تعد العادات و التقاليد اليهودية رافد أساس من روافد عاداتنا المغربية الأصيلة .. فقد ساهمت الأسرة اليهودية بعاداتها و تقاليدها الاجتماعية و الثقافية و الدينية في الثرات الشفهي للمجتمع المغربي العربي والأمازيغي و الحساني و الأندلسي والعبرية الموريسكية المتوسطية . رغم تميز اليهود بالعيش المغلق في جميع أحوالهم لأسباب تاريخية و عقائدية لا يسع المجال لذكرها .. فقد تمكنوا من العيش بانفتاح كبير في المغرب و بكل حرية في ممارسة معتقداتهم و عاداتهم .. و يقول جرمان عياش في هذا الباب (إذ عاش اليهود أمة منطوية على ذاتها بخصوصيتها الدينية والعرفية باسم أهل الذمة داخل المجتمع المسلم، وتميزت الخصوصية المغربية في انصهارهم داخل المجتمع المغربي رغم الخصوصية) يمكن التوسع في هذا المجال بالعودة لكتاب جرمان عياش :الأقلية اليهودية في مغرب ما قبل الاستعمار. فعلا بعد سقوط الأندلس، و ما تلاها من حرب إبادة للمسلمين و اليهود على حد سواء من طرف الصليبين (محنة الموريسكيين شاهد على ذلك ) .. انصهر اليهود في علاقات اجتماعية وثقافية وطيدة مع أهل المغرب، فتلاقحت الثقافات واندمجت العادات حتى أصبح اليهود جزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي و ينعمون بالعيش الكريم المنقطع النظير بالمغرب. يمثل اليهود أكبر تجمع لهم في شمال إفريقي و العالم العربي و داخل مجتمع مسلم و تحت إمارة مؤمنين، إذ تؤكد جل الدراسات أن يهود المغرب يتجاوزون من حيث العدد كل يهود العالم العربي، و إن ظل حجمهم الديموغرافي الاجمالي ضعيفا، و استقرت الاغلبية بالحواضر الكبرى، بينما اختار بعضها الآخر العيش في المناطق الجبلية و النائية .. و يمكن التوسع أكثر في هذه الباب في كتاب ( الصويرة: الحاضر وبصمات الذاكرة،صفحتين 5159، منشورات كلية الآداب و العلوم الانسانية،1994). اليهود المغاربة شاركوا وساهموا في مجالات عديدة بالمغرب كإدارة المال والأعمال والتجارة والحرف اليدوية والصناعية وتطوير العادات الاجتماعية و الثقافية، كما ساهمت *المرأة اليهودية بالمغرب *، التي كان لها قصب السبق في بناء المكون الثقافي اليهودي بالمغرب ، إذ شملت الدراسات الحديث عن اسهامات اليهود في الحياة السياسية والاقتصادية ولم يأت الحديث المفصل عن التأثير الاجتماعي والثقافي الكبير للمرأة اليهودية التي مثلت قوة تأثير كبير في الحياة الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع المغربي المسلم . إن المرأة المغربية عموما واليهودية خصوصا كان لها الدور الفعال والمتميز في النهوض بالاقتصاد الوطني والمحلي، فكثير من النساء اليهوديات كُنَّ يشتغلن في القطاع الصناعي الحرفي بُغية الارتقاء بالأسرة وتقديم يد المساعدة لأزواجهن، وإسهامهم في النمو الاجتماعي و تطوير الحياة الاجتماعي للمغاربة يهود و مسلمين و غيرهم. فالنساء اليهوديات المؤثرات بثقافة أندلسية عريقة، إذ كن يشتغلن في حياكة الزرابي والتطريز بكل أنواعه والحياكة التقليدية للملابس بكل انواعها الرجالية والنسائية خاصة الملابس الأعراس وصنع الملابس الصوفية بالإضافة إلى الأشغال المنزلية التي يقومن بها، ولم يكن دور المرأة اليهودية بالمغرب مقتصرا على الصناعي التقليدي بل تعداه إلى مزاولة مهن أخرى كالفن الذي عنيت به المرأة اليهودية بالمغرب عناية خاصة، و نذكر في هذا السياق الفنانة "زهرة الفاسية" التي كان لها دور كبير في إغناء الأغنية المغربية وخصوصا فن الملحون، من أغانيها نذكر "زاد علي الغرام" و"يا وردة" و"شعلت النار" و"سعدي ريت البارح" و" الغربة"، ثم "حبيبي ديالي فين هو"... إلا غيرها من الأغاني التي لازالت تغني الذاكرة الفنية المغربية الأصيلة حتى اليوم.. و تؤكد التلاقح الثقافي بين النعوت العبري و المغربي العربي الأمازيغية الحساني الأصيل .. و هذه هي قوة الشخصية المغربية و تفردها في العالم برمته .. القدرة على الاستيعاب و التلاقح و التعايش تحت لواء إمارة المؤمنين . وبالإضافة إلى هذه المساهمات التي كانوا يقمن بها داخل البيت وخارجه، كانت المرأة اليهودية بالمغرب تحمل همّ الأسرة وتربية الأبناء تربية حسنة وتعليمهم شؤون دينهم ودنياهم و حسن عيشهم بمعية الجوار ، ، اذ تكلمت العبرية و القشتالية والامازيغية والعربية احيانا راجع في ذلك كتاب (الصويرة: الحاضر وبصمات الذاكرة،منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، 1994).. وتلاقح الموروث الشعبي بين جميع مكونات المجتمع المغربي بدءا من الامثلة الشعبية و الأغاني في الاعراس والاهازيج، و بعض طقوس الاعراس و طبيعة اقامتها، مع الحفاظ على الخصوصية المرأة اليهودية بالمغرب، ولم يسجل يوم أن المغرب أكرههن عن التخلي عن ثقافتهم و معتقداتهم لإعتناق أخرى . إن للمرأة اليهودية بالمغرب مساهمة كبيرة في صون وحفظ التراث الديني اليهودي بكل اطيافه .. إذ بقين متمسكات بتعاليم الديانة اليهودية الشفوية والكتابية خصوصا التراث الصوفي اليهودي، وذلك بالتزامهم بالوصايا العشر .. واحترام أوقات الصلاة والتراتيل منها اليومية والخاصة بيوم السبت و الأعياد الدينية اليهودية.. فوجدو في المغرب الحرية الدينية و الاقتصادية و الاجتماعية التي مكنتهم من ممارسة جميع شعائرهم و أنشطتهم بكل حرية و دون شرط أو قيد . صفوة القول، إن المرأة اليهودية بالمغرب حضيت بنفس الحقوق الكونية مثلها مثل المرأة المغربية العربية والأمازيغية و الحسانية ، مما مكنها من الحفاظ على خصوصيتها الدينية و الاجتماعية والثقافية ، فساهمت بمكونها العبري في جزء من تنمية المجتمع المغربي في بعض مناحي الحياة فيه .. و أبدعت أيما إبداع في الحفاظ على ثقافة و خصوصية الأسرة اليهودية .. فتحية إحترام و تقدير للمرأة اليهودية أينما وجدت بالمغرب باسرائيل بالوطن العربي أو بأفريقيا .. بل التحية لها أينما حلت و ارتحلت فقد نزلت أهلا و سهلا بمغرب منبت الأحرار مشرق الأنوار .. مغرب السلام و الأمن و الآمان .و ستبقى حقوقهن محفوظ في مغرب العز و الكرامة .