عصرنا اليوم هو عصر الصورة. بكل تأكيد هي اليوم حمالة معان/دلالات عديدة، لاسيما حينما تكون محبوكة بصريا وجماليا. الفاقد لوعيها ولأبعادها، فاقد لبوصلة العصر ولجزء من هويته الثقافية الحالية. عادة ما نكرر على طلبتنا، وأثناء ما نكتبه من مقالات ودراسات، أن المحلية، هي بوابة الدخول للعولمة، عبر بوابتها "الشرعية" بصريا وجماليا. وأنا أتأمل، ملصق مهرجان تطوان الدولي لسينما المدارس، في دورته الثامنة، والتي ستنعقد من الفاتح من شهر دجنبر المقبل حتى الخامس منه، أحسست أن هذا الملصق/الخطاب، قد صيغ وحيك، بلغة بصرية جذابة وممارسة لسلطتها الفنية والجمالية والثقافية علينا كقراء أو كمتلقين لهذا الخطاب الجميل والدال. خطاب بصري تمكن أن يصبح بمثابة أيقونة كبرى حاملة للعديد من الأيقونات الصغرى، والقابلة للتفكيك وفق العديد من المقاربات المنهجية والدالة. إنه جذاب وفاتن وممارس "للفتنة" البصرية والجمالية علينا كمتفرجين وكقراء. تطوانالمدينة/الحمام حاضرة فيه. تطوان/ المغرب السلام أيضا حاضرة فيه. تطوان/المحلية الشعبية ترقص في هذا الخطاب بشكل واضح ومن خلال أيقونة الصومعة وبقية الدور الشعبية ومتعة ألوانها ودروبها وسطوحها وألوانها، ونوافذها ذات العمق الحضاري، الخ. بل إن واجهة هذه الدور، تضمنت جملة قوية ودالة، وتنهض على الأمل والحلم وقد قيل فيها: نحن أحياء وباقون وللحلم بقية. جملة كتبت بخط حضاري، مارس هو الآخر سلطته الجمالية، وجعلنا نسافر بين أحشائه لكشف ما كتب/قيل. خلاصة هذا الخطاب الخطي، هو ذلك الربط بين الحياة/ البقاء وبقية الحلم. السماء والأرض والإنسان والحمام والعمران والفنون، الخ، عناصر مكونة لهذا الخطاب البصري الجميل والذي أعتبره بمثابة رسالة حضارية وثقافية، من الصعب تحقيقها، دون من يتأمل ويشاهد ويسرد بلغة الصوت والصورة، والحاضرة هنا من خلال شابين (ذكر وأنثى). شابان، بهما نضمن استمرارية بقية الحلم. لا قيمة للحياة والبقاء، على هذه الأرض دون حلم. ولعل الفنون بشكل عام، والسينما بشكل خاص، هي مصدر خصب لتحقيق هذا الحلم الذي دون في واجهة العمران التطواني هنا. حينما نربط الوسيط البصري (السينما هنا) بالوسيط الإنساني (الشابان هنا)، نكون قد رسخنا فعلا ثقافة الحلم ( على الأقل بقيته)، ونجحنا في ربط هذه الفئة بمحليتها العمرانية الشعبية(وما تسرده من قصص شعبية لاحصر لها)، كمصدر خصب للتفكير الإبداعي، بثنائية الصورة والصوت. من يحب الحياة.. يحب السينما. ومن يحب السينما.. يحب الحياة. من لم يتزود برائحة السينما، من الممكن أن يكون لقمة سهلة المضغ في فم التكفير والعنف والقبح والشر. هكذا هي الخطابات البصرية الجميلة والمولدة للعديد من الدلالات. إنها تجعلنا نتلذذ شكلها/مضامينها، بل تجرنا للحلم معها وبها ولها وفيها. ماذا لو لم تبدع الإنسانية، ومن خلال الأخوين لوميير، السينما؟. ماذا لو لم نحك قصصنا بلغة الصورة( السينماتوغرافية)؟. إنها أعظم هدية جمالية للإنسان ومن الإنسان للحكي عن الإنسان. ملصق هذا المهرجان الدولي المتخصص في سينما المدارس، والمعمق بروح مدارس السينما في لحظات تكوينه، هو بمثابة خطاب بصري لذيذ ويجعلنا فعلا نحلم معه، بل وبلغة باشلار الفلسفية، تصبح مدينة تطوان هنا، بمثابة شخصية ممارسة لإنسانيتها حلمها وتاريخها وحضارتها. إنها خصبة، بل هي لوحة بصرية تسر الناظرين إليها وتجعلهم وجوها ناضرة.