تعيش المؤسسات البنكية المغربية على وقع أزمة حقيقية بسبب تأثير التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين، وتداعيات رفع سعر الفائدة الرئيسي على كلفة الاقتراض الذي سجّل تباطؤاً في الإقبال عليه بداية العام الحالي. وكان بنك المغرب قد رفع سعر الفائدة الرئيسي 3 مرات متتالية منذ شتنبر الماضي، ليبلغ حالياً 3% وهو الأعلى منذ عام 2014، في مسعى لمواجهة التضخم الذي قفز في نهاية فبراير إلى 10.1%. وبدأت أولى نتائج سياسة التشديد النقدي تظهر في بيانات البنك المركزي المغربي أواخر فبراير، إذ سجلت القروض البنكية انخفاضاً ب0.3% على أساس شهري لتستقر عند 1030 مليار درهم، بعد يناير الذي سجل هو الآخر تراجعاً ب2.4% مُقارنةً بشهر ديسمبر 2022، وفق ما ذكرته صحيفة "ا اقتصاد لشرق" السعودية. وقال الخبير الاقتصادي زكرياء كارتي في تصريح للصحيفة ذاتها إن "الإقبال على الاقتراض بدأ في التباطؤ في الشهرين الأولين من 2023، وهو أول تجلٍّ لرفع سعر الفائدة الرئيسي". وذكر تقرير الصحيفة أن الأسر والشركات الخاصة تأتي في مقدمة المُتضررين من تشديد السياسة النقدية، حيث ستحجم الأسر أمام فوائد مرتفعة عن فكرة الاقتراض سواء لاقتناء السكن أو السيارات إلى حين، في وقتٍ تحدّ الشركات من خطط الاستثمار على المدى المتوسط. وتمثل القروض الممنوحة لشركات القطاع الخاص قرابة نصف إجمالي القروض بنحو 431 مليار درهم، وقد سجلت انخفاضاً قدره 1% في نهاية فبراير على أساس شهري، بينما بقيت قروض الأسر، البالغة نحو 380 مليار درهم، مستقرة دون زيادة مقارنة بشهر يناير. كارتي رأى في حديث ل"اقتصاد الشرق" أنَّ وتيرة تراجع الإقبال على القروض ستزيد في الشهور المقبلة مع زيادة كلفة الاقتراض، مما سيدفع بعض البنوك لتسجيل خسائر في العام الجاري. نهاية العام الماضي، وصل متوسط سعر الفائدة المطبقة في القطاع البنكي 4.50%، مقابل 4.29% في الربع الثاني من 2022، وفقاً لمعطيات بنك المغرب. ويُتوقَّع أن يزيد هذا المتوسط بعدة نقاط في نهاية العام الجاري انعكاساً لتأثير الرفع الثالث لسعر الفائدة الرئيسي الذي تمّ في مارس. ونقلت "اقتصاد الشرق" عن مسؤول إدارة المخاطر في أحد البنوك المغربية الكبرى، قوله: "إنَّ رفع سعر الفائدة "يدفع البنوك لدراسة مقدار الزيادة الممكن تمريرها إلى العملاء، ويتم دائماً استبعاد سيناريو التمرير الكامل للزيادة لأنَّ ذلك سيضر بالإقبال على الاقتراض". ويبلغ عدد البنوك التجارية في المغرب 9، علماً أنَّ 6 منها مدرجة في بورصة الدارالبيضاء التي تمكّنت العام الماضي من تحقيق أرباح إجمالية بنحو 12.4 مليار درهم (حوالي 1.22 مليار دولار)، بزيادة 20% على أساسٍ سنوي، مستفيدةً من انخفاض تكلفة المخاطر بنحو 12%. المسؤول في البنك المغربي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأنَّه غير مخول له بالتصريح، أضاف أنَّ "الاستمرار في تشديد السياسة النقدية من قِبل البنك المركزي سيكون له تأثير على هامش ربح البنوك في 2023، لكنَّ حدّة التأثير ستكون أقل بالنسبة للبنوك الكبرى لأنَّ لديها قاعدة واسعة من العُملاء بما يوفر لها احتياطيات إلزامية كافية لتغطية ارتفاع التكاليف". في حال استمرار بنك المغرب في دورة التشديد النقدي بالاجتماع الثاني للعام الحالي في 20 يونيو المقبل، ستكون البنوك ذات الحصص السوقية المتوسطة والصغيرة أمام امتحان صعب باضطرارها لرفع فوائد الإقراض بشكلٍ أكبر.