة وجبر الضرر وعدم التكرار وتحقيق التنمية". وتابعت أن هيئة الإنصاف والمصالحة، "لم تقتصر على حل إشكاليات الماضي فقط، بل زرعت بذور تحول مستمر طبع، بانعكاساته المشهد السياسي المغربي، ومكن من إغناء الذاكرة الجماعية وإرساء أسس تحول ديموقراطي هيكلي وعميق". ومضت قائلة: "كما نجحنا في بلورة نموذجنا الخاص، الذي أصبح يشكل بتطوراته وانعكاساته وأثره، مرجعا لتجارب لاحقة عديدة، نجحنا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتبارنا مكلفين بتتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، في مواكبة عائلات الضحايا في إعداد الملفات وفي تسليم المقررات التحكيمية للضحايا وذوي الحقوق الذين صدرت لهم توصية من الهيئة بذلك". وأردفت: "طيلة مسار متابعة التنفيذ، وبفضل التزام حقيقي وانخراط جاد للشركاء، من رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية والعدل والوظيفة العمومية والقضاء وقطاعات الامن الوطني والدرك الملكي ومؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط ومكتب الايداع والتدبير، وشركاء دوليين، نجح هذا النموذج المغربي في إجلاء الحقيقة وجبر الأضرار وتسوية الأوضاع، وفي حفظ ذاكرتنا الجماعية". وكشفت أن المجلس يحرص على رقمنة أرشيف العدالة الانتقالية لحفظ ذاكرة هذا المسار، وذلك على مشارف الانتهاء من ترميم وإعادة تأهيل وفتح فضاءات حفظ الذاكرة. وأضاف: "هذا الانخراط والالتزام والإعمال الفعلي للتوصيات الوجيهة لجبر الأضرار وضمان عدم التكرار، سنسلط الضوء عليه ضمن محاور فعاليات تخليدنا للذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة". وقالت إن هذا الاحتفاء، الذي سيمتد طيلة 2024، يتمحور حول برنامج غني ومتنوع يبرز ثراء هذه التجربة وأثرها، من خلال محاور رئيسية: الذاكرة والتاريخ؛ تقارير حول تفعيل التوصيات ومؤلفات وإصدارات حول التجربة وأشرطة وثائقية وتواصلية؛ تظاهرات فنية وثقافية وأكاديمية ذات بعد جهوي ووطني ودولي.