إشكالية الأسبقية مشكل كبير جدا، إذ حرى مجموعة من المفكرين والمجددين لمن الأولوية، هل التجديد يسبق البناء؟ أم البناء يكون بمعية التجديد؟ أم البناء أولا؟ هذه الإشكالية ذكرتني بإشكال لا زال يطرح، من الأسبق: البيض أم الدجاج. لا شك أن الكثير منا يطرح عدة أسئلة بخصوص وضع الأمة الإسلامية اليوم، من بينها لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ هذه الأسئلة وغيرها، إذا تأملنا في حديث التجديد فإننا سنخرج ببعض الإجابات على هذه الإشكاليات، فانطلاقا من الحديث، كما روي أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال. «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». هذا الحديث تضمن إخبارا وبشارة من رسول الله صلى عليه وسلم لأمته بأن الله سيقيض لها ويبعث فيها من حين لآخر، من يقوم بتجديد ما ضاع من أمور دينها، ببعث الروح والحيوية والسلامة فيه من جديد، وذلك على فترات تتكرر كل مائة سنة. ( أحمد الريسوني) يقول العلامة يوسف القرضاوي: «يهدف هذا الحديث إلى بعث الأمل في نفوس الأمة بأن جذوتها لن تخبو، وأن دينها لن يموت، وأن الله يقيض كل فترة زمنية من يجدد شبابها، ويحي مواتها، ويمسك مشعلها». فانطلاقا من هذا الحديث يعد التجديد في الدين مدخلا للتجديد في كل مجالات الحياة، لأن جمود وخمول الدين يعني ضياعه والإفراط فيه، مما يجعل مواجهة هذه الآفات بالتجديد أمرا لازما لا غنى عنه، على الأقل بين الفينة والأخرى. وهذا ما كان يتولاه الأنبياء والرسل، لكن بعد ختم الرسالة السماوية، فقد أصبح لابد من الاستمرارية لوظيفة السابقون، فكان على العلماء والمجددون مسؤولية وأمانة التجديد في فهم الدين وتنزيله على الواقع؛ فأكيد أن الركود والخمول يؤدي إلى عدم التفاعل مع مستجدات العصر ليصل بنا في النهاية بترك الدين بأكمله، لهذا لا يمكن أن يسبق البناء التجديد، فالبناء سيكون هاشا إذا لم يتمسك بالأصل. فلازم علينا اليوم أن نناقش قضايا التجديد وأبعاده ووظائفه ومجالاته، حتى لا يظن الإنسان بأن الدين لا يصلح لهذا الزمان فيجتهد بتركه. فمن أهداف التجديد هي بناء الأفكار السليمة على الدين وما يتعلق به، وبناء العقل السليم للإنسان دون غلو ولا تطرف، فلا يمكن للبناء أن يستمر إذا لم يتجدد، فكل ما لم يتجدد فهو يتبدد، وإذا تبدد الشيء صار غير صالح، وإذا صار غير صالح سيرمى في القمامة. وكلامي على التجديد والبناء ليس من باب النزهة، وإنما من باب المسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين جمعاء وخاصة الدعاة والرساليين بطرح الإشكالات الصعبة والأسئلة المقلقة والمستعصية على المجتمع، فكل بدوره، فنجد الجامعة من أهم أدوارها هي الإجابة على مشاكل المجتمع، واليوم نعيش في بيئتنا عنفا منظما تقوده منظمة ما يسمى " داعش̏ بسبب سوء الفهم للدين ونتيجة عدم قيم المجددون بدورهم وتجديد مفاهيم الدين وفتح النقاش في كل الفروع الجامدة، وعدم استحضار العلماء للواقع في خطبهم وفي فتواهم، فالعنف أحد الإشكالات الموجودة في المجتمع والجامعة، فالمجتمع يمارس فيه بدعوى الجهاد، وفي الجامعة بدعوى محاربة تجليات الحظر العملي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لهذا ينبغي على العلماء طرح موضوع الجهاد على النقاش، فهل هو من الأصول، أم من الفروع؟ وعلى الحركة الطلابية المزيد من البحث في أسباب العنف داخل الجامعة. فالسياسي اليوم مشغول بسؤال التنمية، لكن ينسى أن يربط أحوال المواطنين بالتجديد والجديد، حتى في البرامج الحزبية والسياسية يسأل الإنسان دائما عن الجديد، وما الفرق بين هذا البرنامج وذاك، فالإنسان بطبعه كائن يحب الجديد، فأين وجد الجديد يتمسك به، فبناء المجتمع والإنسان لا يمكن أن يتم إلا اهتمامنا بالعلم وعلى رأسها الجامعة، ولا يمكن للجامعة أن تلعب أدوارها الإستراتيجية إذا لم تكن جامعة للقيم، باعتبار القيم اليوم، هي المحددة لمكانة المجتمع والشعوب عند الأخر، فإشكالية عدم التزامنا بمجموعة من القيم مرده في نظركم لمن؟ هل هي سلطة سياسية؟ أم هي سلطة اقتصادية؟ هل هي مسألة تدين؟ أم مسألة اقتناع؟ فهذه الأسئلة المطروحة، طرحتها، بعدما استشعرت أن المجتمع في خطر وأن القيم مهددة، والأخطر هو عندما أصبحنا نرى اليوم الأخلاق والقيم تأكل يوما عن يوم ليس فقط من المتغربين والعلمانيين، بل حتى من المؤسسات و من الذين يفترض فيهم أنهم حماة العقيدة وحراس القيم، وكذلك أن المجتمع يعيش حالة فوضى في الدين والتدين، وغياب لديه منهج فهم الشريعة وتنزيلها على مشاكله، وأن البناء الصحيح للمجتمع توقف بعد تغول التيارات الهدامة، فلا يمكن نهائيا أن نواجه الانحطاط الشامل إلا بالاهتمام بالجامعة، باعتبارها شريك أساس في بناء المجتمع وترسيخ القيم، وفضاء لتربية النخب، وقبلها الاهتمام ببناء الإنسان بناء سليما، بعد أن نقوم بجهد كبير في تجديد الدين وتجويد التدين.