كل الشروط متوفرة لوقف هذه المهزلة المسماة كرة القدم، مشاهد مخجلة تصلنا عقب كل مباراة كرة قدم، عمليات كَر ّوفر، مواجهات بين الجماهير، اعتداءات على رجال الأمن، خسائر مادية في ممتلكات الغير، وخسائر بشرية حتّى، اخر ضحايا هذا العبث الشابة نورة التي زهقت روحها عقب مباراة الأهلي المصري و الرجاء البيضاوي. ما الذي سنخسره إذا وقفنا هذه المهزلة التي تخدشُ فيها صورة الوطن؟ وماذا ربحنا من هذه المشاهد في ملاعبنا التي صارَ التدافع في بوابتها مألوفا ومعتادا؟، يشعر المرء "بفقصة" كبيرة وهو يشاهد ملاعب دول الجوار الأوروبي التي يقدم جمهورها دروسا في حسن التنظيم، تسعون دقيقة بكل ثوانيها من التشجيع النظيف، تبدو المباراة أشبه بلوحة تشكيلية في غاية الدقة والإتقان. من سوء حظي أنني استقلت حافلة للنقل العمومي صادفَ مرورها نهاية مباراة لكرة القدم، فتسلل عديد غير قليل من الجماهير إلى وسطها، أسمعوا الركاب ما توفر لديهم من بذيء الكلام، وما حفظوه من عبارات تنهل من قاموس "ما تحت السمطة"، فكانت الرحلة أشبه بقطعة جحيم، عددنا دقائقها ساعات طوالٍ. من غير المقبول أن تكرر هذه المشاهد بعد وقبل كل مباراة، حريّ أن تتوقفَ هذه المسرحية إلى حين توفر الشروط الموضوعية والمواتية لقيامها، فعوض أن يصرف رجال الأمن مجهوداتهم في معاقبة الخارجين عن القانون، باتوا يتعقبون مثيري الشغب في الملاعب، وترصد إمكانات لوجيستكية كبيرة لتوقيفهم. الشغب نتاج عوامل اجتماعية ونفسية وسيكولوجية، يغذيه الخطاب العنيف المتداول في الفضاء الافتراضي الذي يتم تعامل معه بنوع من عدم الانتباه، والذي من المفروض زجر مروجيه، دون أن ننسى بصمة الإعلام الذي يصب الزيت على النّار والذي يبني نجاحه على بث السموم بين عشاق المستديرة بين هذا الفريق وذاكَ. حوادث مشابهة حصلت زهقت فيها أرواح الأبرياء، ونالَ البعض عاهات دائمة، سرعان ما يلفها النسيان بعد أسبوع من الغضب، ونثر عبارات التعزية، فتعود بعض الجماهير إلى عنفها، وتفتح تحقيقات دون أن تغلقَ مع ترتيب الجزءات و معاقبة المسؤولين عن هذه الفواجع. لتتوقف هذه اللعبة سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات...حتى تتهيأ الظروف والشروط المناسبة لانطلاقتها، لتجهيز الملاعب بوسائل مراقبة أكثر دقة وضبطا، وأن تتجند مؤسسات التنشئة الاجتماعية بكل صنوفها لتأطير الجماهير، والانفتاح على تجارب أخرى في تنظيم المباريات. ما حاجتنا بلعبة تُهَدَّدُ فيها سلامة وأمن المتفرجين، ويصبح حقهم في الحياة في مهب الريح، بينما ينعمُ اخرون بممرات خاصة ومنصات يحظون فيها بالاهتمام والتقدير، وقد تجد من بينهم من تسلل دون تذكرة وهم كُثر، أو استعان بمعارفه وأقاربه للوصول إلى مدرجات الملعب... هي مجرد لعبة ليس إلا، ينتهي مفعولها بعد صافرة الحكم، احتمال الخسارة والربح فيها وارد، من غير المقبول أن تكون النتيجة مبررا للتطاحن والصراع، فيؤدي ثمنه أشخاصا لا ناقة لهم ولا جمل. كرة القدم وغيرها من الرياضات صارت قوة ناعمة، يستعان بها للترويج للثقافة الوطنية وتستثمر الأحداث الرياضية من أجل تسويق صورة البلد المنظّم لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية و سياحية... لكن الأحداث المؤسفة التي يدور رحاها في ملاعبنا تسيء لسمعة الوطن و صورته الناصعة التي ألمعها أسود الأطلس في مونديال قطر.