بادئ ذي بدء عن الوعي الجماهيري وتحليل الخطاب الفردي باحتكاكه بالواقع المادي نتيجة تغيرات اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية، أي كل ما يجعل الفرد يكتسب مؤثرات جديدة في تعامله مع العالم وفق ميكانيزمات اجتماعية. وعي الجماهير... منذ بداية ظهور المجتمعات الطبقية كانت الطبقة الحاكمة هي من تسير وتتحكم في الأفكار السائدة للمجتمع وفق تعنتها الطبقي والاقتصادي، هذا المجتمع القائم على استغلال الطبقة العاملة من أجل مراكمة الثروات وهذا لن يتحقق- في نظرهم- إلا بالخطاب الليبيرالي والإسلاموي القومي من اجل تحقيق الهيمنة الفكرية لعامة الشعب. تعيش المجتمعات اليوم حالة تقاطع دائمة، وهذا ما أكده غوستاف لوبون عالم الاجتماع الفرنسي، بأن الجماهير غير ميالة كثيرا للتأمل وغير مؤهلة للمحاكمة العقلية ولكنها مؤهلة جدا للانخراط في الممارسة والعمل، فهو بذات الحال ما يسمى بعقلية القطيع أي أن الجماهير تنساق دائما إلى قائدها دون أن تتأمل المحتوى الذاتي لمطالبها. يمكن اتخاد اضرابات الشغيلة التعليمية مثالا عن ذلك حيت كانت بدايتها مرتبطة بإصدار نظام أساسي جديد لا يرقى بتطلعات الشغيلة التعليمية بشروط عمل مجحفة، مهام تنضاف بدون تعويض مادي/معنوي، الكثير من المتطلبات والقليل من المكتسبات، نظام يقود المدرسة العمومية نحو الخوصصة، بإصدار عقوبات لا تناسب النص القانوني للوظيفة العمومية، منهج جديد لتكريس نظام التعاقد الذي كانت بدايته سنة 2016 وكانت الشعلة التي جاءت بعدها التنسيقية لأساتذة وأطر الدعم الذي فرض عليهم التعاقد ، هذا المطلب الذي يغدو أن يكون مطلب شعبوي من أجل إنقاد المدرسة العمومية، لكن بعد هذه الثورة الاستاذية بدأت الدولة بلعبتها البيروقراطية وهي الجلوس في طاولات الحوار بنص بانورامي وكرافطا لاستمالة الرأي العام واللعب على الذقون بدأتها بالطبطبة على الشغيلة التعليمية مرورا بحوار ملغوم واختتمتها بتوقيفات طالت شريحة كبيرة من الأساتذة جلهم أعطوا الكثير لنضالات الشغيلة، توقيفات تجمع بين القانوني واللا قانوني وبين حرية التعبير والحق في الإحتجاج الذي خوله الدستور المغربي وبين القمع وتكميم أفواه المناضلين ومحاولة طمس نضالات ومبدئية الجماهير، هذا ما يجعلنا نتسائل بالخط العريض: هل الدولة تدرك حجم التجاوزات التي تتفنن في نهجها أمام شعبها؟. وهل يحق لها الغاء دستور نص على حرية التعبير من أجل تضييق حريات الأفراد؟. ولن ننسى القسط الأكبر الذي أخده الإعلام في هذه الظاهرة الاحتجاجية وهي تعزيز البروبجندا من أجل تحريك هذه الجماهير الاستاذية وتكوين أفكارهم واقناعهم واقتناعهم، أو بالأحرى تأثيرهم وتأثرهم. فالجماهير هنا على حسب غوستاف يستوي فيها الجاهل والعالم ورجل دين والسياسي والراديكالي أيضا، فبمجرد أن ينخرط الفرد في الجمهور ينخفض مستواه الفكري، ما أن يطرح عامة الناس فكرة ويسوقون لها إعلاميا ويجمعون عليها ستحظى بانتشار واسع بغض النظر عن مصداقيتها أو صحتها والملاحظات الجماعية هي على صواب مادامت تحظى بمقاربة كمية لا كيفية. ويجدر الإشارة هنا إلى الجموع العامة التي تنعقد وسط الشغيلة التعليمية حيث تجعل من فئة معينة هم مركز القرار بتصويتهم عن مقترح معين لا التفكير بشكل منطقي لإنجاح هذه الخرجة النضالية، هذا هو الاتجاه العفوي للنضال الذي يوضح لنا جليا أن الساحة اليوم في حالة توهان بين : النضال الديموقراطي ام نضال البوز.. يجب استحضار بالدرجة الاولى العلاقة بين الوعي والعفوية أو العلاقة بين النظري والتطبيق، بين تأويلات نضالية وبين تحديات الميدان، فعندما نأسس لحركة احتجاجية الغاية منها إعطاء الشرعية لحرية التعبير وهذه الحركة تجمع بالخصوص بين انتقاد واتفاق، وهذا راجع لعدم وجود وعي اشتراكي وديموقراطي لدى عموم الجماهير، حيت أكد لينين في ما العمل، على أن الحركات الاحتجاجية لم ولن تستطيع أن تكتسب بقواها الخاصة فقط غير ذلك الوعي الذي يقتضي الاقتناع بضرورة الانتظام في نقابات والنضال ضد أصحاب العمل ومطالبة الحكومة بإصدار هذه أو تلك القوانين الضرورية للجماهير أما التعاليم الاشتراكية فقد انبثقت عن النظريات الفلسفية التي وضعها المتعلمون في محاولة لتعزيز المذهب الاشتراكي لدل عامة المثقفين. اذن فالتجربة النضالية النظرية، تكتسب بشكل عفوي محض يصعب انزالها بالمطلق في الميدان ، والتجربة الميدانية تكتسب بشكل تنظيمي تتطلب مهارة الإقناع واقتناع هذه الجماهير، وعدم خضوعهم الذليل أمام العفوية في خضم ما يسمى بالنضال الغريزي لدى بعض الفئات.