مما لاشك فيه أن الامثال والحكايات الشعبية هي جزء أصيل لا يتجزأ من ثقافتنا وحياتنا العامة، والتي دائما ما تحمل في طياتها موعظة وحكمة ونصائح تمكننا من التعلم والاستفادة منها، ولما لا اصلاح شيئا من حياتنا من خلالها ومن بين هذه الامثال والحكايات، المثل الشهير" بين حنا ومنا ضاعتْ لِحانا". حيث تعود هذه الحكاية لرجل عجوز كان يعاني بسبب زواجه من اثنتين، الأولى فتاة صغيرة بالسن تسمى "حنا"، وكانت حنا هي زوجته الثانية بعد زواجه من "منا" والتي كانت قد تقدم بها العمر وصارت امرأة ذات شيب ابيض اللون. وكلا من الزوجتين الاولى والثانية كانت تحاولان أن تكسبه في صفها وتجذبه ناحيتها أكثر من الأخرى، وقد كان هذا الرجل له لحية طويلة، ونظرا لكبر سنه فقد كان في لحيته شيب أبيض وشعر أسود، وكان إذا ذهب عند زوجته الصغيرة في السن "حنا" كانت تغازله وتقول له أنها تكره رؤية شيب أبيض في لحيته فهو شاب لازال صغير في السن، وتقوم بنتف بعض الشيب الأبيض من لحيته. ثم عندما يقوم الرجل العجوز بالذهاب لزوجته الأولى "منا" التي كانت أكبر في السن من الفتاة "حنا"، كانت تلاحظ أن الشيب الأبيض قد تم نتفه من لحيته ، و بقي بها شعر كتيف أسود، فكانت تغتاظ من ذلك وتحاول أن تغيظ "منا" هي الأخرى، وذلك من خلال نتف بعض من الشعر الأسود من لحيته وتغازله بأنها تكره رؤية الشعر الأسود في ذقنه فهو رجل كبير في السن ووقور وله قدر كبير من الاحترام لدى الناس، فلا يصح أن يظن به الناس أنه يصبغ لحيته باللون الأسود، وذات يوم نظر الرجل للمرآة فلم يجد لحيته بالشكل الذي كانت عليه في السابق، فقد خسرها مسكين بسبب غيرتهما والأكثر من ذلك بسبب رغبته الملحة في إرضائهما بأي شكل من الاشكال نظرا لتوهانه العاطفي والفكري بينهما، مثلما نتوه نحن بين أمور كثيرة في حياتنا سواء العائلية او العاطفية او العملية، لهذا لا ينبغي لنا أن نتسبب لأنفسنا في مواقف لا نستطيع التصرف فيها بشكل حكيم وينتهى بنا الأمر إلى خسارة وضياع أمور هامة في حياتنا، منها هيبتنا ووقارنا واحترمنا كما خسر هذا الرجل لحيته وضياعه بين زوجتيه "حنا ومنا". حقيقة أن الوصول إلى القلوب هي غاية عظيمة الكل منا يريد أن يصل إليها، كما أن الكل منا يرغب دائما بأن يتمتع بتقدير وحب الآخرين واحترامهم، ولكن ليس كل ما يتمناه ويرغبه المرء يدركه، فهذا يعتمد على الحكمة في التصرف والسلوك في المواقف، وهنا لا بد لنا التفريق بين حب الاحترام وبين التهذيب، فكثيراً ما يتم الخلط بينهما، ويُرى أن التهذب أو التأدب على أنه هو الاحترام، ولكن هذا ليس بالضرورة صحيحاً، فالتهذب أو التأدب هو سلوك خارجي يظهره الإنسان ويتصرف وفقه، لكن الاحترام هو شعور داخلي واقتناع باطني من قبل الشخص نفسه وكذلك الآخرين. فمن السهل الظهور أمام الناس بمظهر المهذب والمؤدب ولكن ليس من السهل كسب احترامهم وحبهم وتقديرهم. ومن يرغب في أن يحترمه ويحبه الناس فعليه أن يبدي الاحترام والحب لنفسه أولاً ، وأن يتصرف باحترام وأن يكون صادق وطبيعي غير متصنع مع نفسه ومع من حوله، وأن يؤمن بأنه جدير بهذا الاحترام والحب، كما عليه أن يتقن فن التعامل بين الأطراف لكي يكسب قلوبهم، لأن كسب قلوب الناس مهمة ليست باليسيرة إلا لمن يسرها الله له، إذ يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنّ المؤمن بحسن خلقه يبلغ درجة قائم الليل وصائم النهار" فيا ريث الرجل العجوز أنه أدرك هذا القول ومغزاه في حينه، لما بلغ منه ما بلغ من ضياعه بين " حنا ومنا"وخسارته للحيته وحياته وربما حتى دينه.