يعد الزواج مؤسّسة مهمّة تنظّم الجنس والتناسل والحياة الأسرية وهي من ضروريات المحافظة على سلامة الدولة، ويمكن لكلمة (الزواج) أن تشير إلى عقد قانوني وحالة مدنية، وشعيرة دينية، وممارسة اجتماعية، وهذه كلّها تختلف وفقًا لنطاق السلطة القضائية، والعقيدة الدينية، والثقافة الاجتماعية لكل دولة، والتاريخ نفسه يرينا تفاوتًا واسعًا في ممارسات الزواج: كتعدّد الزوجات مثلا الذي ما زال يطرح ويمارَس على نطاق واسع، سواء إن كان ذلك في داخل او خارج إطار علاقة الزواج، هذه العملية الأخيرة التي اعتبرها أفلاطون على انها تهدف لتوسيع التسامح الأسري من نطاق الاسرة الممتدة الطبيعية الى نطاق الأسرة النواة التي تخدم المنفعة والمصلحة العمومية للدولة نفسها. لكن بالمقابل نجد ارسطو يوجه نقدًا حادًا لمقترح أفلاطون ويعتبره غير عملي وصحيح، بحيث ان ما يرموا اليه أرسطو هو دولة أسر وعائلات ممتدة بشكل طبيعي متشبثة بمبادئها الأسرية وليست دول أسِرة أي المعتمدة على شهوات والمصلحة حتى لو كانت لمصلحة مجتمعية كما كان يفعل من قبل ويباح من اجل تقوية الجيوش. كما نجد بأن عدد من المنظّرين الاخرين يطرحون حججًا تدعو إلى إلغاء الزواج أو إعادة هيكلته بشكل صحيح منهم من يرفض الزواج المتعدّد كالسيد/ توما الأكويني، أو السيد/غسطين، بحيث نجدهم قد اباحوا ذلك بحجة تزويد الأرض بالسكّان اما الان في نظرهم فليست الأرض بحاجة لذلك. لهذا فإن ظاهرة تعدد الزوجات هي ليست بوليدة اليوم فهي تعود إلى أزمان بعيدة، حتى قبيل الرسالة الإسلامية، بحيث نجدها قد كانت ضمن الموروث الشعبي، والعرف القبلي، ويختص بها سادات القوم وعليتهم. وكانت تنقص في مراحل معينة وتعود وتنمو في مراحل أخرى، وفق الحالة الاقتصادية او الاجتماعية والتطور الفكري لبعض المناطق والدول، ومع الصحوة العلمية التي شهدها القرن العشرين، والاكراهات المادية وظهور مدافعين عن حقوق المرأة والرجل نجد ان هذه الطاهرة قد تراجعت بشكل كبير، حتى باتت في عرف المستهجن والناقد. لا شك أن الإسلام أحل الزواج مثنى وثلاثَ ورباعَ بشرط العدل والقدرة، وهذا ليس بالأمر السهل خصوصا والظرفية الحالية التي أصبحنا نعيشها سواء منها المادية كغلاء المعيشة أو الصحية والاجتماعية والنفسية. مصداقا لقوله تعالى " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُم" النساء 129، لهذا كان التنبيه والأمر الإلهي " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة"ً- النساء،3. وحسب رائي الشخصي أنه من بين الأسباب الجوهرية و الحقيقية والكفيلة لانتشار ظاهرة الزواج المتعدد هي أولا الزواج من اجل مصلحة وهدف معين مما يخلق نوع من عدم الصفاء والثقة بين الزوجين، ثانيا قد تعود لزيادة نسبة الأرامل والمطلقات بفعل الحروب التي تشهدها بعض الدول، ثالثا الاقبال والموافقة على الزواج المبكر وصغر السن بدون أي شرط تعجيزي كفيل للحد من ثغرات عدم النضج الجسدي والعقلي والمادي للقاصر وعائلته، وبالتالي عدم فهم متطلبات وواجبات الزواج الفعلية لهذا انني اراه اختيار غير موفق في معظم الأوقات الا من رحمهم الله، ومن بين الأسباب الكفيلة لانتشار التعدد المستسلم والخاضع لقبوله بشتى الطرق، رابعا انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والاغراءات بشكل غير سليمة وخلاقة . حقيقة أن الحديث عن الزواج بأكثر من واحدة أصبح بلا شك مجالاً للفكاهة والنقاش الجاد بين معارض ومؤيد وناوي عليه، وخائف من الاقدام عليه في نفس الوقت، خلال مجالسنا وأحاديثنا اليومية بين الأصدقاء أو حتى مع خلوتنا النفسية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما سبب الحديث عن تعدد الزوجات والترغيب في اعلاميا ? على الرغم من عدم انتشاره بشكل واقعي الا من خلال الإعلانات ومواقع التواصل? وما سبب شيوع الحملات التي تعارض التعدد وتحرّمه، وتسعى إلى تجريمه ومنعه بالقانون ? وما سبب الحقيقي للحديث والمطالبة في الغائه على الرغم من عدم شيوعه بشكل واسع في ايامنا الحالية مقارنة بالماضي? قد لا يتفق الجميع على تأييد فكرة تعدد الزوجات، فمنهم من يراها عبئاً يثقل كاهل الرجل المنهك أصلاً، يعني مصروفاً ماديا جديداً، وتكاليف إضافية، والبعض الاخر يتفق من حيث المبدأ لكنه يخالفه من حيث الشرط المادي. وهناك من يحث عليه والبعض الاخر نجده يحذر منه وخير دليل قصيدة تتضمن ندم وعتاب اعربي عن الزواج من اثنتين من خلال قوله: تَزَوَّجْتُ اثنتينِ لِفَرْطِ جَهْلِي —— بِمَا يَشْقَى به زَوجُ اثْنتينِ فقلتُ أصيرُ بينهما خروفًا———-أُنَعَّمُ بين أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ فصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِي وتُمْسِي—–تُدَاوَلُ بينَ أَخْبَثِ ذِئْبَتَيْنِ عِتَابٌ دَائِمٌ في الليلَتَيْنِ——-فإنْ أَحْبَبْتَ أنْ تَبْقَى كريمًا فَعِشْ عَزَبًا فإنْ لم تَسْتَطِعْهُ- ——فَضَرْبًا في عِرَاضِ الجَحْفَلَيْنِ وهناك قصيدة اخرة تنظر الى عكس ما ورد في القصيدة الأولى حيث تتضمن محاسن الزواج من اثنتين وتدعو للزواج من اثنتين دون المبالات والاقتناع بواحدة فقط كحالي أنا شخصيا وحال أكثر من الرجال. تزوجْتُ اثنتين لحسْن حظِّي———-بما يسلو به زوجُ اثنتين لهذي ليلةٌ ولتلك أخرى———–سرورٌ حاصِلٌ في الليلتين رضا هذي يحسِّنُ فِعْل هذي———فأحظى بالسعادة مرتين فعشتُ مدلَّلاً بالودِّ أبقى———–أنعَّمُ بين ألْطف زوجتين لكنني في الأخير أرى أن قضية التعدد ليست أمراً او فرضا، بل هي محض إذن واختيار فقط، واختم مقالي بصفات وصفهم الله بالجمال في القرآن الكريم ليتنا نتحلى بهم نحن الرجال او حتى النساء لا ربما قد نبتعد من خلالهم التحدث في نقاشاتنا اليومية عن التعدد وهي صبر جميل وهجر جميل وصفح جميل، فلنصبر بلا شكوى ولنهجر بلا عتاب ولنصفح بلا اذى.