في ظل أزمة موجة الجفاف الطبيعية التي يعيشها المغرب هذه الأيام، يسعى المواطن المغربي جاهدا إلى من يدله الى المياه الجوفية لقاء حاجته الشديدة الى الماء لإنقاذ فلاحته ولإرواء عطشه وعطش ماشيته، فهو يحتاج لما يحافظ على استقامة عيشه واستمرار بقائه في الأرياف وان كان الإنسان الفلاح أو غير الفلاح يعرف الكثير فالأكثر ما يجهله عن علم لم يسمع به من قبل ألا وهو علم المياه الجوفية. في ظل غياب قانون ينظم المهنة هناك طموحات وتطلعات غير مشروعة لمنتحلي صفة المهندسين والدكاترة باسم مكاتب الدراسات التي تطل علينا كل يوم في مواقع التواصل الإجتماعي من خلال حملات اشهارية مكثفة تتنافى مع القواعد العلمية التي ينبني عليها علم المياه الجوفية وهذا ما يدفع عمليا هؤلاء المنتحلين للصفة الى تحقيق أقصى قدر من الأرباح وبأدنى قدر ممكن من التكاليف والجهود وإلحاق الخسارات والضياع بالمتعطشين الى المياه الجوفية. هنا يكمن الجهل والاحتيال في وقت واحد. في ظل الحرية التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن التحكم في هذه الممارسات ولا يمكن أيضا التحكم فيه بجهل المجتمع وقلة معرفته ومتطلباته وتعطشه الى المياه الجوفية مقابل وجود المنتحلين المحتالين الذين ينتظرونهم في الضفة الأخرى، بالقدر الذي يمكن أن يفسح المجال للدولة لتتدخل بهياكلها وبثقلها لحماية المستهلك في هذا المجال من خلال مراجعة القانون المتعلق بتنظيم مكاتب الدراسات والهندسة المائية. فمعظم المنقبين المنتحلين لا يبالون في استغلال الناس والكذب عليهم وسلب أموالهم ويستغلون ضعف معرفتهم وشدة حاجتهم الى المياه ليحققوا مآربهم الدنيئة، فهذا يحصل مع البسيط من المجتمع كما يحصل مع المثقف منه ايضا وهنا تكمن الطامة الكبرى لأن هؤلاء يتسببون في خسائر كبيرة جدا في الأموال وضياع الجهد على صعيد المملكة. يفترض أن التدخل العاجل للدولة يكون من خلال سن قانون ينظم هذه المهنة التي من البديهي أن مزاولتها تتطلب مستوى عال جدا من المعرفة العلمية وفتح مكتب للدراسات يجب أن يخضع لشروط خاصة وذلك ليمضي المجتمع لتحقيق تطلعات الكل من خلال تبادل المعرفة وتوضيح لسبل وشروط التعامل في هذا الميدان على نحو مفهوم ومؤطر بالقانون. على خلال ما يحدث الآن من الجهل من كلا الطرفين المنقبون المنتحلون والمتعطشون الى الماء على حد سواء. نجد أن المنقبون المنتحلون لصفة المهندسين يوفرون ويوقعون على أوراق بأختام لا يعلم ما فيها ولا يهتم لما تنص عليه علميا وعمليا فتتكرر التقارير تحمل نفس العبارات ونفس الايحاءات في جميع الأوراق المقدمة، وما النتائج المدونة في تقارير هؤلاء المنتحلون لخير دليل، كما يفترض ان تكون ذات قيمة علمية وأكثر أمانة وصدقا وصلاحا وحفظا لحقوق المستهلكين. ومن خلال بحثنا والأصداء التي نجدها عند ضحايا هؤلاء نستشف أن هؤلاء المنقبون بعيدون كل البعد عن الاختصاص ولا تتوفر فيهم وفي أجهزتهم أدنى الشروط العلمية للعمل في ميدان التنقيب عن المياه. وتعود الخسائر التي يتكبدها الناس في جل ربوع المملكة أثناء عمليات الحفر على ضوء النتائج التي يقدمها المنتحلون الى كون هؤلاء يتجولون ببعض الأجهزة التكنلوجية الرخيصة الثمن التي يمكن شراؤها والحصول عليها بكل سهولة من مواقع التجارة الإلكترونية ويوهمون بها الفلاح وغير الفلاح ويقدمون أنفسهم على أنهم مهندسون في المياه للإحتيال والاستغلال. كما يمكن القول أيضا بكل صراحة أن القانون لا يحمي المغفلين لتعرضهم للاستغلال من طرف هؤلاء لأن الجهل لا يعد مبررا بعد الوقوع في الاستغلال والخسارة لأنه قل ما نجد من وقع في الخسارة لا يعرض هؤلاء للمساءلة القانونية بعد ضياع المال وذلك لإيقاع هؤلاء المنتحلين لأشد العقوبات. ومن الأمثلة على هذا الاستغلال هو انتحال صفة المهندس واستهداف مشاعر المحتاجين الى المياه بالتلاعب عبر المصطلحات الإشهارية المغرية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الكذب على الناس على أساس ان الأجهزة المستعملة دقيقة في تحدد المياه الجوفية بدقة وأنها تحدد نوعيتها وكميتها. غير ان الأمر مختلف وغير ذلك إذ أن التنقيب عن المياه الجوفية علم كبير أساسه علم الجيولوجيا وفروعه المتعددة في حين أن الأجهزة التي يمكن استعمالها باهظة الثمن وجد احترافية ولا يمكن العمل على استخلاص نتائجها الا من طرف متخصص ذو تكوين جامعي عالي. في ظل هذه المعادلة التي بنيت على تواجد الجاهلين بهذا العلم أثناء حاجتهم والبحث عن الطريق الذي يمكن ان يسلكوه لشدة حاجتهم الى المياه الجوفية فنجدهم يريدون الماء بسرعة وباي طريقة وباي ثمن، في الجهة الأخرى هناك الكثير من المتربصين والذين يبحثون دائما عن هؤلاء المغفلين والمضطرين ليستغلوهم ويحققوا مآربهم بدون رحمة أو ضمير حي. من خلال تحليلنا لوقع نتائج عمل هؤلاء المنقبين المنتحلين في المجتمع المغربي، نجد أن الفلاح هو الضحية الأولى الذي يدفع ضريبة جهله من جهة وضريبة الاحتيال الذي يقع عليه من جهة أخرى. إذ أن استشارة واجدة عند هؤلاء بثمن قدره ألف أو ألفي درهم يمكن أن تكلف الفلاح مبالغ كبيرة جدا تعد بالملايين فتكلفة حفر بئر عصرية واحدة يمكن أن يتجاوز ثمنها مائتي ألف درهم (عشرون مليون سنتيم). ويتجلى الاستغلال البشع الذي يمارسه هؤلاء المنتحلين كالطبيب الذي يجبر المريض على التوقيع والموافقة على إجراء العملية مع عدم العلم لمدى نجاحها. أما فيما يخص التأثير السلبي الآخر لهؤلاء المنتحلون لصفة المهندسين فيخص الوقع السيء على فئة المتخصصين الفعليين والمهندسين الحقيقيين الذين يزاولون هذه المهنة وفق الشروط العلمية المطلوبة. إذ أن المتعاملين بدأوا فعلا في فقدان الثقة في الجميع باعتبار أن جميع المنقبين عن المياه الجوفية محتالون على حد سواء. فمن المفروض أن تقوم الدولة ووسائل الإعلام بتسليط الضوء على هذه الممارسات التي تؤثر سلبا على المجتمع بمحاربة الجهل وتمكين الفلاح وغير الفلاح من وسائل المعرفة بهذا الميدان وتمكينه من معرفة كيفية تحقيق حاجته، فلو كان المستهلك على دراية وقدمت اليه المعرفة بكيفية تحقيق حاجته الى من يدله على المختصين الفعليين فلن يتم ذلك الاستغلال البشع الذي يتسبب يوميا في نزيف للأموال دون بلوغ المياه المرجوة. لابد ان نعلم ان هناك العديد ممن يعملون بكل تفان وجهد لخداع المستهلك والاحتيال عليه واستغلال شدة حاجته الى المياه وان نعي ما يحصل حولنا ومن نتعامل معهم من المنقبين المنتحلين وما مستوى الثقة بمن يدعي الاختصاص وكيف لنا ان نحدد اختيارنا من بين الاختيارات المتاحة امامنا لا سيما التي تظهر علينا يوميا في مواقع التواصل الاجتماعي. وإن حصل ووقع التعامل لابد ان نكون حذرين مع هذه الفئة بطرح أسئلة محرجة عليهم مثل وضعهم القانوني ومستواهم العلمي والمعرفي ومكان تكوينهم وغيرها من الأسئلة. فقد يأتيك من يخدعك بالمظهر والسيارة وبعض الأجهزة لترى نفسك في النهاية من الخاسرين والنادمين. ولابد ان يتريث الإنسان في البحث على أهل الخبرة والعلم فكلما كان الانسان متحريا ومقدما على التمييز والتحكم بالحاجة وكان الاختيار موفقا لأهل المعرفة والعلم كلما كان الاستغلال والخسارة أقل.